قمة خليجية قبل إعلان التشيع دينا وطنيا للعراق / أسعد البصري  

 

بالنسبة إلى سنة العراق الحرب العراقية الإيرانية بدأت عام 1980 ولكن نهايتها الحقيقية ستكون تحرير الموصل عام 2017. السنة في حيرة من أمرهم ولا يعرفون هل يتخلون عن مهنتهم القديمة وهي العداء لإيران، أم يرضخون لهزيمتهم الكبيرة بعد تحرير الموصل ويتحالفون مع إيران طلبا للسلامة؟.

 

القمة الخليجية الـ37 في المنامة تهدف إلى اقتراح نوع من الاتحاد الخليجي العسكري في مواجهة التحديات وخصوصا التحدي الإيراني. لقد انزعج الخليج من تصريحات ترامب في حملته الانتخابية عن أن أميركا تطالب بدفع مضاعف للدفاع عن الخليج.

 

تصويت الكونغرس مؤخرا بمجلسيه الشيوخ والنواب لصالح تمديد العقوبات عشر سنوات أخرى على إيران يعتبر صدمة. وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن الفريق الجديد للرئيس الأميركي يدرس فرض عقوبات جديدة متعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية وملف حقوق الإنسان في إيران. كيف سترد إيران على العقوبات الأميركية؟ هل ستهدد المصالح الأميركية في المنطقة حقاً؟ وكيف سيكون رد ترامب؟

 

يجب أن ننتبه إلى العلاقات بين روسيا وإيران. فمنذ 1991 وحتى 2015 بلغت مشتريات السلاح الإيراني من روسيا أكثر من 300 مليار دولار. وهناك مشروع لزيادة التبادل التجاري بين البلدين إلى 70 مليار دولار سنويا. ليس من السهل انهيار إيران بصواريخ أميركية.

 

ينبغي عدم التعجّل في حكمنا على السياسة الأميركية الجديدة حتى وصول الرئيس الجديد إلى مكتبه في البيت الأبيض في 20 يناير 2017 فنحن نجد صعوبة في الجمع بين تقرير في واشنطن بوست عن الجنرال المتقاعد مايكل فلين، الذي سيتولى منصب مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، وقوله “إن التحالف بين فصائل المعارضة السورية والمجموعات المتطرفة بات يتبلور منذ وقت طويل، وترعرع المتشددون خاصة على حساب المساعدات التي قدمتها واشنطن إلى المعارضين للأسد”، وبين أن الكونغرس أعطى الموافقة للرئيس ترامب لتسليح المعارضين السوريين بأسلحة مضادة للطائرات. حتى تقرير أولبرايت هادلي الأخير يصبّ في نفس الاتجاه وهو الاستعداد لتسليح المعارضة السورية لضرب الأسد ومنعه من السيطرة على شرق سوريا. وكلنا يتذكر تهديدات دونالد ترامب بوقف الدعم الأميركي للمعارضة السورية والتفاهم مع روسيا بهذا الشأن.

 

السياسة الإيرانية بالمقابل تعمل بواقعية شديدة وتحقق نقاطا. نتيجة غزو العراق للكويت فكت العزلة عن إيران، ونتيجة غزو أميركا للعراق امتداد لنفوذ إيران، ونتيجة انفجار السلفية وداعش ترسيخ الإسلام الشيعي في المنطقة. فهل صدام حسين إيراني غزا الكويت لأن إيران المستفيد؟ وأميركا إيرانية غزت العراق لأن إيران المستفيد؟ وداعش إيرانية نشرت الإرهاب السني لأن إيران المستفيد؟ قال علي خامنئي مؤخرا “مخطئ مَن يظن أن أميركا لا يُمكن هزيمتها” هذا قبل أن تعلن الولايات المتحدة عن رغبتها في إلغاء الاتفاق النووي مع إيران أو دفع طهران إلى إلغائه.

 

وعلى الجانب السني مواقف رجال الدين والمعارضين لإيران متناقضة، هذا بغض النظر عن رجب طيب أردوغان الذي مرة يحمي الموصل، ومرة يتخلى عنها، ومرة سيطيح بالأسد وبعدها ينكر تصريحاته. وآخر تصريح لرئيس الوزراء التركي يقول “لدى تركيا وروسيا نهج واحد لحل الأزمة السورية”.

 

الحال متناقضة جدا وأكبر دليل على ذلك ما سمعناه من تهافت لمعارض سوري مسيحي مخضرم يقول “كل واحد سوري عم يموت بدل خمسة سعوديين بكرة” وأن المعارضين السوريين صاروا تجارا أثرياء بسبب الدعم القطري. هذا المعارض يشعر بالإحباط، فإذا سقطت حلب وانتهت الحرب يصبح هو ورفاقه مجرّد رجال باعوا وطنهم مثلهم مثل دواعش العراق، لهذا يصب غضبه على الدول العربية.

 

بالنسبة إلى سنّة العراق فإن الحرب العراقية الإيرانية بدأت عام 1980 ولكن نهايتها الحقيقية ستكون تحرير الموصل عام 2017. السنّة في حيرة من أمرهم ولا يعرفون هل يتخلون عن مهنتهم القديمة وهي العداء لإيران، أم يرضخون لهزيمتهم الكبيرة بعد تحرير الموصل ويتحالفون مع إيران طلبا للسلامة؟

 

في كل الأحوال قاوم النظام الإيراني كل أنواع السياسة الأميركية من كارتر إلى أوباما ولا نعتقد أن ترامب سيضرب طهران بالصواريخ أو يمحو بلاد فارس من الوجود. بلاد فارس موجودة منذ آلاف السنين. والعوائل التي تدير البلاد هي نفسها منذ العهد الصفوي والقاجاري، أي هناك تراكم خبرة سياسية وليس مثل العراق الذي لم يحكم نفسه حقا إلا بانقلاب عام 1958. لقد انتظرت أميركا في سوريا أن ترتكب إيران خطأ وتتدخل بجيشها رسميا بدعوة من الحكومة السورية، ولكنها لم تفعل بل ذهب الجنرال قاسم سليماني إلى موسكو وأقنع روسيا بالتدخل، وهذا مزعج جدا بالنسبة إلى المكر الأميركي.

 

الواقع الذي نراه أمامنا هو انهيار المعارضة السورية المسلحة، ومعركة الموصل في العراق تريد أن تجعل منها القيادة العراقية مشروعا لبناء أمة عراقية جديدة. لقد كان العقل السنّي هو الدولة العراقية، لم يكن عندهم عقل سياسي بديل لها، بدليل أنهم لم يؤسسوا معارضة كما فعل الشيعة والأكراد. وحين سقطت الدولة العراقية بالاحتلال عام 2003 كان سنة العراق قد فقدوا رأسهم.

 

وهذا يفسر لنا حالات الزومبي التي مروا بها، فالرأس المقطوع صار يُستبدل برأس سعودي تارة، أو تركي تارة أخرى، أو رأس البعث المخلوع والمقطوع، وفي النهاية ركب على أكتافهم الرأس الداعشي ليس لأنه مقبول جماهيريا ولكنه الأكثر عنفا وبطشا.

 

بعد تحرير الموصل سيكون علينا البدء من جديد من لحظة عام 2003 ووضع الدولة العراقية كرأس على أكتافنا. صحيح هو رأس شيعي ولكنه الخيار الوطني الوحيد الموجود الآن، لا يوجد ترف في الاختيار عندما تكون البلاد في خطر. تماما كما فعل الإيرانيون في الاحتلال الأفغاني حيث كانوا رافضين للتشيّع الصفوي، ولكن حين احتل الأفغان السنّة بلادهم، وصاروا يراسلون السلطان العثماني بإعادة المذهب السني إلى إيران رفض الفقهاء الإيرانيون العودة إلى دينهم (الحق) وتمسكوا بالمذهب الشيعي واعتبروه مذهبا وطنيا ضد الأطماع العثمانية.

 

لقرن كامل المذهب السني هو المذهب الوطني للدولة العراقية، ولكن بعد تحرير الموصل سيُصبِح المذهب الشيعي هو المذهب الوطني للدولة وبلا منازع. هناك اتفاق عراقي اليوم على أن يكون المرجع الشيعي هو الملك، والولاء للعمامة سيكون بديلا عن التاج.

 

أيديولوجيا الدولة ستكون شيعية واضحة، أي أن الوطنية ستكون هي التشيع نفسه، والرموز الوطنية للعراق هي الإمام الحسين والإمام علي والإمام الكاظم. كما حدث في إيران تماما، الدستور الإيراني ينص علنا على العمل بالمذهب الجعفري مع أن في البلاد ملايين السنة والبلوش والعرب والأكراد والآذريين والتركمان.

 

المشروع الشيعي في حالة حرب وصيرورة خصوصا بعد التأكيد على أن الإرهاب الذي يهدد العالم سنيّ. الشيعة استقطبوا الأقليات المسيحية في بلاد الشام ولبنان والعراق وبعض العلمانيين العرب.

 

السؤال هل المشروع الإيراني قادر على إعلان سيادة جديدة جوهرية في المنطقة، أم إنه سينهار ويتمزق وتكثر بينهم الدماء، وفي النهاية تحترق مدنهم بالثأر والخراب؟ ولكن حتى الآن نرى حماسة غير عادية تدفع هذا المشروع.

 

تحظى وجهات نظري باهتمام حتى من بعض الأعضاء في البرلمان العراقي، ولهذا نضيف وجهة نظر مثقفين آخرين حول هذا المقال حتى تكون القضية عادلة وليست تحريضية وقد اخترت مداخلتين هنا لإيضاح الصورة.

 

1 – العراقيون وإن تحالفوا مع إيران لصد التنظيمات السنية المتشددة إلا أن تحالفهم براغماتي -من وجهة نظر إيران على الأقل- والدولة البراغماتية لا تؤمن بمشروع بل بمصالح دائمة، ولو كانت طهران فعلا صاحبة مشروع شيعي لدعّمت أذربيجان الشيعية ضد أرمينيا المسيحية وليس العكس. عندما زار خامنئي إحدى محافظات السنة خطب وقال “أنتم جزء من أمتنا الفارسية وكلنا سنقاوم أيّ محاولة لشق نسيجنا المجتمعي” ولم يقل لهم أنتم جزء من مذهبنا.

 

القول إن العداء العربي الفارسي هو قضية تراكمية وليست ذنب العربي بل الموروث التاريخي هو قول إشكالي. إن العروبة قد أضرت بالشيعي، لا بل سحقته وألصقت به كل مفردات التخوين. فالشيعي إما صفوي خائن أو أن يخضع للعروبة بصبغتها السنية فقط. فنراه قد ضاع بالعروبة السنية بالأمس، واليوم هو ليس ذنبه أيضا عندما يرى أن إيران ملجأه أمام مخالب التخوين العروبية.

 

2 – إن قامت يوما دولة النفط الشيعية في المشرق العربي كون النفط في مناطق شيعية، فسيكون المشروع أميركيا وليس إيرانيا، وستكون إيران أول المتضرّرين مع أن الأمر مطروح كسيناريو منذ تسعينات القرن العشرين، ولكنه صعب التحقيق إلا أن تخوض أميركا حربا عالمية في المنطقة.

 

ليس هناك مشروع شيعي في العراق لا على المستوى السياسي الحكومي، ولا على المستوى المرجعي. إيران لا يستبعد أنها تحارب بدم الشيعة العراقيين دفاعا عن نفسها وحتى لا يصلها خطر الإرهاب. وقد تستخدم التشيع وسيلة لتحفيز هذه الطاقات. ولكنها مشروع قومي لا يسعى إلى خدمة الشيعة سواء في العراق أو في غيرها، وإلا لما رضيت أن تستمر أوضاع الطبقة الفاسدة في السلطة العراقية على ما هي عليه، ولما قبلت أن يكون الشيعة في العراق ضحايا الإرهاب ويقدمون التضحيات بهذا المستوى.

 

من جانبهم العرب لم يقدموا للعراقيين أدنى مساعدة بالتعامل معهم كعراقيين عانوا من ظلم سلطة منهارة. إن الشيعي العراقي عندما يرى هذه الجهود الكبرى والحملة الإعلامية والدعائية التي تشتمه ليل نهار وتورط العراقي السني أيضا، فإنه سيرى إيران أقرب إليه من العربي الذي يحيطه بالكراهية من كل جانب.

 

***

 

☚ الخلاصة هي أننا في مفترق طرق؛ إما أن الشيعة وطنيون ويتساقطون في الموصل دفاعا عن الوطن، أو أن داعش حركة ثورية ضد الاضطهاد الطائفي والعنف سبيلها الثوري في مقاومة الاستعمار وعملائه. مثقف سنيّ يقول لي في رسالة لا تضعنا في مفترق طرق رجاء “أخطر ما قرأته لك وما يصلح أن نؤسس عليه نظرية عمل هو قولك لا شهداء َفي الحروب القذرة” بمعنى آخر الرجل يريد الاعتزال (لا مع معاوية ولا مع علي) ولكن هذا غير ممكن بدليل أن هذا المثقف نفسه يهتف للجيش وتحرير مدينته من الإرهاب.

 

نحن في زاوية تاريخية حادة كوطنيين عراقيين وعلينا إعطاء تفسير أو اتخاذ قرارات. إن مصرع 138 جنديا عراقيا في ثماني ساعات على مسافة من الضفة الشرقية لنهر دجلة، قضية ليست سهلة وعلى المثقف أن يقرر. بالنسبة إلى العراقيين فإن انهيار المعارضة السورية، وتهديد واشنطن لإيران، وانعقاد قمة تمهد ربما لإعلان اتحاد خليجي عسكري، كلها خطوات قبل سقوط الموصل وإعلان المذهب الشيعي دينا رسميا ووطنيا للعراق من شماله إلى جنوبه. هذا هو الواقع بغض النظر عن عواطف الأشخاص ورغباتهم.

 

كاتب عراقي

أسعد البصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *