“استنة سنة العراق” واجب فرض عين قبل قمة عمّان / علي وجيه محجوب

 

*ايلاف

متابعة عراقيون

جدل متوقع تثيره مداولات جنيف – مونتريه التي نظمها معهد السلام الاوروبي وادار نقاشاتها ديفيد بترايوس و دومنيك دوفيلبان ومحمد البرادعي ليومين و شملت 9 قيادات من العرب السنة او ممثلي المحافظات التي احتلها تنظيم داعش و معظمهم من الملتزمين بعراق موحد تكون فيه مشاركة ابناء هذه المحافظاتحقيقية وفعالة وغير خاضعة للتهديد او التشكيك والملاحقة .

 

واذا كان لا يخطر على بال احد ان الامريكيين انفسهم هم من يخشى غمار خوض حروب عبر المحيطات كون الدرس الذي صفعوا به بعد احتلال العراق اكثر من كاف , فانه بالفعل من الصعب على المرء ان يصدق ان الامريكيين لم يعودوا يفكرون حتى بالتهديد او التلويح بالقوة في العراق ايضا لان درسا بالغا تلقونه من سوريا عندما هددوا ولم ينفذوا .

 

لا حرب او تقسيم و لا حتى تهديدات في العراق , كان العنوان العريض الذي ابلغ بترايوس به الحاضرين بحسب قيادات مشاركة في الاجتماع الذي دام يومين ولم يكن في جنيف اصلا بل عقد على الضفة الهادئة من البحيرة .

 

المؤتمر شارك فيه الجناج الاسلامي ممثلا برئيس الحزب الاسلامي اياد السامرائي و الجناح القريب ممثلا بخميس الخنجر ورافع العيساوي واثيل النجيفي و التيار الذي يمثل المحور العربي ممثلا بصالح المطلك وسعد البزاز ز ورغم ان بعض القناعات المسبقة مثيرة للاستغراب كما هو حال رفض حركة النجباء وحزب البعث للمؤتمر بنفس القناعة وهو حدث غريب فان هدوء العبادي بالمقابل امر مستحسن للمشاركين انفسهم .

 

الامريكيون والاوربيون يحاولون ان يطمئنوا ان ” ابن داعش ” لن يرى النور بعد دفن شعار ” الدولة الاسلامية المزعوم ” لكن الامر يبدو اكثر صعوبة مع توافر القناعة التي وصلت اليها الدولتان الاقليميتان الكبريان ايران و تركيا ان التيارات غير الاسلامية في العراق خصوصا في المحافظات ذات الغالبية السنية العربية هي تيارات مبعثرة لكنها تمتلك الغالبية التمثيلية الحقيقية على الارض وان الحديث عن عقد تسوية مشابهة للتسوية السورية لايمكن ان يتم دون تنظيم هذه القوى او المساعدة في لملمة شتاتها و الجلوس مع التيارات الاسلامية السنية حتى يتمكن الطرفان من تشكيل جبهة تستطيع تشكيل وفد مفاوض مع التحالف الشيعي الذي تدعمه ايران وعادة ما تقوم بتنظيم صفوفه .

 

السباق السياسي على هذه الطاولة المنتظرة يجري الاعداد له منذ خريف العام الماضي 2016 يحوي على اكثر من مسار و يستوي على اشواط عدة بينها جلسات في عواصم عدة بينما يقطع الاتراك والايرانيون شوطا اخرا لتبادل الرؤى حتى يتمكنا من الوصول الى ” الاستنة السنية ” .

 

لاينكر العارف في التفاصيل كيف ان الخيوط متداخلة بين مجموعة من القضايا المتشابكة والتي يصعب على المرء فصل مساراتها لكنها بالفعل منفصلة من ناحية و متلاصقة في ذات الوقت وهي :

 

1- ورقة التسوية السياسية التي دخل على خطها عمار الحكيم وما لبث ان اجرى فريقه السياسي ومن ثم قيادات التحالف الشيعي تعديلاتهم عليها ليقدمونها الى ممثل الامم المتحدة في العراق وبين ورقة اخرى كتبها متبرعون من البيئة السنية لكنهم اقرب الى الحكومة العراقية و القيادات الشيعية وقاموا بتسمية ورقتهم ب ” الرؤية الموحدة للعرب السنة ” وهم في الحقيقة اجروا اتصالات ولقاءات وحاولوا تقديم ورقة شاملة لكن الامر الابرز في هذه الورقة انها ليست ورقة كل العرب السنة كما اطلقوا علهيها ولاتمثل كل التيارات السنية او الليبرالية والعروبية في هذه المحافظات و المطلع عليها يدرك انها ورقة فضفاضة تسودها نزعة القبول والرضوخ ولا تتسم برفع سقف المطالب وتترك مجالا للتفاوض .

 

2- انبرى فريق من ليبراليي ومعتدلي العرب السنة انفسهم الى التجمع لاتخاذ موقف بعد تعطيل تسلم ورقة الحكيم من ممثل الام المتحدة لظروف تتعلق باقرار قانون الحشد الشعبي , و قرروا في نهاية اجتماع ضم35 شخصية بابلاغ ممثل الامم المتحدة بان الوصول الى التسوية يتطلب ” اجراءات بناء الثقة ” وحددها المجتمعون بعشر نقاط تقوم على قاعدة ان اعادة النازحين و الاراضي المقطوعة التي تسيطر عليها قوات باسم الدولة او استمرار قوانين الاجتثاث و الاستبعاد – وهي اصلا قوانين انتقالية –هو ليس مجالا للتفاوض في التسويةالتاريخية وانما تلك اجراءات يستطيع التحالف الشيعي الذي يقود الحكومة ان يقرر الغاءها ليعطي التزاما بان الثقة متوفرة للذهاب بالتسوية الى مناقشة ما هو اكبر مثل اعادة مبدا المساواة بالمواطنة للجميع و هيكلة الدولة وشكل نظام الحكم و الانتخابات . ان المجتمعين يعتقدون ان التسوية ضرورة قصوى وتتضمن القضايا الكبرى و ان الجلوس مع الطرف السياسي من التحالف الشيعي يستلزم اقرار اجراءات بناء الثقة اولا , على ان لا تسوية ناجحة ومنتظرة مالم يسبقها اجراءات بناء ثقة من قبل التحالف الوطني الشيعي من جهة و الحكومة التي تدعم هذه التسوية .

 

3- الضغط التي سببته الساحة السورية على الملف العراقي حيث ان الوضع في العراق يتاثر بشكل العلاقة الايرانية – التركية من جهة و الدور الروسي في سوريا من جهة ثانية فضلا عن ترقب اجراءات الرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد وصوله الى الرئاسة الامريكية و استباق تنفيذ اي من سياساته على الارض من خلال تقديم افعال على الارض كما جرى في الاستانة و محاولة تكرار ذلك في العراق مع قرب انتهاء تحرير الموصل .

 

4- تولت دول معنية بالملف العراقي جمع الاطراف القادرة على التاثير في الوسط السني من ناحية وعلى المستوى العراقي من ناحية اخرى . وتاتي المبادرة التركية –العربية للولوج رسميا في فتح تسوية الملف العراقي كون المشكلة تكمن في الطرف السني المشتت و المتصارع مقابل التحالف الشيعي – الذي جهز اوراقه ورتب تبعثره حيث تمكن الجنرال قاسم سليماني من حسم الصراع للحكيم في رئاسة التحالف على ان يتولاه المالكي في العام المقبل –وجرت دعوة اطراف سنية فاعلة على مدار الاشهر الماضية حيث يتولى كبار المسؤوليين المعنيين بالملف العراقي التواصل حول ما تؤول اليه امور ترتيب الوسط السني مع اطلاع دول عربية معنية بالملف العراقي على مجمل النقاشات وخصوصا انها ليست نقاشات قائمة على العداء او استعداء طرف او تشكيل كيان طائفي او عزل مكونات داخل اقاليم بل نقاشات تقوم على اساس العراق موحد وليس طائفيا .

 

5- لم تسفر الاجتماعات عن اعلان تشكيل سني كبير ويعتقد القائمون على الاجتماعات ان قمة عمان العربية ربما ستكون الموعد الانسب , وتدور هناك رؤيتان بخصوص ترتيب اوراق البيت السني الاولى تتمثل بدمج التيارات الاسلامية والعروبية بينما يطرح اخرون رؤية ان الترتيب السياسي في المحافظات السنية يقوم على اساس تشكيل تيارين عروبي ليبرالي يضم بالدرجة الاساس مختلف القوى الوطنية واخر اسلامي سني يضم الحزب الاسلامي والتنظيمات الاسلامية القريبة او تلك التي اتخذت شعارات مدنية لكنها قائمة على شخصيات اسلامية و تقسيماتهم القريبة منهم مثل تنظيم متحدون وغيرها .

 

6- الامر الاخر المتشابك في المشهد ذاته هو قرب الانتخابات البرلمانية في العراق وعلى الرغم من كونه امر مزمع لكن يعتقد غالبية النواب الذين يشاركون او ينوون المشاركة في الانتخابات ان الوقت قد حان لبدء الدخول في مفاوضات تشكيل الجبهات الانتخابية ويتزامن هذا الجدل مع اعلان مفوضية الانتخابات فتح باب التسجيل للاحزاب السياسية و الائتلافية . ووصل عدد الكيانات الائتلافية او الحزبية المسجلة الى الف وخمسين 1050 اسما سياسيا حسب ما ابلغني كبير مفوضي الهيئة الانتخابية في العراق .

 

7- التخوف من استمرار مهاجمة محاولات تجميع القوى السنية من قبل المشتغلين في الواقع السياسي الراهن يؤدي احيانا الى تعطيل عقد الاجتماعات او التواصل مع شخصيات معنية خصوصا تلك التي تجد حساسية الاعلان المباشر عن اللقاءات . اذ يمثل التربص الانتخابي ومحاولة التخوين او التسقيط عاملا رئيسا في فقدان الثقة بين القوى السنية اذ يصل بينها الى حد الاتهام بالعمالة لتركيا او ايران او السعودية . ولا انكر ان الاحقاد الشخصية والمواقف السياسية المحلية بين داخل المكون او الغيرة الشخصية تلعب دورها الفاعل في اعاقة الوصول الى تقدم بل تصل الى الترصد للوقوع في المحاذير وعلى سبيل المثال لا الحصر تجنب عدد من الوزراء السنة الحضور في اجتماعات مفتوحة وكذلك فعل رئيس البرلمان سليم الجبوري حيث ابلغني غير مرة اعتذاره عن المشاركة في اجتماعات تمت دعوته اليها على الرغم من انه يحضر لقاءات ثنائية في انقرة والدوحة وعمان .

 

8- الجهل المحلي من قبل اغلب اطراف القوى السنية و الشيعية في معرفة جواب السؤال المتعلق بشكل العالم العراق بعد وصول الرئيس الامريكي دونالد ترامب اذ ان فرضية قواعد التعامل والقانون الدولي في عالم اوباما لم تعد تتساوى مع انطلاقة السياسة الدولية في عالم ما بعد اوباما . ان القادة في العراق لا يستوعبون ما اذا كان الرئيس الجديد ينظر الى العراق كشركة خاسرة ام شركة ينبغي تصفيتها واعلانها بمزاد تسويات المنطقة او الطلب من محاميه الابقاء عليها او دمجها في الملف السوري او فصلها عن التبعية لايران وهو امر لم يتمكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من الاجابة عليه حيث بعثت بسؤاله عبر سياسي قريب منه التقاه عشية تنصيب ترامب لكنه اتفق على انه امر مهم وحساس , بينما سخر وزير الخارجية ابراهيم الجعفري من ذات السؤال حيث قال ان الامريكيين لايعرفون ماذا يريد اوباما فكيف لي ان اعرف !

 

9- حاول الملك عبد الله الثاني في عمان التواصل مع قيادات عراقية بينها اياد علاوي واسامة النجيفي وصالح المطلك و سليم الجبوري وقبلها التقى وفد الحكيم الذي يمثل قوى التحالف الشيعي وكان الاعتقاد السائد انه تحدث مع القيادات السنية في موضوع التسوية التي فاتحهبها الحكيم غير ان صالح المطلك اكد في اجابته على معرض سؤالي “ان اللقاء كان يتعلق يرغبة جلالة الملك بمعرفة تصورات بعض القيادات العراقية قبل وصول ترامب الى الرئاسة ” وهو ما نقلها الى فريق ترامب الذي التقى عددا منهم في اشنطن . وعاد اياد علاوي لتكرار ماقاله المطلك وابلغني في حديث مباشر ان “الملك تحدث عن مشروع عراقي وطني و وانشاء جبهة عربية ووطنية في العراق” و هو بالفعل ما نشرته وكالة بترا الادرنية في ملخصها الرسمي عن اللقاءات التي اجراها جلالته .

 

10- تحاول عمان وهي عاصمة رئيسية يستقر فيها ملايين العراقيين اغلبهم من المحافظات ذات الاغلبية السنية و قوى عروبية في جنوب العراق ان تنتهز فرصة تنظيمها لاجتماع القمة العربية 2017 لتقديم نتائج اجتماعات انقرة و عمان ولاحقا فيينا وجنيف الى الدول العربية لدعمها من اجل الوصول الى فريق توازن قادر على التفاوض بدلا من ابقاء الوضع المشاكس في العراق على حاله والذي لم يعد يخدم حتى ايران باعتبار ان زمن الفوضى قد ولى وجاء وقت فرض السلام بالقوة حيث طوى العالم بوصول ترامب صفحة ” حريات اوباما ” وفوضى الربيع .

 

11- الدعوة الثلاثية التي حضرها قائد القيادة المركزية الامريكية السابق ديفيد بترايوس –وهو كان احد مرشحي ترامب لوزارة الخارجية الامريكية – و رئيس منظمة الطاقة الذرية السابق محمد البرادعي ورئيس الوزراء الفرنسي الاسبق دومنيك دوفيلبان تحفز القيادات السنية ذاتها على الاسراع في اتخاذ قرار اعادة بناء شكلها باسرع وقت ممكن ايضا .

 

لفتني عندما مسكني بيده وهو يتكأ على عكازة اخرى بيده اليمين ممثل اكراد العراق في الحكومة حتى اقالته هوشيار زيباري وهو حاذق على حزب الدعوة والتحالف الشيعي –الذي كان مقدسا – ليتحدث عن تحالف المستقبل مع العرب السنة بانه ضمانة لبقائهم في العراق بينما وجدت نواب العرب السنة يعتقدون ان الحوار مع التحالف الوطني الشيعي اولا هو السبيل الاقرب لانجاز تفاهمات عراق ما بعد داعش . لقد اتيحت لي فرصة الاطلاع من عدد من القيادات التي شاركت في الاجتماع الاخير للقوى العروبية او ما يعرف بالمحور العربي الليبرالي قيد التشكيل واصراهم على المسك باجراءات الثقة قبل اي تسوية مطروحة … وادركت حينها المرارة التي افضت عنها الاتفاقات السابقة المحلية دون الوصول الى تنفيذ اي من العهود , بينما تلمس من تكرار ماقاله الحكيم خلال زيارته لمقر سليم الجبوري بحضور نواب شاركوا في الاجتماعين ” ان التسوية قادمة الينا اذا لم نقبلها من الداخل سيفرضها علينا الخارج ” تلمس ان الحكيم وهو الرجل القريب من ايران ان ماقاله انعكاساللاجتماعات الاقليمية لترتيب اوضاع ممثلي المحافظات المنكوبة بالارهاب مترافقا مع اتصالات ايرانية وان التسوية قادمة لامحالة في العراق , ومن هنا ينظر ممثلو القوى السنية من غير الاسلاميين المشاركين في الاجتماع ان عليهم تهيئة انفسهم وان ماقاله الحكيم ورددوه هم في الاجتماع غير مرة لم يات من بنات افكاره وانما من رسالة ايران الاقليمية بان الوقت حان للاستنة السنية على ذات النغمة التي انتهى بها مبدا اوباما ” نشر الديمقراطية في الشرق الوسط ” وحل بديلا عنها مبدا ترامب ترامب للسنوات المقبلة ” فرض السلام بالقوة ” .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *