الشفرة السياسية الشيعية هشام الهاشمي رصد: عراقيون

 

لا يزال العقل السياسي الشيعي سجينَ لحظةِ طغيانِ حكم الحزب الواحد، كأنهم لم يعيشوا لحظة طغيان حكم التعددية والمحاصصة العرجاء، فلا يستطيعون الخروج من سجن تلكم اللحظة، ولا هم يسعون لتعديلها.

 

القوى السياسية العراقية تقف على حافة الفوضى والارتباك؛ حيث يبدو أن الحلقة الصلبة منها تعيش حالة نظرية المؤامرة فيما بينها، ويجهز أفرادها جهودهم لتأسيس عناوين حزبية جديدة بعيداً عن تأكيد المنهجية السابقة، وهذا مؤشر على خروج الأمور عن السيطرة.

 

ولكن كما هو الحال في مرحلة ما بعد طرد “القاعدة” من العراق 2009 – 2010، فإن الأغلبية من الناخبين لم تتمكن من تجديد واستبدال اختياراتها الحزبية، ولم تتمكن الحركات المدنية الضعيفة من تعزيز موقعها السياسي، وفقدت قدرتها على التماسك فيما بينها، وانقسمت على نفسها.

 

وظهر تفاهم وتعاون بين قيادات في الحراك المدني والتيار الصدري، جاء هذا بعد أن أخلفت الحكومة بوعودها بشأن برامجها الإصلاحية، وأصبحت الثقة بها ضائعة.

 

رئيس الوزراء الدكتور العبادي، في خطاباته، أوضح أن العمليات العسكرية وحدها ليست الحل للإرهاب. وأضاف أن برامج الحكومة بعد التحرير تعتمد على الإعمار، وتمكين الاستقرار، والمصالحة المجتمعية، والحوار، والتنمية، وفرض القانون.

 

الشعب العراقي لم يترك القوات المشتركة وحدها في المعركة ضد داعش. ولا توجد قوة في العراق قادرة على تلبية مطالب الشعب العراقي بمحاسبة الفاسدين، ومعالجة ضعف الإدارة المدنية، والنظام الرقابي بشكل يفوق الخيال.

 

وعلى أية حال، لا يخلو الزمن القادم من سخط شعبي واحتجاجات واسعة. ولا بد أن تكون الحكومة مستعدة لتهدئة غضب الشعب عن طريق تمكين النزاهة والقضاء من محاسبة رؤوس الفساد، وتمكين المؤسسات من توفير الخدمات، والفرص الاقتصادية.

 

والأمور ذات الحساسية أيضاً بالنسبة للأحزاب والحركات المدنية أو ذات الصبغة الليبرالية، هي الفجوة المتزايدة بين من يملكون السلطة والثروات والإعلام ومن لا يملكونها في العراق. وكلما اقتربت الانتخابات، ازدادت الأحزاب الدينية والقومية أنصاراً، وازدادت الأحزاب المعارضة لها انقساماً، وتزايدت قوة وسيطرة أحزاب المحاصصة على حساب الأحزاب الساعية للمنافسة.

 

تحتاج حكومة العبادي إلى إعادة ضبط العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم؛ لكي تعيد حكومة الإقليم إلى الفكرة الدستورية وراء نشأتها. وإلا، فإن الصراع بين الإقليم والمركز سوف يتسع ويهدد استقرار المناطق المتنازع عليها.

 

تحتاج قيادة التحالف الوطني الشيعي إلى الاعتراف بأن صراعات طبقية ضخمة تكمن وراء الانشقاقات الداخلية، ويغذيها عدم امتلاكهم مشروعاً أو نظاماً داخلياً لإدارة التحالف، وإهمالهم المنطقة الجنوبية والوسطى خدمياً لعدة سنوات.

 

ولا يمكن للعراق المستنزف اقتصادياً المشاركة بحرب مسلحة خارج حدوده، ولكن إذا كان الأمر يؤدي إلى تجنب الوقوع في فخ الفوضى مرة أخرى، فهذا يحتاج إلى تنسيق العمل مع التحالفات الأقوى اقتصادياً.

 

الحكومة تدرك أن عليها معالجة أسباب المشاكل الاقتصادية والسياسية الداخلية، وسوف يكون البديل هو المخاطرة بنشوب حرب قومية أو طائفية أو فصائلية، ولا يمكن حلها حتى بالتدخل الأجنبي.

 

وسوف يكون للفوضى الناتجة هناك عواقب وخيمة على العراق، ما دامت أزرار التشغيل الخارجية تتمتع بحرية العمل في العراق وبنفوذها لدى أحزاب التحالف الوطني الشيعي، فإن الأمن الوطني العراقي سيبقى مهدداً بثلاث طرق:

 

أولاً: الفشل في وضع حد للمحاصصة السياسية وتحالفات الهويات الفرعية، كجزء من حملة الإصلاح الحكومية ضد الفساد، يهدد فاعلية الحكومة على الأرجح على المدى الطويل.

وعلى التحالف الوطني الحاكم التنازل عن حماية بعض أعضائه المتهمين بالفساد، وفصلهم عن العمل السياسي وعن جمهورهم الانتخابي، لبناء قوة إدارة وقيادة وسياسة للدولة العراقية لا تكون متأثرة بالقيادات الفاسدة أو ضعيفة أمامها.

‏فالتحالف الوطني الشيعي يسيطر فعلاً على مساحات واسعة في الإدارة والسياسة والحكم بالعراق، وتمكن مؤخراً من توسيع سيطرته على القوات المسلحة العراقية بقيادة ناجحة أثمرت دحر داعش وهزيمته في جغرافية واسعة من العراق، وما قد يؤدي إلى تعزيز تمكنه في العراق سياسياً واقتصادياً، فيما لو نجح في محاسبة وطرد العناصر الفاسدة التي تنتمي له.

 

‏ثانياً: إن التحالف الوطني الحاكم بتناقضه وبظهور الانقسامات في داخله قد يمثّل تهديداً مباشراً على مصالح إيران؛ لأنه العمق الاستراتيجي لها، وهي تسهّل الدعم والتخطيط التي تقوم به “الأحزاب” التابعة مرجعياً لها. وعلى هذا، فإن التحالف الوطني لا ينحصر عمله ضمن الداخل العراقي فبعضه جزء من منظومة التشيع السياسي العالمي ودعم من إيران ومن البلدان والأحزاب المؤمنة بولاية الفقيه.

 

‏ثالثاً: إن التحالف الوطني الحاكم بتشتته قد يمثّل تهديداً لوحدة العراق باعتباره جزءاً ممثلاً لغالبية 9 محافظات ومشاركاً في 3 محافظات عراقية، ونجاحه في الحفاظ على تماسك أحزابه سيكون خطوة كبيرة له في الحفاظ على وحدة العراق وبالعكس.

 

خيار الانشطار الحزبي لا علاقة له بالفكر أو المنهج التنظيمي، إنما تفرضه طبيعة العلاقات مع دول التمويل، وهذا الخيار له شروطه وظروفه وغالباً ما تتأخر ثماره قياساً على مرحلة ما قبل الانشطار.

وليس هناك أي قرينة تصحح نظرية التحول الفكري عند الأحزاب الإسلامية تجاه العلمانية أو الليبرالية، ربما هي خطوة للتفاهم والتنسيق المرحلي والميداني مع الشباب المدني الحر!

 

وقادة الأحزاب الإسلامية يعلمون أن قوتهم وسبب نجاحهم بالانتخابات حين يبنون سياساتهم الاستراتيجية والتكتيكية، بدعاية وغطاء ديني مقدّس حتى النخاع بدعم شعبي.

‏الأحزاب الإسلامية العراقية في البعد الإيراني الشيعي والتركي السني ضرورة استراتيجية تمنح المنطقة مكاسب جيوسياسية ترتب عليها الفصل بين الأحزاب الإسلامية والأخرى حتى الآن.

 

عزل المالكي عن توليه ولاية ثالثة والتصدي لإفشاله، بسبب تفرده بإغضاب خصومه من السنة والشيعة والكرد وتسخير مؤسسات الحكومة لذلك، وكل التهم الأخرى لا معنى لها، فالأحزاب المشتركة بالمحاصصة تعاملت مع المتناقضات من أجل مصالحها وحاولت توظيفها!

 

وبغض النظر عن صدامه التاريخي مع التيار الصدري وما يقلده من مرجعية فقهية خارج حوزات النجف وقم، فإن أمراً أساسياً يتمثل بالانقسام المتكرر داخل تنظيم حزب الدعوة يعتبر السبب الرئيسي في ضعفه نسبياً!

 

من أجل ذلك كله أصبح ممنوعاً عليه العودة إلى رئاسة الوزراء مرة أخرى، فضلاً عن تشكيل بيت شيعي قوي بقيادته، بل الممنوع ظهور أي حزب شيعي مهيمن على المشهد السياسي العراقي بأي طريقة كانت ولو بالديمقراطية، دول جوار العراق مهما اختلفت فيما بينها حول الشأن العراقي، فإنها اتفقت على عدم تمكين العراق من عودة حكم الحزب الواحد.

 

بيت الحكيم المتوازن والمؤسساتي يتعرض اليوم إلى زلزال غير متوقع، وكان الخبراء توقعوا بعد وفاة عبد العزيز الحكيم سريان الضعف في الحلقة الأساسية للهيكل التنظيمي في المجلس الأعلى، فكان تراجع المكاسب الانتخابية، خاصة بعد انفصال منظمة بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى ونواته المقاومة والشعبية، لكن مع تنظيم الأمل والدماء الشابة عاد المجلس الأعلى إلى توازنه، ونجح السيد عمار الحكيم في أن يكون حجر الزاوية.

 

البيوتات الشيعية المرجعية والسياسية لا تزال تعتمد على تاريخها الأسري وعلاقاتها العميقة مع إيران والخليج، وهي تمتلك خطاباً معتدلاً له جذوره العراقوية الوحدوية، ويؤخذ عليها ضعفها في الحضور الدولي والملف الإعلامي.

 

 

ومع مغادرة الحكيم قيادة المجلس الأعلى والتوجه نحو تأسيس جديد، وجد المراقبون للشؤون الشيعية السياسية في العراق حاجة إلى دراسة وضع البيت السياسي الشيعي من جديد، الذي أصبح غير ممسوك مرجعياً ولا متماسك حزبياً، ولا بد من إعادة تفقد أحواله كتشكيل سياسي وكتحالف مسيطر على الإدارة والحكم في العراق لأكثر من عقد، ودراسة توقيت الانقسامات الشيعية بعد تراجع وهزيمة داعش في الموصل وجغرافية العراق.

 

من جديد تثبت معية السيد مقتدى الصدر قدرتها على الصبر الاستراتيجي، فهي بسبب المشروع الإصلاحي خسرت الكثير من مكتسبات المحاصصة، وأصبحت عاجزة عن تمويل منافذ وقنوات إعلامية قادرة على التنافس، لكن مع هذا فإن العديد من أنصاره أخذ بالزيادة في القاعدة الشعبية والنخبوية، وبعد تهاوي حزمة الإصلاحات الحكومية لأسباب كثيرة لا مجال لشرحها هنا، عاد الاهتمام إلى خطابات ورسائل الصدر محلياً وإقليمياً، خاصّة بعد صناعة نموذج جديد للتشيع السياسي المنفتح على مشاركة الليبرالية والمدنية والعلمانية في الحكم والسياسة.

 

قيادات فصائل الحشد الشعبي التي ترغب بالمشاركة السياسية مستغلة الشعبية الكبيرة والعاطفة الجياشة مع مشروع المقاومة والنصر على داعش ودعاية التضحيات ودماء الشهداء والنصر المتحقق، لن تكون عائقاً كبيراً أمام البيت السياسي الشيعي كونها قانونياً تحضر عند استخدام هذه الدعاية، وبالتالي تحتاج إلى التحايل على القانون بزعم الاستقلالية، وهي مع المناورة والتحايل لا تمتلك خطاباً موحداً، فهم جماعات واتجاهات وأحزاب بمرجعيات فقهية وسياسية وقومية، لا جماعة واحدة، وقوتهم بمجموعهم المؤسساتي، وهذا من الناحية الشكلية الفارغة من ناحية المضمون، وحتى علاقاتهم فهي محدودة بإيران فقط، ولديهم مشاكل كبيرة في التمويل ومنهجية الإعلام السياسي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *