الميليشيات الإيرانية تستعد لتثبيت الديمقراطية بعد مرحلة داعش /  حامد الكيلاني  

 

من يريد للعراق أن يستدير تماما إلى الأمام، عليه أن يتعافى من جذام المشروع الإيراني وحماقاته تجاه العراق، ويتجاوز الحواجز النفسية والجنائية التي خلفتها المحاصصة السياسية.

 

بعد 14 عاما من الانهيارات المتتالية في العراق، وركوب حصان الديمقراطية دون سرج أو لجام أو حتى مهماز؛ أستعيد مقولة أحد الضباط الأميركيين الذين شاركوا في احتلال العراق ثم انضموا بعد عودتهم إلى بلادهم في تجمعات مناهضة للحرب، وهو من المثقفين أو الكتاب الذين يسجلون يومياتهم وانطباعاتهم، قال “كنا نَسخَرُ مع قادتنا في أيامنا الأخيرة قبل عودتنا، من العراقيين الذين سنودعهم وهم في مناصب كبيرة بفضلنا، لم نكن نجد بينهم عراقيا واحدا يمثل أهل البلد ومستقبله، كانوا جميعا، من دون استثناء، تابعين لنا”.

 

بول بريمر الحاكم المدني الأميركي للعراق قال أيضا في كتابه بما معناه، هذا الموجود ومن كنت أكلفهم من الأميركيين لا يأتون لي إلا بهذه “النماذج”، واستعمل كلمة قاسية غير ما ذكرت بين هلالين؛ والحقيقة ماثلة في تصرفات بريمر وقراراته التي تعطينا انطباعا غير منقوص عن حفنة اللصوص الذين كانوا يتملقونه مقابل حكم العراق؛ ومازالوا بعد كل سنوات الجمر العراقي يحكمون ويتصيّدون كالقراصنة مصير الناس، ويزايدون بشعارات الديمقراطية والتسوية والمصالحة المجتمعية من دون أي أصداء على أرض الواقع.

 

زعيم التحالف الوطني عمار الحكيم يصف عامنا هذا بعام تثبيت الديمقراطية. تثبيت مشاريع ما بعد مرحلة تنظيم داعش، وهو على حق. فالارتباك والقلق وعدم الاستقرار صفات ملازمة لعشوائيات السياسة ومنتجات “طقوس البرلمان” وتوافقات العزائم، ولا أقصد عزائم المتنبّي، إنما طعام اللئام على مائدة العراق لتقاسم النفوذ أو بمعنى مدبب وأدق لتحاصص استمر صعودا وهبوطا، لكنه رغم كل تداعياته لم يعد كافيا. وتثبيت الديمقراطية ضمير مستتر تقديره تثبيت الأغلبية الطائفية كنظام حكم يستقر بعد مقدمات وديباجات استهلكت طروحات عدم الثقة، ووصلت إلى البوح بأعلى درجات الثبات في أوحال المشروع الإيراني.

 

قدم هنا وقدم هناك، كنا نسمعها من قادة العملية الإرهابية في المنطقة الخضراء والبرلمان، في اتهامات صريحة بممارسة اللعبة المزدوجة، أي مع العملية السياسية وضدها، ومنهم من كان يردد إما معنا وإما مع الإرهاب، ويقصد إرهاب القاعدة ثم داعش؛ وتحت هذا الإعلان المدفوع الثمن سقط الآلاف من أهلنا في أعوام عدم ثبات الديمقراطية وسافرت مدن عريقة إلى الخراب بفضل شعارات الدعوة إلى الثأر والانتقام من القدم الثانية التي هناك.

 

في كل عمليات الاحتيال عبر التاريخ وحكايات اللصوصية والغش والالتفاف، توضع العشرات والمئات من الخطط البديلة أو السيناريوهات الفرعية. المهم في النهاية الوصول إلى أرقام الخزنة السرية أو الماسة الفريدة، وفي مثـالنا استغرق الثبـات المطلوب 14 عاما للوفاء بالنذور. في مقاسات القدم الأميـركية نذور ديمقراطية، وفي مقـاسات قدم المرشد الإيراني نذور طائفية وعنصرية.

 

التضليل، نظرية وتطبيقا، هو نظام سياسي محكم تعتمده الأحزاب الإيرانية في العراق، والوسطية لديها مناورة، ومع المتغير الأميركي من إيران تباعدت ركائز أقدامها وما عادت تنفع معها العروض التقليدية القديمة والجاهزة. اليوم إما أميركا وإما إيران، فليست لديها المرونة الكافية واللياقة لترويض سيقانها بالرقص على الحبلين دون السقوط المدوي في المرحلة المقبلة.

 

التضليل، نظرية وتطبيقا، هو نظام سياسي محكم تعتمده الأحزاب الإيرانية في العراق، والوسطية لديها مناورة، ومع المتغير الأميركي من إيران تباعدت ركائز أقدامها وما عادت تنفع معها العروض التقليدية القديمة والجاهزة

 

التدريب مستمر لكن الكذب والمراوغة عمرهما قصير، فمعركة ما بعد الموصل تتطلب حقائق لنظام حكم ديمقراطي وطني جامع لا يُفرِق، أي بلا محاصصة أو نزوع كراهية أو ميليشيات يتم تزوير هوّياتها بقانون استثنائي، بدوافع امتلاك جيش رديف وبالإعداد لقادته ومنتسبيه ليكونوا مصدر تثبيت الولاء لأوامر ورغبات النظام الإيراني في الانتخابات القادمة، وبإرادات صادمة بدأت في الظهور العلني في حناجر مهووسة بوصايا المرشد تستهدف العرب والمصيبة أنها تتأتى بالدفاع عن العراق وشعبه.

 

من يريد للعراق أن يستدير تماما إلى الأمام، عليه أن يتعافى من جذام المشروع الإيراني وحماقاته تجاه العراق ويتجاوز الحواجز النفسية والجنائية التي خلفتها المحاصصة السياسية وتبعات كوابيسها على المجتمع، وما أدت إليه من تراجع لوظائف الحياة الإنسانية والثقافية، وأشاعت المفاهيم والعادات البالية التي بدت لنا في يوم ما أننا انتهينا منها إلى الأبد، لكنها عادت بتسارع ينسجم فعلا مع الانحطاط في السلوك العام والخاص للساسة ولغاتهم الخاصة المتناقضة والمنافقة لتجمعاتهم المذهبية أو العشائرية أو الدينية أو القومية.

 

داخل العراق هجوم كاسح لمجموعة كتل على شكـل ذئاب منفردة، كـل ذئب منها يحاول نهش حصته، ويعتمد حجم الحصة على الشراسة والقوة والهيمنة، لذلك الميليشيات رغم اختلافها في عددها وتوجهاتها إلا أنها تشترك في الخوف من عدم ثقتها في الغد وأيضا من الآخر، ومن حمَلة البنادق وهم عنصر للمفاجآت بانحيازاتهم وأهدافهم.

 

لم تعد الوجوه السياسية والميليشياوية في حاجة إلى أقنعة، فالسلاح مطروح مع الانتماءات والمرجعيات والتصريحات. الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد أظهرت أن العراق لا يقبل القسمة على اثنين، أي الانتماء إلى أمة العرب والولاء لمرجعية الفقيه.

 

تحليلات وتعليلات تحمل مركبات نقص هائل نحو أمتنا لن تواريها حِسبَة هذا رجلُ أميركا في العراق وذاك عراب إيران فيه، أمّا لماذا يقترب العرب من حكومة حيدر العبادي فالتفسيرات تقدم لنا صورة العقل المدبر لعملية استبدال الإرهاب الذي كان يمثله تنظيم الدولة الإسلامية وجمهورية إيران الإسلامية مناصفة، بإرهاب واحد بلا مناطق نفوذ شاغرة لأن من سيملأ الفراغات هو الحرس الثوري الإيراني بتقية هيئة الحشد الشعبي الطـائفي الذي شهد في الأيـام الأخيرة المزيد من تدريبات الإحماء الإعلامية لقـادة الميليشيات وزعماء مـن الصف الأول في الحزب الحـاكم ونواب من الكتلـة الطائفية الأكبر في البرلمان، والعديد من الآخرين الذين تطوعوا لعرض مخاوف العرب من قوة الحشد الشعبي وتنامي القدرات العسكرية للعراق الذي سوف لن يتوانى عن نصرة المظلومين، حيث يدعو الواجب من تدخلات.

 

هذا يعني أن النظام الإيراني أصدر أوامره لأتباعه بالهجوم مبكرا على كل خطوة عاقلة تسعى ولو لتذكير حكام العراق بعدم الانجرار وراء مخططاتهم التي ستعاظم المأساة وتفاقم الخسائر نتيجة هيمنة إرادة نظام الملالي على القرار السياسي في العراق.

 

إيران قوة نـووية ودولة عظمى في العـالم، هكذا يقول أحدهم في ردة فعله وتحليله السياسي لأسباب زيارة وزير الخارجية السعودي إلى بغداد، لكن الأدهى هو ما سيكـون عليه الحشـد الشعبي “المقدس” بعد معـركة الموصل في عراق مختلف بـ100 مستشار إيراني فقط لأغراض التدريب والإدارة بطلب من حكومة العراق، وبرنامج انتخابي لتثبيت وترسيخ الديمقراطية بمواصفات مرحلة إيرانية شاملة.

 

العام 2017 في بدايته، وهو كما يبدو عـاما للغـازات المسيلة لـدموع الشعب وغضبه ودمه من ساحة التحرير في بغداد وجسر الجمهورية إلى استقبال زعيم حزب الدعوة نوري المالكي في البصرة واستقبال حيدر العبادي رئيس الوزراء في جامعة واسط. عام نأمل في أن يكون شرارة لعودة الحركة الطلابية لتصدّر مشهد التظاهرات بتاريخها الطويل في مقارعة ظلم الطغاة، وأي طغاة.

 

كاتب عراقي

حامد الكيلاني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *