الموصل وحلب مدينتان تكمل الواحدة منهما الأخرى. بقلم: فاروق يوسف

 

 

الخراب الذي حل بحلب لم يحل بالموصل بعد. ولكنه استنتاج خاطئ، سببه القبول بالصور بدلا من محاولة اكتشاف الحقيقة. فالموصل التي لم تُقصف بالطائرات مثلما حدث لحلب كانت قد عذبت بالنسيان.

اليوم يوحدهما مرة أخرى قدرهما السيء.

 

يرسم التاريخ خطا يصل بين غرب الموصل وشرق حلب ليصنع مدينة موحدة في أساها ومحنتها وحيرة أبنائها وتعاستهم وبؤس ما ينتظرهم.

 

لا يزال شرق حلب في قبضة جبهة النصرة أما غرب الموصل فلا يزال في قبضة داعش. تنظيمان ارهابيان أحكما قبضة التوحش على أكثر المدن أصالة في شرقنا المغمور بالقسوة.

 

هذه المرة يجمعهما الخطأ وظلم ذوي القربى. في كل لحظات التاريخ كانتا تقفان فوق كل ما يمكن أن يشكل تهديدا لكرامة الإنسان، لعزته وحريته وإبائه وشهامته ونبل أصوله. ما كانتا يوما في تاريخهما سيئتي الحظ مثلما هما اليوم.

 

وكما يبدو فإن النحس يوحدهما مثلما كان السعد قد وحدهما دائما.

 

لن يكون مصير المدينتين مختلفا إلا في أمور فنية يمكن تجاوزها بيسر. فالخراب الذي حل بحلب لم يحل بالموصل بعد. ولكنه استنتاج خاطئ، سببه القبول بالصور بدلا من محاولة اكتشاف الحقيقة. فالموصل التي لم تُقصف بالطائرات مثلما حدث لحلب كانت قد عذبت بالنسيان.

 

نساها الوطن الذي صنعت الجزء الأهم من شخصيته. كما أن العالم كله مارس تعتيما عليها. لقد ركنت في العتمة. لا صور ولا كلام. ولولا الحاح الولايات المتحدة الأميركية على تحريرها من قبضة داعش لفضل عراقيو الحكم بقاءها حيث هي، رهينة بأيدي الإرهابيين.

 

وبغض النظر عما جرى لها فقد كانت الموصل مريضة بسبب ما يجري في حلب. ولو كانت حلب في عافيتها لمرضت بسبب أحوال شقيقتها السيئة.

 

لقد قُدر للمدينتين أن تعيشا المصير نفسه. احتلال ونبذ وحصار وقصف في ظل سوء فهم، جعل من الوصول إلى حقيقة ما يجري فيهما أمرا أشبه بالمستحيل.

 

كان الهدف يستند على مبدأ واحد. أن تكون المدينتان مذنبتين. في حق مَن؟ ذلك ما تم التغاضي عنه.

 

إلى وقت قريب كانت الموصل وحلب رافعتي بلدين إلى ألأعالي من جهة نزاهتهما وعمق وطنيتهما. وفجأة تحولتا إلى جحرين للأفاعي. أيُعقل ذلك؟ هناك خطأ في المعادلة.

 

لا تستحق حلب ما جرى لها عبر السنوات الأربع الماضية.

 

لا محرروها من قبضة النظام كانوا على حق ولا النظام وهو يحاول استعادتها كان محقا. المدينة التي اشتهرت بأصوات وجمال نسائها كان الأشرف بالنسبة للجميع بأن لا تُمس. لا لأنها عصب سوريا الاقتصادي بل لأنها ممر سوريا إلى العراق، هناك حيث تقع الموصل التي نظر إليها العراقيون ببلاهة لا يمكن توقعها بالنسبة لشعب حي كونها مدينة سنية.

 

في حقيقة ما جرى فإن العروبة هي التي أصيبت بمقتل حين تم انتهاك حرمات المدينتين الأكثر صمتا بين المدن العربية. لقد حزم الجميع أمرهم من أجل القضاء على ثوابت المدينتين القومية. النظامان في بغداد ودمشق كانا الأكثر غباء في ذلك السباق الهدام.

 

كان من الممكن أن يجري للموصل ما وقع في حلب. وهو أمر لا يزال محل التباس. فقد تشهد الموصل الأسوأ في زمن قد لا يكون بعيدا، إذا ما استعصت المدينة على القوات العراقية ومن ورائها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

 

كان خراب حلب ولا يزال من حصة روسيا فهل سيكون خراب الموصل من حصة الولايات المتحدة؟

 

لقد تمت توأمة المدينتين بعد أن شهدتا في زمن البعثين السوري والعراقي فراقا طويلا. غير أن توأمتهما هذه المرة حدثت على سرير الألم والعذاب والجحود والإهمال والنسيان نفسه.

 

كثرت المدن المعذبة في شرقنا، غريب الأطوار، اللاهي عن إنسانيته وتاريخه العاطفي وحيوية خيال أبنائه المشردين، غير أن نكبة حلب والموصل تضع المدينتين في أعلى قائمة المدن التي تشير إلى ما لا يمكن أن ينسى من الوجع عبر العصور.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *