إدارة ترامب وزيارة العبادي: عن تأرجح معادلة التوازن الايراني الاميركي في العراق / بقلم: حامد شهاب

 

 

 

 

أن تترك الولايات المتحدة الشأن العراقي بيد إيران هو شيء من الماضي. هذا ما على السياسيين العراقيين أن يفهموه.

 

 

هناك حقيقة وإن كانت مرة، ينبغي أن يدركها الجميع، هي أن الولايات المتحدة التي أسقطت النظام في العراق عام 2003، وسلمته على طبق من ذهب لمن يتولون مقاليد السلطة الان في العراق، لن تقبل بعد خمسة عشر عاما، ان تؤمن بنظرية توازن القوى مع الاطراف الدولية والاقليمية المتحكمة بالملف العراقي، حتى بضمنها إيران، التي تعد الان اللاعب الأكبر في الساحة العراقية، وإستطاعت إزاحة التأثير الأميركي، التي وجدت فيها الولايات المتحدة وقد خرجت خالية الوفاض في قضية تواجدها في العراق، بينما إيران كانت لها قصب السبق في ان تضع مقاليد السلطة بيدها وهي من تحرك زعامات القوى التي تنضوي تحت اجنحتها. بقيت الولايات المتحدة وكأنها تتفرج على اللعبة الايرانية، دون ان تدرك ان ابتلاع العراق كلية من قبل ايران، كان بسبب أخطاءها هي وقصر نظر سياسييها، عندما تركت العراق لطهران تتحكم في مسارات نظامه السياسي على هواها.

 

اكتشف الأميركيون في آخر المطاف إن تسليم مقدرات العراق بيد إيران كان خطأ استراتيجيا لا يغتفر ارتكبته كل الادارات الاميركية السابقة، بدءا من ادارة بوش الاب ومن بعده كلينتون ومن ثم بوش الابن، وجاء اوباما ليقضي على آخر آمال الاميركيين في ان يكون لهم موطئ قدم راسخ لأميركا في العراق، بالرغم من انهم هم من أسقطوا نظامه السياسي وهم من سهلوا على القيادات العراقية الحاكمة تثبيت دعائم حكمهم، وهم الان قد أداروا وجههم ضد واشنطن واتجهوا كلية الى إيران، واعتبروها قبلتهم التي ليس بمقدورهم رد جميلها لهم، بعد ان حاولوا التخلي عن التحالف مع اميركا لصالح ولاية الفقيه الايرانية التي هي من انتصرت في نهاية المطاف. اراد الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب تصحيح معالم هذا الخلل الخطير، ووجه اتهامات قاسية للادارات الاميركية السابقة لانها تركت العراق ساحة لايران تلعب بها على هواها وهي من لها الكلمة العليا، حتى وجد الاميركيون أنفسهم انهم بمواجهة تحد إيراني خطير ونوايا ليس لها حدود يريد ان يقضم مصالحهم في العراق كلية، ولا يتبقى للاميركان ربما سوى قشور الموز، بالرغم مما دفعته الادارات الاميركية السابقة من اموال باهظة وأزهقت في حربها مع العراق عشرات الالاف من ارواح جنودها، واذا بالعراق وقد خرج عن سيطرتها. كانت ايران المستفيد الاكبر من اسقاط النظام في العراق، والولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر، وتحول التحدي للولايات المتحدة من قلقها من طموحات صدام حسين، حتى اصطدمت بطموحات الزعامات الايرانية التي تريد وحدها ان تقطف ثمار الاطاحة بالنظام السياسي في العراق بعد عام 2003 وتبقى هي اللاعب الاكبر بلا منازع.

 

بل ان الولايات المتحدة لا تخشى من استحواذ ايران على مقدرات العراق فقط بل بدت امامها مخاوف من تمدد روسي اتسع نطاقه في العراق والمنطقة بشكل لافت للنظر وهو يسعى مع ايران لإزاحة الدور الاميركي والعمل على خلق توازن مع ايران في قضية التواجد والتأثير في الساحة العراقية، مما اغاض ذلك الاميركان كثيرا، ووجدوا انفسهم انهم هم من تركوا الساحة لايران ولروسيا أخيرا، اللتين وجدتا في مواجهة داعش العنوان الذي دخلت به روسيا كلاعب أساسي لا يمكن تغافله في العراق. الا ان الاميركان وجدوا ان روسيا وان كانت تسهم في محاربة داعش وتثبيت دعائم النظام السوري، فانها تحاول دفع الولايات المتحدة بعيدا عن ساحة التأثير الاقليمي والدولي، وان ترامب يرى نفسه أنه محرج فعليا في علاقته الواسعة مع الرئيس الروسي بوتين، الذي رحب بقدوم ترامب ضد اوباما ولم يكن بمقدور ترامب بان ينسى فضل بوتين عليه في تسهيل مهمة وصوله الى السلطة.

 

لكن هذا التساهل الذي يبديه ترامب هو موقف آني مصلحي يرى فيه ترامب بأن مصلحة بلاده اصبحت فوق كل الاعتبارات وانه لن يضحي بمصالح اميركا من اجل علاقته المتميزة مع بوتين، الذي لم يدعم ترامب لسواد عيون اميركا ولكن لكي يحصل على تعاون روسي اميركي يفضي الى توافق على المصالح في المنطقة وبخاصة في العراق وسوريا ودول اخرى راح الروس يعيدون فيها تواجدهم بطرق اخرى مثل مصر وليبيا وحتى دول الخليج التي تحرك عليها الروس، بعد إن أيقن الخليجيون ان نوايا الولايات المتحدة ازاءهم ليست على ما يرام، وانها قد تحولت عنهم، وغضت النظر عن تدخلات ايران في دول المنطقة واضعفت الموقف الخليجي وشنت حملات دعائية ضد قادة دول الخليج وتوجه لهم اتهامات ما كانت الادارات الاميركية قبل سنوات توجهها لهذه الدول، بالرغم من انها دول حليفة للولايات المتحدة منذ عقود. بوادر تصدع في علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج بدت واضحة، وهو ما شجع ايران على ان توجه اطماعها مرة اخرى نحو دول الخليج في محاولة منها لتقويض دعائم انظمتها والتدخل في شؤونها الداخلية، بل ظهرت ايران على انها أشبه بدولة كبرى ليس بمقدور الولايات المتحدة ان تعرقل احلامها التوسعية في المنطقة، ووجدت في بعض حالات التراخي الاميركي مدخلا لتوسع خطير، ووجدت الولايات المتحدة نفسها انها امام تحد خطير، لا بد من وضع حد له قبل ان تقع الفأس في الرأس ويخرج الاميركيون من ساحة التأثير وهم مخضبو الدماء وغير قادرين على لعب دور ولو كان بسيطا.

 

كل هذه العوامل تستدعي ان يبلغ الرئيس الاميركي ترامب رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ان الاميركيين لن يقبلوا بعد الان حتى بحالة التوازن مع ايران، وان المعادلة يجب ان تتحول باتجاه ان تبقى الولايات المتحدة اللاعب الرئيس الذي لا يمكن لايران ان تبقى هي من تتحكم في ساحة تأثيره الواسعة في العراق، وان على العبادي ان يقلم ليس أظافر ايران هذه المرة بل يعيد ترتيب وجودها كليا ويبعدها عن ساحة التأثير، وان الولايات المتحدة لن تقبل باستفراد ايران بالملف العراقي والتحكم في مقدرات هذا البلد، وان اميركا التي وضعت كل ثقلها في دعم العبادي ووصوله الى سدة رئاسة الوزراء فانها لن تعطيه هذه المرة صكا على بياض الى ما لانهاية. على العبادي أن يدرك هو الاخر انه امام غول ايراني ليس بمقدوره مواجهته، لكنه لن يترك الساحة لايران بعد الان تتحرك على هواها، لأن ما يطلبه الاميركيون من العبادي هو ان يثبت انه رجل دولة عراقي وليس تابعا لايران، وهي مهمة صعبة ومعقدة. لكن العبادي لا بد وان ينفذ ما يريد منه الاميركيون وما يفرضونه عليه من شروط، وهم يدركون ان استعادة دورهم الريادي في العراق لن يتم دون إزاحة إيران عن الملف العراقي، وان تتوقف ايران عن دعم انشطة الارهاب اقليميا، والا واجهت مخططا اميركيا يرمي الى استهدافها بأية طريقة حتى وان تطلب الامر شن حرب واسعة ضد ايران تكسر ظهرها، ان وجد الاميركيون انه الطريق الذي لا بد منه لكي يضعوا حدا لطموحات ايران التوسعية في المنطقة، وهو الهدف الاميركي لترامب في ان يؤكد لكل اللاعبين في المنطقة ان الولايات المتحدة ستبقى اللاعب الاساس، سواء قبلت الدول الاقليمية ام لم تقبل والا فإنها واجهت عواقب ليست في الحسبان.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *