أميركيون وإن صُنعوا في إيران / بقلم: فاروق يوسف
عنصري وطائفي يلتقيان في واشنطن. ماذا يمكن ان تنتظر منهما؟
عبر الرئيس المنتخب الأميركي ديمقراطيا دونالد ترامب عن أسفه لأن بلاده أنهت احتلال العراق. الأنكى أن ذلك التعبير عن الأسف جاء في سياق محادثة أجراها ترامب مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي هو أيضا قد تم انتخابه ديمقراطيا.
ما الذي فعلته الديمقراطية بنفسها؟
وقاحة ترامب لا تضاهيها سوى صفاقة العبادي من جهة ما عبر عنه لقاؤهما من استهتار بالقيم الديمقراطية.
من الطبيعي أن لا يستوعب العبادي المفارقة التي يمثلها وجود ترامب العنصري على رأس السلطة في دولة نذرها آباؤها المؤسسون للحرية والعدالة وحقوق الإنسان. فالرجل الذي قضى حياته كلها في سراديب حزب الدعوة لا يمكنه أن يفهم شيئا عن الحرية والعدالة والمساواة. وهو مجرد تماما من الإيمان بحقوق الإنسان وإلا ما استمر حياته كلها عضوا في ذلك الحزب الذي لا يرى من الإنسان إلا تعصبه الطائفي.
عنصرية ترامب وطائفية العبادي هما طرفا معادلة يمكن أن تشكل قاعدة للتفاهم بين الرجلين غير المعنيين بمصير العراق إلا باعتباره مصدرا لثروات، يمكن إعادة النظر بطرق نهبها والجهات المستفيدة منها.
غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد. البذاءة يمكن أن تتسع في عالم، صار اللصوص والفاسدون وقطاع الطرق هم سادته.
فترامب لا يرى في الاحتلال ظاهرة تعبر عن الانحطاط في أبشع صوره. غير أن صورة العبادي وهو يهز رأسه في محاولة منه للثناء على رأي ترامب كانت واحدة من أكثر تلك الصور بشاعة.
فالرجل الذي يقود في بلاده حربا على الإرهاب يعرف أن تلك الحرب ليست حقيقية بالرغم من واقعيتها. فلو لم يتخل نظام الحكم في بغداد عن الموصل بطريقة رثة لما كان هناك داعش في العراق ولما قامت تلك الحرب التي راح ضحيتها العراقيون بين قتيل ومعاق ومشرد ونازح ومهجر ولاجئ.
العبادي يعرف أيضا أن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب صورية. ذلك لأن شركة داعش قد تم تفكيكها في وقت سابق ولم يبق شيء من أصولها. أما المقاتلون على الأرض في الموصل فهم مجموعة من الأغبياء الذين جرتهم ظروفهم السيئة إلى إعلان التمرد على ما لحق بهم من ظلم عن طريق الالتحاق بالتنظيم الإرهابي.
ولكن هل علينا ان نصدق أن العبادي ذهب إلى واشنطن بحثا عن دعم أميركي له في حربه على الإرهاب؟ ما سمعه العبادي لا يشير إلى أن الزيارة هي مبادرته فالرجل في حقيقة ما جرى قد استدعي إلى واشنطن ليضفي حضوره على كلام ترامب نوعا من المصداقية.
فالرئيس الأميركي يفكر في إعادة احتلال العراق من أجل إعادة إيران إلى حجمها الطبيعي بعد أن تغولت. وهو لا يرى قيمة في رأي سياسيي بغداد، غير أنه يود أن تصل رسالته بحضورهم. هو نوع من الإذلال المزدوج.
ليس خافيا على واشنطن أن الأحزاب الشيعية الحاكمة تدين بالولاء المطلق لوليها في طهران، لذلك قرر ترامب أن تبدأ حربه من هناك متخذا من العبادي وسيلته لقول ما يُريد.
بالنسبة لترامب فإن فكرة إعادة الاحتلال ليست هي الجوهر بقدر ما تمثل مناسبة لمواجهة إيران بمواليها والعبادي الذي يترأس الحكومة في بغداد هو واحد منهم.
من الصعب في هذه الحالة الحديث عن الديمقراطية، سلبا أو إيجابا.
في المنطق العادي فإن ترامب كان قد أهان ضيفه وهو رأس السلطة التنفيذية في دولة ذات سيادة كما يُفترض حين عبر عن اسفه عن نهاية احتلال بلاده ولكن العبادي يعرف أنه ما كان يمكن أن يكون رئيسا للوزراء لولا وقوع ذلك الاحتلال. وهو ما يذكره بصغره في حضرة رئيس الدولة التي منحته منصبا لم يحلم به في حياته.
من المؤكد أن ترامب رجل أبله غير أنه في النهاية لا يتعامل إلا مع البلهاء الذين عُلبوا بطريقة أميركية وإن خُتموا بـ”صُنع في إيران”.