“ترامب”.. يؤسس لمنطق الحرب باعلانه، الاعلام عدو الشعب / عادل عبدالمهدي
اثار الرئيس “ترامب” في تغريدة له في 17 شباط الجاري ضجة جديدة بقوله “نيويورك تايمس NBC, ABC, CBS, CNN هم ليسوا اعداءي، انهم اعداء الشعب الامريكي”. لم تكن زلة لسان، بل كلمات مكتوبة حصلت فوراً على 106898 اعجاب و 35048 مشاركة، واثارت رد فعل عنيف داخلي وخارجي. فالتعبير خطير، وقاد تعبير اكثر سرية من الرئيس “نيكسون” في سبعينات القرن الماضي الى سقوطه، بعد فضيحة “واترغايت”.
العدو يعني الحرب او احتمالها. يعني استخدام كل الوسائل للقضاء عليه. لذلك تحرص الثقافة السياسية السليمة للابتعاد عن هذا التعبير، لأن زرعه في صفوف الشعب وتحويل اية خصومة او خلاف الى عداوة، معناه زرع بذور الفتنة واحتمال الاقتتال والعنف. اما لدينا، فلقد كثرت قديماً وحديثاً تعابير العدو دون تمحيص او تدقيق.. فشاعت لدرجة خطيرة دون اي احساس بما تزرعه من انقسامات واحكام تقود لبناء احزاب ومجتمعات ومواطنين مهيئين تماماً لان يكونوا وقوداً لاي عنف واحتراب دون اية حصانة ذاتية او جمعية لمنع ذلك. لذلك قلنا مراراً، ان لا عدو لدينا سوى الارهاب و”داعش” والفقر والجهل والامية والمرض والبطالة والتخلف والتبعية والاحتلال، وما الى ذلك من مظاهر.
ان خطورة كلمات “ترامب” انها تأتى من زعيم الدولة العظمى الاولى في العالم. وان ما تقوم، او ستقوم به، سيكون له اعظم الاثار على بلداننا والعالم كله. فالأمر لا يتعلق بصراعات داخلية، بل هو شأن عالمي، والعراق من البلدان التي من مصلحتها متابعة هذه التطورات لتحمي نفسها من تداعياتها. وبهذه المناسبة اعيد نشر فقرات حول فكرة العدو والعنف، من محاضرة في هولندا عام 2000، بعنوان “الحراك الاسلامي وموضوعات الوفاق الوطني”، والمنشورة في كتاب لي بعنوان “مقاربات في الاجتماع السياسي والاقتصادي الاسلامي” في 2003:
[“نقول ابتداء بان العنف لا يولد فجأة. بل ان العنف يؤسس من خلفيات فكرية ونظرية. وان هذه الخلفيات لا تتولد عند امتلاك المقدرة فقط، بل غالباً ما تجد جذورها في ظروف النشأة ومراحل الكينونة والضعف. وان اعمال المقاومة ورد العنف بالعنف ان كان عملاً مشروعاً لكنه لا يخرج مضامين العنف من العوامل التي تولده والتي تعطي الحق لانسان ان يريق دم انسان اخر، ولان تنظم الجماعات والشعوب والامم في اعمال حربية تصبح هي الوسيلة لحل الخلافات، احببنا ام كرهناه، لذلك يرد في القرآن الكريم {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}.. ان فكرة العنف تبدأ عندما تتشكل الصياغات النظرية الاولى لتتكلم عن اعداء الحضارة او اعداء الوطن او اعداء الطبقة او اعداء الدين وهلم جرا. وهذا ما يقتضي اقصى درجات الحذر ووضع الحدود والضوابط. اذ بدون مثل هذه الضوابط فان العنف يمكن ان يتحول الى وسيلة واخلاق وسياسة دائمة يلجأ اليها الاقوياء والضعفاء على حد سواء. وذلك عندما تضغط الفكرة الدينية مجردة عن توازناتها ولا تضع الاخر في حماية الشرع والمقدس.. وعندما تضغط الفكرة الطبقية وتصر على الغاء الاخر ولا توازن ذلك برؤية تاريخية كأن تعطي لتشكيلة معينة دوراً تاريخياً او ثورياً، وعندما تضغط الفكرة القومية التي لا ترى الا نفسها وتدخل في حرب مع الاخر ولا تسعى لتفعيل المشتركات والمصالح المتبادلة، بل تشدد فقط على الخصوصيات ليتحول الصراع بين الجار والشعوب التي تعايشت طوال التاريخ مقدم على الصراع مع الاعداء الحقيقيين، عندما تضغط هذه الامور او بعضها، فاننا سنكون امام مجتمعات لا تفرخ سوى العنف والانشقاق والتخاصم والحروب، وان الوقائع والاحداث السياسية التي عشناها تكشف عن اهمية المناهج والشعارات التي على القوى والتيارات السياسية ان تتبناها. فالمسألة ليست مجرد قضايا فكرية، فالفكر سرعان ما سيتحول الى تربية وسياسة وقناعات واحكام. وهذه مسؤولية مشتركة، ولا تقع على فريق واحد، بل تتطلب وعياً عاماً ومشتركاً”].