هل يمكن التسامح مع من لم يسامح العرب: إبراهيم الزبيدي رصد: عراقيون  

 

الشعب العراقي، بصراحة، لا يعفي السيد السيستاني، شخصيا، من مسؤولية ما حل بالوطن العراقي من خراب يصعب إصلاحه إلا بعمل خارق وثورة شعبية كاسحة لا تبقي ولا تذر.

 

لا أحد يجادل في مكانة السيد السيستاني الدينية، ولا في درجة إخلاصه لآل البيت والتزامه بمبادئهم وتعاليمهم، ولا في ما ينقله عنه وكلاؤه من فتاوى وخطابات وبيانات خاصة بأحكام الدين والشريعة.

 

ولكنه حين يغادر مقامه الديني ويدخل عالم السياسة والحكم يصبح واحدا من السياسيين، ويكون من حق أي كان من أهل الرأي والبيان أن يتصدى لفكره السياسي، وأن يدقق في صواب مواقفه وقناعاته السياسية أو خطلها، ثم يسأل، هل تمخضت تدخلاته في أمور الحكم والسياسة عن تعزيز الهوية الوطنية العراقية أم شاركت في تمزيقها؟

 

وهل عملت على تحقيق العدالة وسلطة القانون، أم ساعدت على تعميق الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، وسهلت هيمنة الفكر الطائفي التمييزي التهميشي الذي أسس لكل هذا الخراب العظيم الذي لحق بالهوية الوطنية، والذي أصبحت معه كلمات ناعمة، حتى لو كانت صادرة من مقام السيد السيستاني نفسه، غير مجدية بعد أن انتهت صلاحيتها من زمن طويل؟

 

أعلن الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، نيابة عن السيد السيستاني “أن الإيمان بأن التعدد الديني والمذهبي أمر واقع، وينبغي معرفة كيفية التعامل الإيجابي البناء مع التعددية بما يصون المجتمع من الصراع ومن استخدام العنف”، وطالب بـ“التعامل بعقلانية وواقعية وعدالة مع التعددية”.

 

وأكد “أن من الأمور الخطيرة التي أريق بسببها الكثير من الدماء البريئة هو تكفير الآخر لمجرد المخالفة في بعض القضايا العقدية”.

 

وأكد “أن الوعي بما تفرضه المصالح العليا للمسلمين والمصالح الوطنية العامة التي هي أهم بكثير من المصالح الضيقة التي يتصور البعض أنها مصالح للمذهب والطائفة، يستدعي مراعاةَ الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للجميع، ضمن دائرة حقوق المواطنة التي يتساوى فيها الجميع، والتعايش على قاعدة المبادئ والمصالح المشتركة، ودرء مفاسد الاختلاف والشقاق المضرة للجميع”.

 

ولكن الشعب العراقي، بصراحة، لا يعفي السيد السيستاني، شخصيا، من مسؤولية ما حل بالوطن العراقي من خراب يصعب إصلاحه إلا بعمل خارق وثورة شعبية كاسحة لا تبقي ولا تذر.

 

ألم يكن السيستاني هو الذي “أمر” سلطة الاحتلال الأميركي باختيار إبراهيم الجعفري وعبدالعزيز الحكيم ومحمد بحر العلوم وموفق الربيعي وأحمد الجلبي وإياد علاوي أعضاء ورؤساء في مجلس الحكم سيء الصيت؟

 

وأول مآخذه عليه أنه لم يكتفِ بعدم الإفتاء بمقاومة الاحتلال الأميركي، بل هادنه وسايره وقبل بأن يصبح المرشد الأعلى لإدارة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، وخاصة في ما يتعلق بالدستور الذي كتب على عجل، وأرسى قواعد المحاصصة الطائفية العنصرية التي أنتجت الموبقات الأخرى التي لا تنتهي.

 

وثانيها سكوتُه، من أول الغزو الأميركي، عن تحالف السياسيين الأكراد مع الأحزاب الإيرانية العراقية، واحتكار الوطن والمواطنة، وتعميم تهمة “الصدّامية” و“الإرهاب” على طائفة كاملة، واستعداء الجيوش الأميركية عليها، وقتل أكبر عدد يمكن قتله من أبنائها، وإتخام السجون والمعتقلات بالآلاف ممن يمكن اختطافهم واعتقالهم، وتهجير من يمكن تهجيرُه منهم، دون تمييز بين محسن ومسيء.

 

ثم سكوته عن تدفق آلاف المجندين، بكامل سلاحهم من الجارة إيران، ثم عن تسابق الوكلاء العراقيين لإيران على إنشاء الميليشيات، رافعين أعلام آل البيت وصورهم وشعاراتهم، وهم يعملون تحت قيادة الحرس الثوري لا لخدمة العراق ووحدته الوطنية، بل لترسيخ وتعميق الفرقة والاختلاف والاقتتال والفتك بكل من يرفض اعتبار العراق مستعمرةً إيرانية عادت إلى أصحابها الشرعيين.

 

ألم يكن السيستاني هو الذي “أمر” سلطة الاحتلال الأميركي باختيار إبراهيم الجعفري وعبدالعزيز الحكيم ومحمد بحر العلوم وموفق الربيعي وأحمد الجلبي وإياد علاوي أعضاء ورؤساء في مجلس الحكم سيء الصيت؟

 

ألم يُجبر السيستاني سلطة الاحتلال الأميركي على التخلي عن فكرة الاستفتاء الشعبي العام لاختيار النظام السياسي واستبدالها بمسرحية تسليم السيادة، وتعيين علاوي رئيسا مؤقتا للوزراء؟ ألم يصرّ على كتابة الدستور بأسرع ما يمكن؟

 

ألم يتدخل، عبر المتنفذين من أتباعه في لجنة كتابة الدستور، في صياغة عدد كبير من أحكامه التي أسست للمحاصصة الطائفية العنصرية التي فصصت الشعب العراقي إلى مكونات يسعى كل مكـوّن منها لاقتطاع أكبر ما يستطيع اقتطاعه من الفريـسة، حتى لو أحرق الوطن ورمى بمصير شعبه في المجهول؟

 

ألم يأمر جميع القوى السياسية الدينية الشيعية التي تأتمر بأمره بأن تُنصّب نوري المالكي فرعونا جديدا، في الدورة الأولى؟ وألم يباركه في الدورة الثانية؟ وألم يسكت، ومازال يسكت، عن تحضيره لدورة ثالثة رغم ثبوت فساد حزبه ومستشاريه وظلمهم وتقصيرهم عن خدمة المواطنين؟

 

وهل قال شيئا عن “أسد” العراق نوري المالكي الذي سافر إلى روسيا، باسم الدولة العراقية، ونيابة عن “جميع طوائف الشعب العراقي وقومياته وأديانه المتعددة”، سواء منها الموالية لإيران أو المعارِضة، مطالبا بوتين بالتفضل والتكرم والتنازل والأمر بإرسال جيوشه بكامل أسلحتها، إلى العراق، كما فعل في سوريا، ثم بعد أن يعود إلى “عرينه” يهاجم، دون خوف ولا حياء، مَن وصفهم بـ“الشركاء الذين فتحوا أبواب الوطن أمام التدخلات الخارجية”؟

 

وهل تطرق السيستاني، مرة واحدة، لطوفان البضائع الإيرانية السيئة والمخدرات التي أغرقت الوطن، وجعلت محافظات الجنوب العراقي، أكثر من الوسط والشمال، الأعلى في أعداد المنتحرين؟

 

وهل قال شيئا عن حملات الاعتقال والاختطاف والقتل والتهجير والتعذيب والاغتصاب وحرق الأسرى وهم أحياء، طيلة أيام حكم نوري المالكي، وأيام خليفته حيدر العبادي؟

 

وهل تطرق، مرة واحدة، لطوفان البضائع الإيرانية السيئة والمخدرات التي أغرقت الوطن، وجعلت محافظات الجنوب العراقي، أكثر من الوسط والشمال، الأعلى في أعداد المنتحرين؟

 

وهل رد، يوما، على زعم القائد العسكري المهزوم مهدي الغراوي بأنه أبلغ المرجعية بوجود تحركات ومحاولات لاحتلال مدن عراقية من قبل الدواعش، فلم تحرك ساكنا، كما يقول؟

 

وهل طالب ولو مرة واحدة، بالتحقيق الجدي المحايد العادل في ظروف نشوء تنظيم الدواعش، وفي ظروف وأسرار احتلاله للأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، ومحاسبة المُدان، أيا كان، ومن أي حزب أو طائفة كان؟

 

وهل أوضح حقيقة فتواه حول “الجهاد الكفائي” التي استغلها الإيرانيون فأنشأوا الحشد الشعبي، واستدرجوا الآلاف من المتطوعين ذوي النوايا الوطنية الحسنة للانضمام إليه، وجعلوا قيادته الحقيقية لـ“أولادهم” المطيعين، هادي العامري وأبي مهدي المهندس وقيس الخزعلي، ثم جاهروا بأنه “حشدهم”، وبأنه حرسهم الثوري العراقي، ثم يباهي قادته العراقيين بأن ولاءهم للولي الفقيه ولقاسم سليماني، وليس للسيد السيستاتي، ولا لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي؟

 

وهل قال شيئا عن التجاوزات والمخالفات والجرائم التي ارتكبت بدوافع طائفية إرهابية تكفيرية متخلفة أساءت لرسالة الحشد، نفسه، ولهيبة المرجعية ولسمعة الطائفة كلها؟

 

وهل قال أو فعل شيئا عن المسرحيات المغشوشة التي يتسابق اليوم، كبار السياسيين الفاسدين الذي اشتكى، هو نفسه، من فسادهم مرات عديدة، من أجل بقاء كل منهم في موقعه وسلطته بعيدا عن أي حساب وكتاب؟

 

وأخيرا إنه من المحزن أن يتقهقر سلطان المرجعية وهيبتها إلى الحد الذي صارت معه، مثلا الملايين العراقية العاجزة والمغلوبة على أمرها، ترى المنكر والبغي والعدوان والاحتلال ولا تملك سوى الكلام الناعم عن “المواطنة الصالحة والتماسك الاجتماعي وعدم إثارة الخلافات بشكل يثير الفتن والصراعات المذهبية”، وهي تعلم علم اليقين بأن رقعتها أصغر من الشق الذي صنعه الحرس الثوري وفيلق القدس وقاسم سليماني في الثوب العراقي الجميل العزيز.

 

هل تحق دعوة المظلوم لمعانقة الظالم، والمسروق لتقبيل يد السارق، والتسامح مع من لم يُسامح؟ هذا هو السؤال.

 

كاتب عراقي

إبراهيم الزبيدي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *