“مدنية” لا “عسكرية”.. مصير إدارة نينوي وعاصمتها الموصل بعد التحرير

 

مع تسارع وتيرة القتال في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى لانتزاعها من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي، يزداد الحديث عن مرحلة ما بعد التحرير. وفي وقت أعلنت فيه حكومة بغداد رفضها فكرة “الحاكم العسكري” أكدت مصادر، أنه تم الاستقرار على “الإدارة المدنية” للمحافظة.

 

وتداول العديد من السياسيين العراقيين على مدى الأسابيع الماضية، ما قالوا إنه مقترح حكومي يقضي بتنصيب “حاكم عسكري” على محافظة نينوى بعد تحريرها، نظرا لخصوصيتها السياسية والأمنية.

 

والخصوصية الأمنية والسياسية لنينوى، تعود إلى أنها تضم مناطق متنازع عليها مع الإقليم الكردي شمالي البلاد من جهة، بالإضافة إلى أنها تعد أكثر محافظة بعد العاصمة بغداد تضم خليطا من العرب السُنة والشيعة والكرد وأقليات دينية وقومية كالإيزيديين والتركمان والشبك والمسيحيين والصابئة، وإن كان العرب السُنة يشكلون غالبية السكان.

 

وهذا الخليط يرجح إمكانية حدوث تجاوزات على الأرض، لاسيما بعد التغييرات التي أحدثها “داعش” في العديد من مناطق المحافظة، ومنها تغيير معالم أحياء كاملة ومنازل وأملاك، وكل هذا يستدعي، من وجهة نظر البعض، إدارة حازمة (عسكرية)، فيما يقول آخرون إن الإدارة المدنية مع الشرطة المحلية قادرة على ضبط الأمور.

 

ورغم أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، قال الشهر الماضي في تصريحات صحفية، إنه يرفض فكرة “الحاكم العسكري” لنينوى، إلا أن الحديث عن هذا الأمر لم يتوقف، حيث كشفت مصادر، أنه تم الاستقرار داخل أروقة الحكومة الاتحادية على “الإدارة المدنية” بالفعل.

 

وكان من المفترض إجراء استفتاء سكاني سابق (بحسب المادة 140 من الدستور العراقي) في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل ومن بينها عدة مناطق بنينوى، إلا أنَّه تأجل بحجة “عدم مواءمة الأوضاع السياسية لإجراء استفتاء”.

 

سالم محمد، عضو البرلمان العراقي عن مكون “الشبك” بنينوى المنضوي في التحالف الوطني الشيعي (180 مقعدا من أصل 328 مقعدا وينتمي له العبادي)، قال إن الأخير اتفق مع الإدارة المحلية في محافظة نينوى (مجلس المحافظة والمحافظ)، الشهر الماضي، “على الإبقاء على إدارة محلية (مدنية) وليست عسكرية للموصل (ونينوى بشكل عام) لمرحلة ما بعد التحرير”.

وأضاف سالم أن “العبادي أبلغ ممثلي نينوى في مجلس المحافظة بأن قوات مكافحة الإرهاب (تابعة للجيش) والقطعات العسكرية الأخرى ستنسحب من مدينة الموصل بعد تحريرها، وتتولى الشرطة المحلية والاتحادية إدارة ملف المحافظة الأمني”، دون مزيد من التفاصيل عن الاتفاق.

 

و”الشبك” هم مكون عراقي يتكلمون اللغتين الكردية والعربية، وغالبيتهم من المسلمين الشيعة على المذهب الجعفري.

 

وسيطر تنظيم “داعش” على مدينة الموصل بشكل كامل في 10 يونيو/حزيران 2014 بعد فرار قطعات الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية من مواقعهم دون قتال، وبعدها سيطر التنظيم على عدة أقضية ونواحي أخرى بنينوى.

 

من جهته، قال عبد الرحيم الشمري، عضو الكتلة الوطنية التي يتزعمها إياد علاوي (21 مقعدا في البرلمان)، إن إدارة محافظة نينوى الحالية سيتولون تسيير شؤون المحافظة للمرحلة التي تلي عملية التحرير.

 

ومؤكداً حديث سالم، ذكر الشمري أن “العبادي أبلغنا (الكتلة)، عدم وجود توجه لتنصيب حاكم عسكري على الموصل، وأن الإدارة المحلية الحالية ستتولى إدارة نينوى كما كان في السابق قبل احتلال المدينة من داعش”.

 

وأوضح الشمري أن “الفصائل المسلحة المختلفة للمكونات الشبك والمسيحيين والإيزيديين، والتي تقاتل حاليا مع القوات العراقية في الموصل، سيتم توحيدها تحت مظلة الحشد الشعبي (شيعي)”.

 

بدوره، لم ينف دلدار الزيباري، عضو مجلس محافظة نينوى، ما ذهب إليه النائبان، كما أنه لم يؤكد.

 

غير أنه قال: “الحل الأكثر واقعية هو الذي اتخذته الحكومة الاتحادية باستبعاد فكرة الحاكم العسكري والاعتماد على المحافظ ومجلس المحافظة لإدارة المدينة”.

 

وأشار زيباري إلى أن “هناك تفاعلاً كبيراً بين أهالي نينوى والقوات الأمنية من خلال الإبلاغ عن المتورطين مع تنظيم داعش، والتأييد الكامل للقوات الحكومية، وهذا يسهل من عملية عودة الوضع الطبيعي للمحافظة لمرحلة ما بعد التحرير”.

 

وبيّن المسؤول المحلي أن “إدارة نينوى المحلية ستتولى تسيير أعمال المحافظة بشكل طبيعي كباقي المحافظات، لكن القادة العسكريين سيكونون أكثر تشددا في التعامل الأمني داخل المحافظة”.

 

ورغم أنه لم يعلن رسميا حتى اليوم الأحد، عن الاتفاق الذي تحدث عنه النائبان ولم ينفه المسؤول المحلي، وإن كان النائبان يعدان قريبان من الدوائر المطلعة على صناعة القرار، فإن تصريحات العبادي حول رفضه فكرة “الحاكم العسكري”، تصب بشكل أو بآخر في اتجاه الاستقرار على الإدارة المدنية.

 

ويأتي هذا في الوقت الذي تدخل فيه معركة الموصل يومها الـ49 الأحد، وتمكن القوات المشاركة فيها من تحرير معظم المناطق والقرى والأقضية المحيطة بالموصل، كما تمكنت من دخول الأحياء الشرقية للمدينة وطرد “داعش” من بعضها، غير أنها تلقى مقاومة شرسة من التنظيم الذي يعتمد على العبوات الناسفة والألغام الأرضية في وقف تقدم القوات.

 

وانطلقت معركة استعادة الموصل في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بمشاركة 45 ألفاً من القوات التابعة لحكومة بغداد، سواء من الجيش، أو الشرطة، مدعومين بالحشد الشعبي (مليشيات شيعية موالية للحكومة)، وحرس نينوى (سني)، إلى جانب “البيشمركة ” (قوات الإقليم الكردي).

 

وتحظى الحملة العسكرية بغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *