كرام الموصل في مخيمات النازحين / حامد الكيلاني  

 

مخيمات ذات طاقات استيعابية محدودة، بعضها غير قابل للإضافة، مما أدى إلى التعجيل في إنشاء مراكز إيواء جديدة، لكنها جميعا تظل قاصرة لأسباب عملية وفنية وإدارية.

تائهون أمام أعين الساسة

 

أين الموصل وأهل الساحل الأيمن أو الغربي أو الأسر الكريمة في الحواري أو المحلات السكنية من المدينة العتيقة، تحديدا، من القوى السياسية الفاعلة، الحاكمة في المنطقة الخضراء أو المتصارعة على الأرض والمتزاحمة بسلاحها لبسط نفوذها على الآخر حتى لو كان ضمن عناوينها الصغيرة والكبيرة، دينية كانت أو مذهبية أو قومية؟

 

هلوسة العملية السياسية طيلة أعوام الحُكم المتخلف تقترب من قيادة باص نقل عام مليء بالركاب، من قبل سائق مخمور ومدمن مخدرات وصل إلى نقطة دخول حاجز كونكريتي بعد أن خَلّف الموت والفوضى على طول الطريق؛ أكثر من نصف مليون إنسان -ونصفهم من الأطفال- عالقون داخل هذا الباص المحطم والمغلقة أبوابه بفعل الصدمة.

 

أصوات أشبه بالنواح من أهل نينوى تطالب بعقد، مجرد عقد جلسة برلمانية لمناقشة مأساة رهائن داعش، في ظروف كارثية ومأساوية، وتستلزم اجتماعا سريعا من الأمم المتحدة لإعلان الموصل منطقة منكوبة بحاجة إلى دعم دولي وإنساني يتجاوز تعاطف المهرجانات الخطابية لمجلس النواب العراقي وبياناته ووزارة هجرة ومهجرين تشكو من قلة الدعم قياسا إلى أعداد النازحين المتزايدة من الضفة اليمنى للموصل.

 

في جولة ميدانية خضنا تجربتها عن طريق الهاتف المحمول وبرفقة إحدى المنظمات الإنسانية الدولية لتقديم الدعم المادي والمعنوي والنفسي للنازحين في المخيمات العديدة، مخيمات ذات طاقات استيعابية محدودة، بعضها غير قابل للإضافة، مما أدى إلى التعجيل في إنشاء مراكز إيواء جديدة، لكنها جميعا تظل قاصرة لأسباب عملية وفنية وإدارية وأيضا بسبب استثناء وفرادة الحالة في الموصل.

 

المخيمات المزدحمة هي الخازر1 والخازر2 ومخيم حسن شامي. وفي منطقة القيارة توجد 4 مخيمات يطلق عليها اسم الجدعة1 و2 و3 والجدعة 4 الذي يستقبل مع مخيم الحاج علي التدفق الحاد من نازحي أحياء الساحل الأيمن. كذلك إلى جانب مخيم المطار أو المدرج، توجد مخيمات أخرى.

من يقطع دابر داعش

 

تكمن المشاكل المباشرة حاليا في أن معظم الهاربين من مناطق القتال، عانوا مسبقا من حالات الخوف والهلع والجوع والمرض.

 

تفاوتت المسافات المقطوعة مشيا من 8 إلى 12 و15 كم تحت ظروف جوية باردة وممطرة وكثير منهم حفاة أطفالا وكبار سن من النساء والرجال وبينهم مصابون بسبب العمليات الحربية ومعوقون وغير قادرين على السير.

 

هؤلاء حين وصولهم إلى المخيم يحتاجون إلى رعاية خاصة ودعم سريع وتلبية احتياجات. باختصار هم بحاجة إلى إنقاذ طوارئ. هنا نقطة الإشكال عندما تكون الجوانب اللوجستية والإدارية بطيئة أو غير متوفرة حتى لو كان الطاقم العامل كفؤا ويبذل كل الجهود وبدراية وتدريب لاستقبال هذا النوع من الزخم في الاحتياجات.

 

مخيما الجدعة 4 والحاج علي لم يتم فيهما توفير الخيام الكافية مما اضطر بعض الأسر للنوم في العراء مع نقص في الطعام وخدمات طبية مفقودة؛ سكان القيارة وحمام العليل رغم عوزهم ومصائبهم ومعاناتهم يشاركون أهاليهم في المخيمات ما يستطيعون توفيره من وجبات غذائية، وطبعا ذلك لا يكفي.

 

جهود كبيرة للاستيعاب وتغطية المتطلبات تقوم بها المجموعات التابعة لوزارة الهجرة والمهجرين والمنظمات الدولية والإنسانية المعنية لكنهم -وعلى لسانهم- يفتقدون استمرار تدفق المعونات المختلفة ومنها سلة الغذاء العائلية.

 

وقد اقترح أحدهم ضرورة اتباع نظام التوزيع العادل؛ أي التوزيع بحسابات الفرد الواحد وليس بنظام الأسرة الواحدة؛ مثلا أسرة من 3 أفراد تستلم سلة واحدة وأسرة أخرى، وهي شواهد عينية، متكونة من 13 فردا تستلم سلة واحدة أيضا.

 

الملاحظة البارزة في تقييم المنظمات الدولية وعملها هي الانخفاض الواضح في حماستها وذلك لحجم الإجهاد بسبب طول مدة الصراع والتدفق المستمر والمفاجئ وغير المحدود بمدة زمنية. أي أن الكوارث غالبا ما تكون سريعة الوقع وأيضا معالجاتها بذات الوتيرة كضربات الزلازل؛ لكن في التراجيديا الموصلية، الإنهاك شمل الأفراد الذين بذلوا كل ما بوسعهم لتنظيم مخيمات الإيواء وتقديم العون.

 

الشكوى ليست فقط بسبب طول المدة، إنما بسبب انخفاض حماسة الدول الداعمة أيضا لقلة التخصيصات أو اكتفائها بالمشاركة لمرات معدودة دون اعتماد سيولة تدفق المعونات واستمرارها مع استمرار الصراع.

 

ما يحصل في المخيمات هو رفض قسم كبير من النازحين، وهم من أهالي الجانب الأيسر المحرر، العودة إلى أحيائهم وذلك لفقدان ثقتهم في استقرار الأمن لأسباب مختلفة. لكن في ضوء الاستماع إلى شهادات عدد منهم تتكثف المعاناة بعدم وجود أي موارد مالية أو إمكانية للعمل، أي عمل، في غياب أبسط مقومات الحالة الطبيعية.

 

بعد الخلاص من داعش وبعيدا عن أي تزاحمات وتوقعات سياسية، توجد مرحلة انتقالية يفترض الانتباه إليها، وهي بناء القواعد المهدمة تماما وأيضا ترميم المخرب من النشاط الاقتصادي البسيط، الكافل للبقاء.

 

إذن نحن أمام مسؤوليات دعم وتيسير هبات وقروض ميسرة من الدولة، إذا وجدت دولة بمعنى وطن. لكن كلامنا موجه لكل المجتمع الدولي الذي ساهم في ترك العراق لقمة للإرهاب الإيراني وحكام حزب الدعوة والأحزاب الانتهازية الذين لم يقصروا في زف المدن العراقية المطلوبة إلى إرهاب تنظيم داعش وإرهاب آخر يتمثل في إرهاب جمهورية باقية وتتمدد وطموحات ولي فقيه بصواريخ باليستية وسلاح نووي.

 

سنتعرف في الأيام المقبلة بنشاطات المنظمات الدولية وعددها ومدة نشاطها ولماذا غادر بعضها في عز المأساة ومن بقي منها صامدا يؤدي مهمته السامية في مساعدة أهل الموصل بمحنتهم.

 

لكن كما نقول، همّ يضحك وهمّ يبكي؛ عندما توجه أحد الداعمين النفسيين إلى إحدى العائلات المكونة من امرأة وأربعة أطفال وبادرها: نحن هنا مجموعة أفراد لتقديم المساعدة لكم وأنا مكلف بالدعم النفسي، قالت له الأم: أنا فقدت زوجي منذ 10 أشهر ولا أعرف مصيره، وفقدت إبني البكر، ومن عائلتي أخوة وأقارب، وبيتي مهدم؛ هل تستطيع أن تساعدني لأعرف ولو مصير زوجي، على كل حال شكرا على علبة البسكويت نيابة عن أهل الموصل.

كاتب من العراق

حامد الكيلاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *