استثناء العراق من حظر المسلمين: مناقصات ترامب / رأي القدس

 

 

 

توقع مسؤولون أمريكيون أن يحذف الرئيس دونالد ترامب العراق من قائمة الدول التي يواجه مواطنوها حظرا مؤقتا على السفر إلى الولايات المتحدة وهو ما سيتضمنه قرار تنفيذي جديد يزمع ترامب على إصداره بعد إيقاف قراره التنفيذي السابق حول الموضوع نفسه.

لقي هذا الإعلان ترحيباً سريعاً من القيادة العسكرية الأمريكية في العراق، التي ضغطت، كما هو واضح، على وزارتي الدفاع والخارجية، اللتين قامتا بتقديم أسبابهما لاستثناء العراق من ذلك الحظر، وعلى رأسها أن بغداد تشارك في التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الذي تقوده واشنطن.

الأسباب الأخرى التي لم تشر إليها التقارير الإعلامية هي ردود الفعل القويّة التي صدرت عن أطراف سياسية وعسكرية عراقية تحمل في طيّاتها لهجة التهديد (هيئة «الحشد الشعبي»، على سبيل المثال، طالبت «بمنع دخول الأمريكيين حفظاً لكرامة الشعب العراقي الذي يحارب الإرهابـ«)، وهي لغة يفهمها الجيش الأمريكي في العراق جيدا، وهو الذي خسر، حسب تقديرات جهات محايدة، أكثر من 33000 قتيل بين الأعوام 2003 و2008 أما القيمة الإجمالية لاحتلال العراق فكانت، حسب دراسة لعالم الاقتصاد الفائز بجائزة نوبل جوزيف ستيغليتز والأكاديمية ليندا بيلميز، 1.8 تريليون دولار، وهو ما ساهم في الركود الطويل الذي عانى منه الاقتصاد الأمريكي (والعالمي) منذ عام 2008.

الكارثة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي ضربت العراق نفسه ضربة قاصمة والإقليم المحيط به، ولأمريكا التي بدأت بعدها موجة من التراجع العالمي تناظر مع صعود تدريجيّ كبير لروسيا التي بدأت تتمدّد سياسيا وعسكريا وإعلاميّاً خارج محيطها المباشر من جمهوريات سوفييتية سابقة وصولاً إلى البحر المتوسط حيث تكثّف نفوذها في سوريا والعراق والأردن ومصر وليبيا، وصارت يدها الطويلة قادرة على التأثير على الانتخابات الأمريكية نفسها، وهو ما أخذ يتكشّف على شكل فضائح مستمرة تلاحق إدارة ترامب، ومخاوف مستمرة في أوروبا من النفوذ الروسي الإعلامي والتجسسي.

الأثر الثاني البالغ للكارثة العراقية كان تمدّد النفوذ الإيراني واستيلائه العمليّ على مقدّرات العراق ثم إلى سوريا ولبنان واليمن، وتصاعد قوته العسكرية الصاروخية والنووية وهو ما جعل سيطرة الولايات المتحدة على العراق والمنطقة تتقلّص لتصبح شراكة الأمر الواقع مع روسيا الفاعلة في الأجواء والبحار والإعلام وقرصنة الانترنت وإيران المسيطرة على تفاصيل الأمور في مناطق نفوذها المتمددة.

الدول التي استهدفها القرار ردّت كلّها مندّدة بالأمر إلا قيادة النظام السوري، الذي أثنى رئيسها بشار الأسد، على قرار ترامب وقال إنه «يستهدف الإرهابيين لا الشعب السوري»، وهو تصريح مفهوم طبعاً من رأس النظام الكيميائي الذي يتعامل مع شعبه بالبراميل المتفجرة والغازات السامة والتجويع والتعذيب، ومحاولة أيضاً للإعلان عن التزام النظام بأجندة ترامب العنصرية في مقابل النظر «بعين العطف» إليه.

أيّاً كان الحال، فالمفهوم من القرار المتوقع باستثناء العراقيين من الحظر أنه حلّ للملابسات السياسية (منع «البيت الأبيض» مواطني دولة كانت من «إنجازاته»)، والعسكرية (الخوف من ردود الفعل ضد الجنود الأمريكيين)، والأمنية (الحوادث التي حصلت في المطارات الأمريكية ومنعت عراقيين مرتبطين مباشرة أو موظفين بأجهزة الأمن والجيش الأمريكية)، ولكنّه، أيضاً، نوع من العناية الأبوية التي تكنّها المؤسسات الأمريكية لطفلها المعاق الذي أنتجته باجتياح العراق لتأسيس «نظام ديمقراطي».

الأمر الذي يفسّر أيضاً ما صدر أمس من موافقة بريطانيا (الشريكة الأساسية للولايات المتحدة في احتلال العراق) على إقراض الدولة العراقية عشرة مليارات جنيه استرليني «لتمويل مشروعات البنية التحتية في العراق»، رغم كل ما هو معلن عن تبوؤ النظام العراقي أعلى درجات الفساد في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *