إسلاميون يغنّون مدنياً ! عدنان حسين
لا يُغيظني أو يستفزّني أنّ زعماء الاحزاب والكتل والجماعات الاسلامية المتنفذة في السلطة العراقية قد تخلّوا أخيراً عن أغنيتهم التقليدية (الإسلامية) التي بالغوا في تقديسها، وراحوا يردّدون أغنيتنا المدنية التي أفرطوا في تأثيمها.
لا يُغيظني أو يستفزّني أيضاً أن عدداً من هذه الاحزاب والكتل والجماعات (الاسلامية المتنفذة) قد تقدّم إلى مفوضية الانتخابات، المسؤولة عن تسجيل الاحزاب والجمعيات السياسية بموجب قانون الاحزاب الصادر في العام الماضي، بطلبات لتسجيلها بأسماء جديدة مضافاً إليها صفة المدنية والإصلاح.
هذه “الحركات” في مجملها اعتراف ضمني أو خجول من هذه الأحزاب والكتل والجماعات وزعمائها بأنها فشلت في إدارة الدولة على مدى الأربع عشرة سنة الماضية استناداً إلى الاطروحات والشعارات الاسلامية التي سعت هي وسعوا هم إلى خداع العراقيين بها في سبيل توطيد سلطتهم، نيلاً للنفوذ ونهباً للمال العام والخاص.
وهذه “الحركات” لا تُغيظ أو تستفزّ في الواقع، ذلك أنها ألاعيب مكشوفة، ومعها مكشوف كذلك للواعين من الناس أن أصحابها ليسوا معنيين بالمدنية والإصلاح ولن يقيموا دولة مدنية، مثلما لم يكونوا مكترثين بالاسلام إلا في حدود ما يحقق المنافع ويضمن المصالح، وأن هذه الأحزاب والكتل والجماعات وزعماءها هم صنّاع الفشل ومرتكبو الاخطاء والخطايا الكبرى التي كان من تداعياتها سقوط ثلث مساحة البلاد لما يزيد عن السنتين في أيدي تنظيم داعش الإرهابي بكل ما رافق ذلك من محن انسانية لملايين من الناس ودمار مادي شامل لعشرات المدن والبلدات، وكذا الحطّ من هيبة الدولة وقواتها المسلحة، فضلاً عن إلقاء 35 مليون عراقي في وهدة الفقر والعوز والجهل والتخلّف والنقص الفادح في الخدمات العامة الأساس، وتسعير النزعات الطائفية والقومية المدمّرة.
لا أظن أن رفع لافتة المدنية والاصلاح من جانب الاحزاب والكتل والجماعات الاسلامية المتنفذة سينفعها في شيء في الانتخابات البرلمانية والمحلية التي ستجري بعد سنة من الآن، وبخاصة إذا لم تقترن بطرح مشاريع وبرامج انتخابية مدنية وإصلاحية وطنية وبتغيير في القيادات صانعة الفشل والاخطاء والخطايا.
ولعدد غير قليل من الناس الذين خبروا “حركات” القوى الإسلامية في العراق وخارجه، فإن مجرد عرض مشاريع وبرامج انتخابية مدنية واصلاحية أو تغيير بعض القيادات لن يكون كافياً. الناس تعوّدوا على أن يسمعوا شيئاً ويروا على الارض شيئاً آخر. منذ أكثر من سنة ونصف السنة، بعد انطلاق الحركة الاحتجاجية المليونية، تقدّمت الطبقة السياسية الحاكمة عبر حكومتها ومجلس نوابها بعدة حزم إصلاحية مُتخمة بالوعود والتعهدات.. ولم يتحقق منها شيء ذو قيمة، بل جرى التراجع عن بعض الاجراءات “الإصلاحية” المُتخذة.
ثمة قدر كبير من عدم الثقة بهذه الطبقة السياسية، وليس من المفترض أن يُمكن ردم الهوة الكبيرة بين الناس وهذه الطبقة بمجرد الإتيان بـ “حركة” جديدة، هي تعديل الاسماء والعناوين من “إسلامية” إلى مدنية واصلاحية,.