واشنطن تضع استراتيجية إقليمية لضرب النفوذ الإيراني في العراق /  أحمد أبو دوح  

 

‘توزيع المهام’ يجري على قدم وساق

 

تعمل الولايات المتحدة مع تركيا ودول خليجية على وضع حد للنفوذ الإقليمي الإيراني عبر معركة طويلة الأمد في العراق على تغيير واقع العراقيين الاقتصادي والاجتماعي، ضمن خطة يشرف عليها كبار مساعدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

 

وفي سوريا أجبرت إيران على إفساح المجال أمام تركيا كضامن لأي اتفاق سياسي في الأفق، وفي اليمن البعيد لا تبدو تركيا مهتمة كثيرا بمحاولات إيران لحصار منطقة الخليج العربي وباب المندب من الجنوب، لكن يبدو أن العراق هو نقطة الخلاف ومركز حسم لأجندتين متقابلتين تضمان مجمل تطلعات الإسلام السياسي السني والشيعي لتوسيع النفوذ في المنطقة.

 

وفي المنتصف، يلعب الأكراد دورا محوريا بين القوتين الإقليميتين بحثا عن حصد مكاسب تاريخية يعتقدون أنها باتت في متناول اليد، إذ سعى رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني الأحد في إسطنبول إلى ضمان مستقبل الأكراد في العراق وسوريا خلال مرحلة مخاض حاسمة.

 

واستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، البارزاني الأحد في قصر “مابين” بمدينة إسطنبول. وناقش الجانبان الوجود العسكري التركي في معسكر بعشيقة شمالي العراق، والعلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية بين تركيا وشمال العراق، والصادرات النفطية.

 

وعلّق المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن على زيارة البارزاني في وقت سابق بالقول “إن هناك العديد من القضايا التي سنتحدث عنها، لأن العراق مهم بالنسبة لنا من كافة النواحي، الاقتصادية والإنسانية والثقافية ومن حيث أمن الحدود”.

 

ومنذ صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يشعر مسؤولون إيرانيون بتحركات أميركية وعربية قد تعيد إيران مرة أخرى إلى الظل. وتلعب تركيا دورا غير مباشر في حصار نفوذ إيران، إذ تتبنى الولايات المتحدة سياسة “توزيع حصص” المهام على حلفائها التقليديين في المنطقة لتقليص النفوذ الإيراني.

 

وفي نظر الأميركيين تحولت سوريا إلى “أرض محروقة”، ولم تعد صالحة لتحقيق أي مكاسب استراتيجية فيها، لكن في المقابل يعتقد مساعدون لترامب أن مستقبل المشرق العربي سيتحدد حصريا في العراق.

 

وكما كان العراق نقطة انطلاق النفوذ الإيراني منذ الغزو الأميركي الذي أطاح عام 2003 بنظام صدام حسين، يتحول تدريجيا إلى أرض المعركة النهائية التي ستعيد تشكيل موازين القوى على أسس جديدة في الشرق الأوسط.

 

وتطمح تركيا إلى الحفاظ على موطئ قدم في العراق، خلال مرحلة أولى تقوم على تحويله من منطقة نفوذ إيراني حصرا إلى بلد متعدد الولاءات. وستتضمن المرحلة الثانية تقليص نفوذ طهران تدريجيا، وحصره في شكل لا يتعدى أذرعها الطائفية فقط.

توم كوتون: جنرالات ترامب يدركون أن الأساليب العسكرية ليست كافية

 

ويقول محللون في واشنطن إن دور تركيا في الاستراتيجية الأميركية الجديدة سيكون احتواء الأكراد، عبر تعاون اقتصادي وعسكري وأمني وثيق. وتدرب تركيا قوات “البيشمركة السورية” في شمال العراق لقتال تنظيم داعش في سوريا، وفي المقابل قدم البارزاني لتركيا تطمينات بوضع وحدات حزب العمال الكردستاني في مدينة سنجار تحت السيطرة.

 

ومن المنتظر أن تعزز زيارة البارزاني إلى إسطنبول الصادرات النفطية من كردستان العراق إلى تركيا، بالتنسيق مع السعودية.

 

وأنهى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير زيارة مفاجئة إلى بغداد السبت، قال خلالها إن السعودية تخطط لإعادة فتح السفارة في بغداد، وأنها “ستساعد في إعادة الاستقرار إلى المناطق المحررة”.

 

وتقول مصادر أميركية إن السعودية ستتولى وضع خطة اقتصادية تهدف إلى تغيير الواقع اليومي للعراقيين السنة، كمقدمة لضخ استثمارات سعودية في مناطق شيعية، بالتزامن مع فتح منفذ الجميمة على الحدود السعودية العراقية، وإعادة تشغيل رحلات الطيران بين الجانبين.

 

وسارع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى وصف السياسة السعودية في المنطقة بـ”الشاذة”، كما شن هجوما مزدوجا على السعودية وتركيا، واصفا إياهما بالدولتين “الضعيفتين”.

 

وبخصوص مواقف أنقرة “اللامسؤولة”، بحسب وصفه، قال ظريف إن تركيا”جارة ذاكرتها ضعيفة وناكرة للجميل”.

 

ويشرف على الاستراتيجية الأميركية الجنرال هاربرت ماكماستر مستشار الرئيس للأمن القومي، وجيمس ماتيس وزير الدفاع، وجون كيلي وزير الداخلية. وحارب الجنرالات الثلاثة في العراق، ويملكون خبرة واسعة في التعامل مع معادلة طائفية صعبة تحكم البلد، وتغذي نفوذ إيران في المنطقة بأثرها.

 

وقال السيناتور توم كوتون، وهو ضابط سابق حارب في العراق أيضا، إن “الجنرالات الثلاثة ينتمون إلى جيل مر بصراعات عنيفة وإخفاقات، عندما كنا لا نتمكن من القيام بالأشياء كما ينبغي في العراق”.

 

وأضاف في تصريحات صحافية “هم يفهمون مدى أهمية الأساليب الأمنية والعسكرية، لكنهم يدركون أيضا أنها ليست كافية. هذا الجيل من القادة العسكريين الذين برزوا خلال غزو العراق يفهم هذه الفلسفة أكثر من أي جيل سبقه”. وإذا ما نجحت الاستراتيجية الجديدة، فسينحصر النفوذ الإيراني تدريجيا حتى يقتصر على الجنوب الذي تعيش فيه أغلبية شيعية.

 

ويقول دوغلاس ليوت، الجنرال المتقاعد الذي عمل كمستشار في إدارة جورج بوش الابن، إن “الجنرالات الثلاثة سيضعون أمام ترامب في غرفة تقدير الموقف بالبيت الأبيض رؤية رصينة وواقعية بشأن العراق مصدرها خبرة عملية”.

متابعة عراقيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *