ماذا تعني الهزيمة لداعش في الموصل؟ هشام الهاشمي

 

ليست هزيمة داعش في الموصل مجرّد ضربة أخرى تتلقاها داعش في أرض العراق، فالموصل هي مركز القيادة والتحكم في إمارة العراق، ومَن يحكمها ينبغي أن يكون مقرَّباً للخليفة “المزعوم”، بدأت بالحمدوني، ثم التركماني، ثم العفري، وأخيراً الجبوري، ومن يحكم الموصل فهو يقود الفرع الأنشط والأكثر سكاناً وثروات.

 

وحسب كل المراقبين فإن التركماني والعفري وكلاهما من تلعفر، وهما الوريثان المفترضان للبغدادي، وإن قتلهما أصاب مجلس الشورى “ضابط إيقاع الهيكل التنظيمي” باضطراب كبير في نينوى، وجعل مجلس الشورى أمام مرحلة غامضة لم يتم فصل الخطاب فيها عن الشخصية التي تخلف البغدادي بعد اعتقاله أو قتله.

 

كانت الموصل لها رمزية تاريخية كبيرة للبغدادي، ولذلك خصَّها بمزية إعلان قبوله الخلافة “المزعومة” من على منبر جامع النوري الكبير، ولولا الموصل ما كان لداعش النهوض بقيادة فرع العراق وسوريا، وما تحولت من منظمة سرية غير منضبطة، وعلى حافة الهزيمة، إلى تنظيم بإمكانيات دولة يهدّد أوروبا والولايات المتحدة.

 

في عام 2014 كان تركيز التركماني والعفري والبيلاوي على الموصل، وفي يونيو/حزيران من نفس العام، نجحت خططهم العسكرية في احتلال الموصل، وانتقل تنظيم داعش نقلة كبيرة، من مرحلة دار الحرب والكفر إلى دار الإسلام والتمكين؛ حيث فرضوا أحكامهم المتطرّفة فيها، ولم يحدث هذا لأي فصيل من الفصائل المسلحة الجهادية عدا طالبان أفغانستان، لكن بإمكانيات لا يمكن إحصاؤها حسابياً واقتصادياً.

 

ظلّت قيادة داعش في نينوى بين مد وجزر منذ إعلان التحالف الدولي في سبتمبر/أيلول 2014؛ حيث حاولت البيشمركة ملء الفراغ الذي خلَّفته القوات الاتحادية العراقية بعد هزيمة يونيو، وتفاجأت بشراسة مقاومة وحدات داعش، ولذلك أجبرت على الاكتفاء بدفعهم بعيداً عن حدود كردستان الجنوبية، وبدعم كبير من التحالف الدولي، دون أن تهزم داعش في المناطق غير المتنازع عليها؛ حيث تركت ذلك للقوات الاتحادية ومَن يساندها.

 

ادَّخرت داعش تعزيزات كبيرة من أحياء شمال وغرب الساحل الأيمن إلى أطراف المدينة القديمة، في ترتيب إعاقة عسكرية ضخمة قد تكون هي الأخيرة والحاسمة، وذلك بالتنسيق مع مجموعات انتحارية من العراقيين والسوريين، لكن هذا الاستعداد مصيره الفشل، بعد تعاون آلاف المدنيين مع الاستخبارات العراقية بمعلومات دقيقة، والتي أسقطت كل مفاجآت داعش.

إن تقارير الداخل تؤكد أن كتائب داعش الخاصة كانت تفترض أن الهجوم لن يتم على عدة محاور في محيط المدينة القديمة، إضافة إلى محور جهاز مكافحة الإرهاب غرب المدينة، بقوام عسكري وصل إلى أكثر من 4000 مقاتل من قوات النخبة التي شاركت في معارك أحياء ما بعد نهر الخوصر في الساحل الأيسر من الموصل، وتشكيلات فرقة العباس القتالية التي تقاتل بمعية الفرقة التاسعة المدرعة.

 

وحدات داعش من كتيبة طارق بن زياد الناطقة بالفرنسية توقفت فجأة، وانسحبت من حيَّي الصمود والشهداء الثانية، بسبب خبرة قوات مكافحة الإرهاب في محاكاة أساليبهم؛ لذلك انحازت إلى حي 17 تموز وانتشارهم على الطرقات المؤدية إلى المدينة القديمة، دفع المدنيين إلى الخروج دفعات كنازحين إلى الشوارع بعشرات الآلاف لإثقال الجهد العسكري بإنقاذهم، بدلاً من التفرغ لقتالهم، خاصة أن المنطقة باتت تحوي الآلاف من الحالات الإنسانية التي تحتاج إلى تدخل صحي وغذائي عاجل.

 

أحد عناصر داعش الذين ألقي القبض عليهم، قال: إن قيادات داعش بنهاية عام 2016 أدركت حتمية هزيمتهم في الموصل، وبالتالي عادت أدراجها منسحبة مخذولة نحو مربع العاصمة السرية لداعش “الهجين – البعاج – البوكمال – القائم”، لو لم تكن هناك وقفة تعبوية واستمر القتال لكانت القوات العراقية الآن في عمق المدينة القديمة، ولا شيء يوقفهم.

وتشهد شوارع المدينة القديمة معارك عنيفة منذ ما يقارب ثلاثة أيام تمتد من شارع حلب والجمهورية وصولاً لباب الطوب، وسط عمليات قنص واشتباكات عنيفة وعمليات انتحارية مكثفة تسببت بدمار الأزقة السكنية بنسبة تزيد عن ٥٠٪‏، وسوف تنتهي معركة الساحل الأيمن بتحرير الجسور الثلاثة المتبقية ومئذنة الحدباء وجامع النوري الكبير وحي 17 تموز، بنموذج تحرير سوف يكرر في الحويجة وتلعفر والقائم، وربما حتى في الرقة والبوكمال.

 

واليوم بعدما أصبحت هزيمة وحدات داعش في الموصل وشيكة، ما هي الآثار المتوقعة على المدن التي لا تزال تحتلها داعش وعلى الخلايا السرية في المدن المحررة؟ إن قيادة داعش ستعمل على تنشيط عمليات نوعية للوصول إلى تحقيق احتمالية اندلاع حرب أهلية مذهبية أو قومية.. الخبر الجيد (للقيادة العراقية) أن قيادة داعش ستحاول الانتقام لهزيمة الموصل، ولتسجيل نقاط كبيرة لرفع معنويات الفلول المهزومة، وهذا يعني القيام بالمزيد من العمليات التعرضية على القوات المرابطة في الصحراء وأطراف المدن، وبالتالي سيتم القضاء بشكل كامل على القوة المهاجمة كما حصل أخيراً في كركوك والرطبة ومطيبجة وحوض العظيم، وإخراج الأفاعي من جحورها.

 

أمام داعش الآن تحديات العودة إلى المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، وهي مناطق مكشوفة ومفتوحة، وعسكرياً فإن الجماعات المسلحة التي لا تمتلك سلاح جو ولا منظومات دفاع جوي متطورة، سوف تتخذ مواضع دفاعية، فباتخاذها تموضعاً دفاعياً ستحظى بهزيمة كارثية، بهلاك المزيد من المقاتلين والقيادات، كما حصل لطالبان أفغانستان عام 2001 – 2002.

‏بالنسبة لداعش فإن هزيمة الموصل هي مفصل لتراجع كبير في فروعها الأخرى، لكن على المدى البعيد، وبشرط إبقاء الضغط العسكري للتحالف الدولي متواصلاً على قيادة وعناصر داعش في القائم ودير الزور والبوكمال.

 

والضرورة من تواصل الضغط على قيادة وعناصر داعش هي حرمانهم من لملمة جراحهم والتفرغ لاختيارات جديدة، وإعادة النظر بوسائل الغواية العقائدية والإعلامية، وتجديد خطابهم الديني والسياسي، ومراجعة أساليبهم بالاتصال بالناس وإمكانية إدارة الهيكل التنظيمي الذي يعاني من خسارة “أرض الخلافة”.

إن العراق بانتصاره على داعش في الموصل سوف يعجّل من ربح المعركة عسكرياً في باقي المدن المحتلة، لكن لن يربح كامل الحرب حتى يفهم كل عراقي أن محاربة التطرّف العنيف بكل أشكاله قرار مجتمعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *