دلالات الفيتو المزدوج في مجلس الأمن /  بقلم: د. خليل حسين

 

 

كيف تتشكل علاقات روسيا والصين مع الولايات المتحدة بعد فورة التقارب مع ترامب؟

 

ليست سابقة أن يتفق كل من روسيا والصين في مجلس الأمن حول إدارة الأزمة السورية ووسائل التدخل فيها سلبا أم إيجابا، فقد استعمل حق النقض الفيتو المزدوج للمرة الأولى في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وشكل آنذاك، مناسبة واضحة لكيفية الاصطفاف والتحالفات في الأزمة السورية والقضايا المتصلة فيها، إضافة إلى إبراز مسارات أخرى للمواجهة بين الأطراف الدوليين والإقليميين. وتأكد ذلك أيضا في المرة الثانية التي استعمل فيها الفيتو المزدوج بتاريخ 4 فبراير/شباط 2012، ليصبح نوعا من التقليد، الذي يرسم حدود التحالفات القائمة ونوعية الاتجاهات التي تسير فيها الأمور.

 

إلا أن الفيتو المزدوج الذي استعمله الطرفان بتاريخ 28 فبراير/شباط 2017، يشكل منعطفا آخرا بدلالاته ورمزيته في هذه المرحلة بالذات، وهي المرة الأولى الذي يستعمل الفيتو المزدوج في ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يطرح تساؤلات لافتة حول نوعية ومسارات العلاقات مع كل من موسكو وبكين على الصعيد الدولي وإدارة ابرز ملفاته. لاسيما وان الاستعمال الروسي للفيتو هو السابع من نوعه في الأزمة السورية، والسادس لجهة مشاركة الصين فيه.

 

في الواقع ثمة كثير من المراقبين، من راهن على ما يسمى بالكيمياء الشخصية بين بوتين وترامب، وإمكانية تقاطع مواقفهما إيجابا في العديد من القضايا الدولية ومنها الأزمة السورية، وما عزز ذلك، تصريحات ترامب قبيل وصوله للبيت الأبيض على قاعدة، أن الأولوية في الأزمة السورية هي لمحاربة الإرهاب، وليس لإسقاط نظام الحكم في سوريا، ما شكل غزلا سياسيا واضحا في غير موقف أميركي روسي، وبالتالي ما جرى في مجلس الأمن، يشكل علامة سلبية فارقة في التعويل على تلك المواقف العابرة، وهو ما سوف يتضح أكثر فأكثر لاحقا، وبخاصة عبر التدقيق في مسارات المفاوضات القائمة، بخاصة ما جرى في أستانة 23 فبراير/شباط وبداية مارس/آذار 2017 في مفاوضات جنيف 4، ما يعني أولا وأخيرا أن محددات وضوابط العلاقات البينية الأميركية الروسية لا زالت على وضعها من التنافس الشديد، التي يمكن أن تصل إلى حدود المواجهة في الأزمة السورية، وإن بوسائل وطرق غير عسكرية مباشرة. فماذا يعني ذلك؟

 

في المبدأ، ثمة مصلحة وتقاطع مشترك مباشر بين بكين وموسكو في أسلوب ونوعية المواجهات مع واشنطن، وبخاصة في الجانب الدبلوماسي في مجلس الأمن، كما أن هناك رؤية أميركية محددة حول الأزمة السورية، بصرف النظر عما أشيع ويشاع عن تقارب أميركي روسي في هذا المجال،كما أن ثمة استعداد لدى الأطراف الإقليميين الفاعلين المضي في نقس السياقات التي برزت في الأزمة السورية، وإن ظهرت بعض التعديلات الجزئية التكتية لبعض الأطراف، كالتوتر التركي الإيراني مثلا في الآونة الأخيرة والذي أعيد لملمته بسرعة، أو ما أشيع عن محاولات تركية أميركية للملمة العلاقات البينية وتحسينها بعد الفتور الشديد إبان تداعيات انقلاب تموز 2016، والانزياح التركي باتجاه موسكو.

 

الأمر نفسه ينسحب على العلاقات الأميركية الصينية، رغم الاتصال الهاتفي الذي آجراه الرئيس ترامب بنظيره الصيني على قاعدة تحسين وتوضيح بعض القضايا اتي افتعلها ترامب خلال حملته الانتخابية من مبدأ وحدة الصين، وكيفية التعامل معها. فالعلاقات الأميركية الصينية ليست في أحسن حالها، رغم ما يربط الطرفان من جوانب مالية واقتصادية تحتم على الطرفين مرونة فائضة في العلاقات، وبخاصة من الجانب الأميركي.

 

في المحصلة، يؤشر الفيتو المزدوج الذي تم اللجوء إليه في مجلس الأمن إلى إشارات واضحة، حول ما ستكون عليه علاقات كل من موسكو وبكين مع واشنطن بشكل عام والأزمة السورية بشكل خاص، لاسيما وأن لكل من الأطراف الثلاثة رؤيته الخاصة وتقاطعاتها مع القضايا المطروحة إقليميا ودوليا، وبالتالي من الصعب إيجاد قواسم مشتركة تهدئ الأوضاع الإقليمية والدولية في الفترة القادمة، وبخاصة ما يتصل باللازمة السورية، التي ستكون مرتعا رحبا لعمليات الشد والجذب في غير مناسبة وموقع سياسي أو عسكري.

 

 

 

د. خليل حسين

 

استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *