الضربة الأمريكية: تحذير للأسد أم مقدمة لإطاحته؟ / رأي القدس

 

لقيت الضربة الصاروخية التي نفّذتها القوّات الأمريكية ضد قاعدة الشعيرات، مقرّ انطلاق الهجمات الكيميائية للطائرات الحربية السورية على بلدة خان شيخون، ترحيباً واسعاً من دول الخليج وتركيا والأردن، وابتهاجاً شديداً لدى المعارضة السورية التي طالبت بعض شخصياتها بإقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا واستمرار الضربات، كما لقيت تأييداً من حلفائها في بريطانيا وفرنسا وكندا.

من الجهة الأخرى قامت روسيا بتعليق تفاهمها مع أمريكا على تنسيق عمل الطيران بينهما، واعتبر مجلسها للأمن القومي ما حصل «عملاً إرهابيّاً»، وأعلنت أنها ستعزز الدفاعات الجوية السورية، فيما قام النظام السوري بالتهديد بالانتقام من المعارضة، وقام حليفه «حزب الله» اللبناني، بتهديد واشنطن بانعكاسات خطيرة على مصالحها في المنطقة العربية برمّتها.

بعض تصريحات اليمين الغربي المساند لروسيا والأسد ندّد بالضربة الأمريكية، كما فعلت مرشحة اليمين العنصري الفرنسي مارين لوبان، وجاءت ايضاً من أطراف أخرى مثل السفير البريطاني السابق إلى سوريا بيتر فورد، الذي تساءل إن كان الأسد «أحمق ليستخدم السلاح الكيميائي»، وهو «تحليل» ركيك يكشف وجود تيار قويّ من التواطؤ الغربيّ الخفيّ والمعلن مع حفلة التعذيب المستمرة التي يقوم بها نظام الأسد ضد شعبه.

لا يحتاج الأمر كثير تدبّر لاستيعاب أهداف الهجوم الكيميائي الجديد، وفهمه خصوصاً في سياق «أرباح» النظام السوري من الهجوم الكيميائي الكبير عام 2013، والذي أدّى، فعليّاً، لإعادة شرعنة النظام السوري مقابل تسليمه الأسلحة الكيميائية (ثم إعادة تصنيعها واستخدامها بعد إقفال الأمم المتحدة للملف!).

استخدام النظام السوري لأسلحة التدمير الشامل كان امتحانا جديدا للعالم ليتأكد من صحة المعادلة الثنائية التي قام عليها واعتبر أنه بفضلها أصبحت لديه رخصة قانونية للإبادة الجماعية لشعبه، وهي، أولاً، إسهامه الهائل في اضطهاد جماعة تنتمي لدين تعتبر أطراف واسعة في الغرب أنه سبب للإرهاب، وثانياً، «حماية الأقليات» (كما تفعل، حسب افتراضه، إسرائيل).

دفاع روسيا الشرس عن هذه المعادلة دليل على شيوعها وصلابتها، وجاذبية روسيا لدى اليمين العنصري الغربي عموما (وفي أوساط إدارة ترامب نفسها إلى وقت قريب)، دليل آخر عليها.

مجازفة النظام المحسوبة جاءت بعد تصريحات عديدة أمريكية أنه لم يعد مستهدفاً وأن على الجميع تقبله كجزء من الواقع السياسي، كما كانت بعد يوم واحد من عملية بطرسبرغ، بحيث نشر الأسد غازات السمّ ضد شعبه لإرضاء رغبة القيصر الروسي بالانتقام.

إعلان ترامب عن الهجوم جاء من منتجعه في فلوريدا حيث كان مجتمعا برئيس الصين شي جينبينغ، وهو أمر ساهم ربما في اتخاذ بكين موقفاً معتدلاً حثّت فيه «على ضبط النفس»، وهو أمر يشابه تصريح السلطات المصرية، التي عاد رئيسها مبتهجاً من لقائه بترامب الأسبوع الماضي، حيث اتخذت «منزلة بين المنزلتين» داعية روسيا وأمريكا «لاحتواء أوجه الصراع للوصول إلى حل شامل ونهائي للأزمة».

تدل ردود الفعل العالمية، بشكل جليّ، على أن تأثير الضربة يفيض عن الموضوع السوري، كما يوضّح ردّ فعل الكرملين العنيف عليها أنها فُهمت كتحذير لروسيا (وكذلك للصين وكوريا الشمالية وإيران) وهو ما يجعلها نقطة بداية قد تغيّر قواعد اللعبة بشكل يجعل مصير بشار الأسد ونظامه تفصيلاً في استراتيجية أمريكية أكبر بكثير تتعلّق بحيثيات سيادة واشنطن على العالم وليس على المشرق العربي فحسب.

زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى موسكو الأسبوع المقبل ستحدد، عمليّاً، حدود التفاهمات الممكنة بين القيادتين الأمريكية والروسية، وإذا استمر قرع طبول التحدّي الروسية لقرار واشنطن، الذي يعني عمليّاً، إسقاط شرعيّة الأسد، فالأغلب أن المنطقة ستشهد تصعيداً غير مسبوق بين الطرفين وحلفائهما على الأرض، وليس مستبعداً أن يمتدّ هذا الأمر إلى تركيا وأوكرانيا وشرق أوروبا وبعض الدول الإسلامية التي تدور في الفلك الروسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *