هل بدأ العد العكسي لتحجيم نفوذ إيران /  ماجد كيالي  

 

يتضح أن ثمة نوعا من التوافق الدولي قوامه أنه آن الأوان لإعادة إيران إلى حدودها الطبيعية، وأن فترة السماح الدولي معها انتهت.

 

السؤال الذي بات يطرح نفسه على ضوء الصراعات أو التسويات التي يجري التعامل معها، أو الإعداد لها في المشرق العربي، هو: هل بدأ العد العكسي لتحجيم نفوذ إيران؟ أو هل إن ما يجري يؤدي إلى ذلك حقا؟

 

ثمة عدة معطيات ترجّح تحويل هذا التوجه إلى واقع، لعل أهمها يكمن في الآتي:

 

أولا، التباين الروسي-الإيراني في الملف السوري، على الرغم من كل التفاهمات الجارية بين الطرفين، فمن الواضح أن لدى روسيا بديلا آخر للتنسيق على الأرض في سوريا، هو تركيا، كما لاحظنا مؤخرا، إلى درجة أن التفاهمات الأساسية في هذا البلد أضحت بين الطرفين الروسي والتركي، في حين جرى طلب مجرد سكوت إيران التي أبدت موافقتها النظرية على ما يجري، وإن على مضض؛ إن بشأن اتفاقات وقف إطلاق النار، أو بشأن مفاوضات أستانة. وبات واضحا أن روسيا تريد أن تفهم إيران أنها هي التي تملك التقرير بشأن سوريا، وأنها هي التي أوقفت سقوط النظام وليست إيران وميليشياتها.

 

ثانيا، مجيء إدارة أميركية جديدة برئاسة دونالد ترامب تضع على رأس أولوياتها وضع حد لطموحات إيران الإقليمية، وتقليم أظافرها في المنطقة، وحتى فتح ملف الاتفاق النووي معها. ولعل هذا ما يمكن فهمه من تصريحات الرئيس الأميركي وأركان إدارته، كما يمكن فهمه من تصريح السفيرة الأميركية في مجلس الأمن الدولي، نيكي هايلي، التي ربطت الحرب ضد الإرهاب في سوريا بإخراج الميليشيات التابعة لإيران من هذا البلد. وكما لاحظنا فإن هذا الأمر تلقفه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الذي اعتبر أن البند الرابع في مفاوضات جنيف 5، المتعلق بمكافحة الإرهاب، سيشمل وضعية الميليشيات الأجنبية في سوريا، والمقصود هنا، أيضا، الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية، المذهبية، التي تشتغل كذراع إقليمية لإيران.

 

ثالثا، يلفت الانتباه أن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس طالب في تقرير صدر مؤخرا، ويتعلق بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 (لعام 2006)، بضرورة نزع سلاح حزب الله في لبنان، ما يعني أن الأمر لم يعد يقتصر على إخراج هذا الحزب من سوريا، وإنما حتى تقليم أظافره في لبنان، في سياق الجهود لإضعاف أو إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة.

 

رابعا، واضح أن إسرائيل تضغط لضعضعة النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، وهذا ما يفسر إصرارها على إضعاف إيران، وشن غارات جوية باستمرار، لضرب شحنات السلاح التي يتم تمريرها عبر سوريا إلى لبنان لصالح حزب الله. كما تأتي في هذا الإطار الزيارات التي قام بها بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى موسكو للقاء فلاديمير بوتين، والتباحث بشأن الوضع في سوريا، وضمان أمن إسرائيل. من كل ذلك يتضح أن ثمة نوعا من التوافق الدولي قوامه أنه آن الأوان لإعادة إيران إلى حدودها الطبيعية وأن فترة السماح الدولي معها انتهت، وهذا التوافق يشمل وبتفاوت، الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول العربية.

 

السؤال الآخر الذي يمكن طرحه، ما هي ردة فعل إيران على هذا الاستهداف لمكانتها الإقليمية، وهي التي اعتاد بعض المسؤولين فيها التصريح بأن بلدهم بات دولة عظمى، وأنه بات يسيطر على عدة عواصم عربية من بغداد إلى بيروت مرروا بدمشق وصنعاء؟

 

للإجابة على ذلك فإن إيران ستشتغل وفق عدة خيارات تتأسس أولا، على اللعب على التباينات بين الدول المعنية، الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإسرائيل. وثانياً على الاستثمار في وكلائها المحليين، بحيث يظهر الأمر وكأنها غير معنية بما يجري، وثالثا عبر محاولة اللعب على تناقضات أو فوضى الأوضاع في البلدان المعنية، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن. ورابعا، السعي لاستثمار أي تراجع من طرفها في أي من البلدان المعنية بتحسين مكانتها الدولية، في العلاقة مع الولايات المتحدة، وبشأن رفع العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية المفروضة عليها.

 

كاتب سياسي فلسطيني

ماجد كيالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *