سنة العراق لم يهتموا بالثقافة العرب أسعد البصري رصد عراقيون

 

 

إن غياب المثقفين هو الذي يجعل سنة العراق عاجزين عن فهم المملكة العربية السعودية، خصوصا بعد تقاربها مؤخرا مع القادة الشيعة في العراق.

لم يفهم كثيرون كيف لعب العقل الإيراني مع العقل السني العراقي لعبة مصارع الثيران الإسباني. ماذا يفعل مصارع الثيران؟

 

إنه يكشف القطعة الحمراء والثور يندفع نحوها بكل عضلاته وقرونه، وفِي هذه الاندفاعة تخور قواه ويغرز المصارع الماهر جسده بالرماح. ما هي القطعة الحمراء التي استخدمتها إيران؟ شتم عائشة وأبي بكر وعمر بشكل منظـم ومستمر من خلال الشعائر الشيعية والمؤسسات الإعلامية. الثور السني القوي كان يضرب الأرض للدفاع عن التوحيد والقيم الوجدانية. يظن أن ذلك أمرا مهما جدا يستحق التمرد بالسلاح، وفي النهاية يتحول الثور إلى إرهابي وتجتمع عليه الأمم ويتم ذبحه للعيد السعيد.

 

السنة لم يهتموا بالمثقفين على الإطلاق. ورثوا عن النظام السابق فكرة تقول بأن الثقافة هي إعـلام وتوجيه سيـاسي. يعتقدون أن الفكر ليس خطرا ويريدون أشياء سريعة سهلة مباشرة. لا يفهمون كيف أن هذا الدكتور الأنيق “قاط ورباط” من بيت معروف لا يستطيع مساعدتهم فكـريا، وعليهم البحث عن هامشيين قد لا يسرون الناظرين ولكنهم قادرون على إنتاج أفكار وكتابة خلاقة. مجتمع مغلق بالبيوتات والألقاب العشائرية والشهادات لا يتقبل الهامشي.

 

لم يكن عندهم اهتمام بالثقافة لهذا برعوا بالفضائيات. حملات إعلامية تعقبها حملات إعلامية والنتيجة هي نفسها “المأساة”. حتى تركهم الناس وملوا. لا يمكن أن يكون لك وجود دون عقل. لم يدركوا ذلك ولم يكترثوا واعتادوا الصفقات السريعة. الثقافة تحتاج وقتا وصبرا وقدرة على التمييز. تجد أحدهم شيخ عشيرة وحزبيا وضابطا وإعلاميا بنفس الوقت ويصرح للفضائيات. لهذا لم ينتجوا شيئا.

 

الحضارة بدأت بتقسيم العمل، وحده المجتمع البدائي لا يفهم أهمية ذلك. إيران درست ذلك وعرفت نقاط ضعفهم. يريدون ثقافة هجاء مثل جرير والفرزدق، ويظنون أن العصر الحديث يتقبل هكذا عقل. تجاوزتهم الأحداث لهذا السبب.

 

إن أهمية الثقافة تأتي من أن الحياة لا تعطيك أكثر مما تستحق. إن تصورك عن الحياة هو الذي ستجده في الواقع. لهذا من المهم مراجعة الإنسان لوعيه، فإذا تغير فهمه للعالم يتغير العالم من حوله. إن حياتك الشخصية تستجيب لعقلك، بل هي انعكاس له. وهذا يصح على الفرد كما يصح على المجتمع.

 

أدعو إلى قطيعة مع الماضي، مع فهمنا التقليدي للعالم. نبدأ من العقل الغربي، نأتي بهم يبنون لنا مناهج تعليم، مدارس وجامعات قبل كل شيء، ماذا نفعل بأميركا وملياراتها إذا كانت مناهج التعليم والثقافة بيد رجـال الدين ومرجعية النجف؟ نريد علاقة تربط أطفال المدارس بالتعليم الأميركي وليس عملاء وأحزاب دينية وتخلف.

 

ما العيب في استيراد مدارس ومعلمين من أميركا، فلم نستفد من الاحتلال الأميركي لبلادنا شيئا إذا لم نتعلم منهم ونبني منهاج التعليم على طريقتهم.

 

عملاء قطر وإيران يتداولون تسجيلا لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في جلسة داخل الكونغرس ترجمته قناة الجزيرة يقول؛ بأن مركز مكافحة الإرهاب الذي افتتحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمة الرياض هو إشراف أميركي على تغيير مناهج التعليم في المملكة، وسحب المناهج القديمة وحصار الوهابية، والإشراف على خطباء الجوامع.

 

بعض الشيعة يعتبرون الأمر سيئا بينما الحقيقة هو جيد وصمام أمان. ليت العراق يؤسس مركزا مشتركا تشرف فيه الولايات المتحدة على خطابات رجال الدين وثقافة الكراهية ومناهج التعليم. لماذا لا؟ أميركا قامت بتعبيد الطرق والجسور والمطارات وساعدت المملكة على دخول العصر الحديث، فلماذا لا تساعدها في بناء الوعي والتعليم والمناهج الصحيحة؟ ثم ما هو الأفضل أن تتدخل أميركا لنهضة التعليم، أم أن تمنع مواطنينا من دخول بلادها ونعاني عقوبات دولية بسبب رفضنا لقبول القيم العصرية والحضارية؟

 

الشيخ ناصر العمر مثلا بروفيسور علوم دينية منذ عام 1993. رجل دين سعودي معـروف بالسرورية يقول على الهواء مباشرة الوطنية هي الأخوة بين المؤمنين في البلاد ووحدة العقيدة، والمواطنة هي العقيـدة الصحيحة، ويتساءل- باستنكار- أي وطن هذا الذي يساوي المؤمن بالعلماني بالرافضي؟ هذا فهمه للنص الديني “أَفَمَن كـان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستـوون” أليس هـذا الفهـم الخاطئ بحاجة إلى مراجعة ومساعدة من خبراء في التعليم الأميركي؟ ليصبح التعليم مناسبا للعصر الحديث؟

 

نحن بحاجة إلى التخلص من الفوضى العقلية. نفرح إذا ظهر أحوازيون يهتفون ضد إيران ويمجدون السعودية، ويطلقون على بلادهم التي يحملون جنسيتها كلمة “بلاد العجم”، وفِي نفس الوقت يزعجنا لو تكلم شيعي عربي بذات المنطق ومجد إيران على حساب بلاده. إن احترامنا للـ“مواطنة” هو الذي يحصن عقولنا ضد التوجهات العنصرية والمذهبية والوقوع في التناقض. الأحوازي يعاني من مشاكل عليه حلها من داخل بلاده، أو مع المعارضة الإيرانية وليس بالعنصرية.

 

إن غياب المثقفين هو الذي يجعل سنة العراق عاجزين عن فهم المملكة العربية السعودية، خصوصا بعد تقاربها مؤخرا مع القادة الشيعة في العراق.

 

إن ضغط سنة العراق على السعودية لتمثل السنة لن يؤدي إلى نتيجة. السعودية تفكر ببناء نظام مركزي للأمن العام وإحكام القبضة على التطرف وتشييد مدن سياحية عالمية. المملكـة لا تدعـم السنة أو الشيعة. إنها تدعم الدولة السعودية فقط. إن السعودية دولة حديثة تتحرك بمنطق براغماتي.

 

الإيرانيون الذين تحدثت معهم يقـولون إن هذه الطريقة السعودية فيها مغامرة. فالسير ضد المشاعر المباشرة للبشر قد يؤدي في النهاية إلى انهيار تاريخي. غير أنني لا أرى ذلك مطلقا. قيادة المملكة وعيها سابق لوعي الغوغاء وتسير مع تحالف أميركي راسخ. هدفها هو الحفاظ على البلاد واستقرار الدولة وتأمين مستقبل المواطن وستنجح.

 

إن الهزيمة المأساوية التي تعرّض لها سنة العراق تعتبر مناسبة لمراجعة الذات. فليس مهما مَن هو المسؤول مخابراتيا عن ظهـور تنظيم داعـش وتسليمه المـدن العراقية.

 

لا شك بأنه مخطط إيراني ساهم فيه الإخوان المسلمون وقطر والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن المهم بالنسبة إلى السنة اليوم هو إعادة النظر بالثقافة والوعي والتفكير بالسبب الذي جعل من تنظيم داعش قضية مفهومة وربما مقبولة. وهذه المراجعة غير ممكنة دون مثقفين ودعم للثقافة.

 

كاتب عراقي

أسعد البصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *