أسئلة وأجوبة حول بعض الأحداث المثيرة جدّا ً في الشرق الأوسط / بقلم: د. ألون بن مئير

 

 

 

هل تستطيع الولايات المتحدة كالقوّة العالميّة الأولى أن تحجم نفسها عن صراع ٍ آخر لضمان الأمن الدولي وأمن حلفائها؟

 

 

 

خلال نقاش ٍ أجريته في الآونة الأخيرة مع طلاب وأعضاء الهيئة التدريسيّة ورابطة الخريجين بجامعة نيويورك قبل الإنطلاق ببرنامجي “قادة عالميّون: محادثات مع ألون بن مئير” في اليوم الثالث من شهر نوفمبر الجاري، كان لديّ الفرصة للإجابة على بعض الأسئلة المتعلّقة بالإضطرابات والفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط ودور أميركا في العالم. وفيما يلي موقفي من بعض هذه الأحداث وكيف بإمكانها أن تتطوّر مع الزمن. وقد تمّ تحرير الأسئلة والأجوبة وإيجازها لأغراض الإيضاح.

 

سؤال: ما هو موقفك من الوضع الحالي للصفقة النوويّة مع إيران؟

 

ألون بن مئير: أتذكّر عندما تمّ التوقيع على الإتفاقية أنني كتبت مقالة بعنوان:”الجيّد والسيء والبشع في اتفاقية إيران”. هناك عناصر جيدة في الإتفاقية وأخرى كانت سيئة فعلا ً والبعض الآخر ما أدعوه بشع، بمعنى أننا لم نعلم كيف من الممكن أن تتطوّر الإتفاقية في نهاية المطاف. وبالّرغم من أن الإتفاقية قد تؤخّر إيران في امتلاك الأسلحة النووية، لنقل للأعوام العشرة القادمة، غير أنني أعتقد بأنّ إيران ما زالت ملزمة نفسها بحيازة مثل هذه الأسلحة تحت أية ظروف تقريبا ً.

 

إيران لا تسعى وراء هذه الأسلحة لاستخدامها – لا ضدّ إسرائيل ولا ضدّ أية دولة ٍ أخرى. فالإيرانيون يشعرون بأنّ لديهم مخاوف أمنية وطنيّة مشروعة. وبإمكان إيران بالأسلحة النووية أن تمنع أية قوة خارجيّة من محاولة إحداث تغيير في النظام، كما وستكون في وضع ٍ يحيّد المخزون النووي لكلا البلدين، إسرائيل وباكستان، ويمنع أيّ عدوّ من مهاجمتها. بإمكان أن أورد أسباب أخرى عديدة، بما في ذلك قلق إيران حول حالة عدم الإستقرار في أفغانستان وباكستان ورغبتها في توطيد هويتها الوطنية كقوّة عظمى تحت درع النظام الإسلامي الشيعي. ولها أيضا ً طموحات لكي تصبح القوة المهيمنة في المنطقة. فبامتلاكها الأسلحة النوويّة قد تكون إيران في وضع ٍ يرعب جيرانها ويمتعها بنفوذ أكبر للمضي قدما ً في أجندتها السياسيّة الإقليميّة.

 

أما الجزء البشع من الصفقة، إن صحّ التعبير، فهو حقيقة أنّه يُسمح لإيران الآن شرعيّا ً بتخصيب اليورانيوم ولو بكمية ودرجة منخفضة والإبقاء على معظم منشآتها النوويّة عاملة تقريبا ً، بما في ذلك أكثر من 10 الاف وحدة طرد مركزي عاطلة عن العمل تقريبا ً. أضف إلى ذلك، خلافا ً لمرافق نوويّة أخرى بإمكان وكالة الطاقة الذرية الدوليّة أن تفتشها متى أرادت، سُمح لإيران أن ترفض الدخول لبعض منشآتها العسكرية بدون علم ٍ مسبق. وهذا يعني أنّه في حالة ما إذا قرّرت إيران المضي قدما ً نحو امتلاك الأسلحة النووية، سيكون لديها منشآتها النوويّة وتقنيتها، بما في ذلك جميع وحدات الطرد المركزي، لتقوم بذلك. وحتّى لو استدعى ذلك الأمر إجراءات عقابية شديدة من طرف القوى الغربيّة، قد تكون إيران حينها في وضع ٍ يتحمّل مثل هذه الإجراءات حيث ستكون اقتصاديّا ً قوية بما يكفي لمقاومة مواصلة العقوبات عليها. أعتقد بشكل ٍ عام، على أية حال، بأن تأخير برنامج إيران لامتلاك السلاح النووي لمدة عشرة أعوام كان فكرة جيدة وما يزال. فمن الممكن، كما يتوقّع البعض في الغرب، أن تتغيّر الظروف دوليّا ً وتشعر إيران بأنها آمنة ومزدهرة اقتصاديّا ً بما فيه الكفاية وتقرّر حينها ألا تسعى وراء حيازة الأسلحة النووية. وبالرّغم من ذلك، ينبغي على الغرب وإسرائيل والعالم العربي السنّي المذهب أن يبقى في أشدّ الحذر واليقظة وألاّ يثق بإيران التي عندها نزعة الغشّ. فكما أرى الأمر، إيران عاهدت نفسها لامتلاك الأسلحة النووية ومن غير المحتمل أن تتغيّر على ضوء هذه الأسباب.

 

سؤال: هل كنت في إسرائيل في الآونة الأخيرة؟ هل المواقف العامّة أقلّ قلقا ً في إسرائيل، وبالأخصّ بعد مرور بعض الوقت على سيران مفعول الإتفاقية؟

 

ألون بن مئير: أولئك الإسرائيليون الذين على دراية بديناميّات الصراع ويقيّمون بعناية التهديد الإيراني يعلمون أيضا ً بأن إسرائيل تمتلك لغاية 200 رأس حربي نووي. ومن المعروف بأن لدى إسرائيل غوّاصات مزوّدة بأسلحة نوويّة تمخر باستمرار في البحر الأحمر والمتوسط والبحور العربية، وإيران ليست غافلة عن ذلك. وإيران تدرك أنه في حالة امتلاكها لمثل هذه الأسلحة واتخاذ قرار بفقد عقلها واستخدامها ضدّ إسرائيل، فقد تُنزل دمارا ً لا يُتصوّر في إسرائيل، غير أنه سيكون لإسرائيل القدرة على ضربة نوويّة ثانية قد تمسح إيران من وجه الأرض. وقد أوضحت إسرائيل موقفها بشكل ٍ واضح تماما ً: عندما يتعلّق الأمر بتهديدات وجودها، فإنها ستتخذ أية خطوات ضرورية لتضمن بقاء الدولة.

 

سؤال: يبدو لشخص ٍ ليس مطّلعا جيدا ً بأن بوتين يحاول إعادة توطيد إتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية، وأردوغان يحاول إعادة توطيد الإمبراطورية العثمانية، ويبدو أنّ إيران أيضا ً تحاول إقامة الإمبراطورية الفارسيّة، والصين يبدو أنها تحاول تصحيح أو معالجة ثلاثة قرون من الإهانات. هل نحن واقفون جانبا ً لجعل أولئك الناس يعملون ضدّ بعضهم البعض، أم أننا ببساطة لا نعلم ماذا يحدث؟

 

ألون بن مئير: ليس هناك مفاجأة حول طموح روسيا أو تركيا فيما يتعلّق بما قلت، أو ما تودّ أن تفعله إيران أو الصين. ولكن بوتين، على أية حال، يعلم بأنه لا يستطيع ولن يكون قادرا ً أصلا ً على إعادة ما يسمى مجد الإتحاد السوفييتي لأنّ خارطة الدول الأوروبية الشرقية قد تغيّرت جذريّا ً بحيث لم يعد هناك مجالا ً للرجوع للأيام الماضية. وبالرغم من ذلك، فهو بالتأكيد يريد الإبقاء على دور روسيا كقوّة عظمى تستطيع التأثير على الأحداث خارج حدودها، وهو ناجح في ذلك إلى حدّ ما، وسوريا تقدّم مثالا ً جيدا ً. ورئيس تركيا، الطيب رجب أردوغان، يعلم بأنه لا يستطيع إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، لأنّ هذا بكلّ بساطة لن يحدث. هو يحاول الآن أن يصبح قائد العالم الإسلامي السنّي، ولكنه رُفض مرارا ً وتكرارا ً. وكما قلت سابقا ً، خامئيني يريد أن تصبح إيران القوة المهيمنة على المنطقة وسيبقى يحاول ذلك، ولكن هذا ما يزال موضع شكّ. والصين، لأسباب جليّة، تريد أن تكون القوّة المسيطرة في منطقتها بفعل حجمها الجغرافي وقوتها. وما يحاول جميعهم فعله هو توطيد قوتهم إلى أقصى حدّ ممكن. وعندما يرون أنّ هناك فراغا ً تركته الولايات المتحدة، أكان ذلك في آسيا أم في الشرق الأوسط أم في أوروبا، تستطيع أن تعتمد على الصينيين وعلى الرّوس والإيرانيين بأنهم سيحاولون ملء هذا الفراغ.

 

سؤال: هل تعتقد بأن الولايات المتحدة سعت وراء سياسات مختلفة لإيقاف بعض هذه التطورات؟

 

ألون بن مئير: لقد خلقت الولايات المتحدة بهذا الخصوص للأسف خلال الـ (16) عاما ً الماضية أكثر من فراغ. لقد فكّكت حرب العراق – مع كلّ النوايا والأهداف – النظام السابق في الشرق الأوسط. ومهما كان الوضع هناك آنذاك فوضويّا ً، فإنه اليوم فوضويّا ً بدرجة أكبر بكثير من ذي قبل وسيبقى كذلك لسنوات عديدة قادمة، وحتّى أجرؤ على القول لعقود قادمة.

 

وما حدث هنا هو أنه لدينا رئيس (وهو أوباما) كان ومع أحسن النوايا ساذجا ً بطرق ٍ عديدة، بمعنى أنّه كان يفكّر أنه بالنظر لحرب العراق وأفغانستان ينبغي على الولايات المتحدة ألاّ تتورّط في صراعات أخرى ويموت العديد من الجنود الأميركيين في صراع شرق أوسطي آخر في دولة عربيّة أخرى.

 

هذا لا يعني أنه ينبغي علينا أن نقحم أنفسنا في كلّ صراع ٍ في الشرق الأوسط أو في مكان ٍ آخر. ولكن السؤال هو وسيبقى دائماً: هل تستطيع الولايات المتحدة كالقوّة العالميّة الأولى أن تحجم نفسها عن صراع ٍ آخر لضمان الأمن الدولي وأمن حلفائها؟ أعتقد بأن الجواب واضح تماماً، وهو أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع التهرّب من تلك المسؤولية، إن رغبنا في ذلك أم لا.

 

ما أقوله – ولنأخذ مثالا ً على ذلك سوريا – هو أنّه كان علينا أن نفعل شيئا ً هناك في وقت ٍ سابق من الآن بكثير. فعندما اجتاز الأسد ما كان يسمّى “الخط الأحمر” واستخدم أسلحة كيميائية، كان علينا أن نفعل شيئا ً حيال ذلك، مثلا ً قصف بعض منشآت السلاح الجوي للأسد وذلك للحفاظ على مصداقيتنا. وبعدم قيامنا بأي عمل فقدت الولايات المتحدة الكثير من مصداقيتها في أعين الأسد نفسه وفي أعين الرّوس والصينيين وبالتأكيد إيران.

 

وبالرّغم من أننا استطعنا التخلّص من الأسلحة الكيميائية في سوريا، غير أن حلفاءنا في الشرق الأوسط قلقون. فهل للسعوديين سبب للقلق على أمنهم الوطني في هذه الأيام؟ وهل لدى الإسرائيليين مخاوف مماثلة؟ وما بالك بدول الخليج الأخرى، أو المصريين؟ إنّ الأمن الوطني لهذه الدّول يعتمد بشكل ٍ حصريّ تقريبا ً على قدرة أميركا واستعدادها للهبّ لمساعدتها عند الحاجة. نحن خلقنا الشكّ بنا، وأميركا لا تستطيع السماح لنفسها أن تخلق الشكّ أو الريبة في عقول البلدان التي تعتمد على التزام الولايات المتحدة بأمنها الوطني. هذا أكبر قلق ٍ يراودني، وهذا ما سيلاحقنا ويبقى معنا لفترة وجيزة من الزّمن.

 

وبعد قول كلّ ذلك وأكثر، فسواءً كنت تتكلّم عن روسيا أو الصين أو أي بلد ٍ آخر، فهذه ما زالت تبحث عن مكان ٍ لها بجانب الولايات المتحدة العملاقة من حيث النفوذ والقدرة على عرض نفسها. لدينا اليوم قوات عسكرية في بضع عشرات من الدّول، ولدينا بفارق ٍ كبير من أية دولة أخرى في العالم أكبر تركيز للقوة العسكريّة في الشرق الأوسط.

 

أجل، لدينا مصادر القوة وندرك ما يلزم، ولكنني أعتقد بأنه كان هناك خلال الأعوام السبعة أو الثمانية الماضية افتقار للإرادة لاستخدام مصادر القوة هذه، أكان ذلك القوّة الصلبة أم اللينة على حدّ سواء. ولكن مشاركة أميركا الإنتقائية وخيارها لمصادر القوة التي ستستخدمها سوف تظلّ في غاية الأهميّة.

 

 

 

د. ألون بن مئير

 

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

 

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

 

بمعهد السياسة الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *