هل اقتنعت أمريكا بالمخاوف التركية؟ / رأي القدس

 

 

 

 

تصاعدت إشارات في الأيام الماضية تحمل نغمة أمريكية جديدة نحو تركيا قد تؤدي، لو تم الالتزام بها من طرف واشنطن، ولقيت دعماً من قبل دول الخليج العربي، إلى تغيير في الاتجاه الكارثيّ الذي تتجه إليه المسألة السورية.

من هذه الإشارات أن رئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار، التقى أمس الجمعة، نظيره الأمريكي جوزيف دانفورد، وبحثا، مكافحة المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا وعلى رأسها تنظيم «الدولة الإسلامية»… ومنظمة «بي كا كا» (حزب العمال الكردستاني التركي)، وتوافقا الرأي، بحسب وكالة الأناضول التركية، بهذا الخصوص.

وسواء تمّ تأكيد هذا التوافق بلسان أمريكي مبين أم لا فإن بوادر ملحوظة في هذا التغيّر بدأت تتطورّ تدريجياً بعد اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والأمريكي دونالد ترامب إثر تولّي الأخير منصبه وتبعت ذلك زيارة من رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» أنقرة التقى خلالها إردوغان ورئيس مخابراته هاكان فيدان، ثم تبع ذلك اتصال هاتفيّ بين رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم ونائب الرئيس الأمريكي مايكل بنس شدّد على «التعاون الثنائي القائم على الشراكة والتحالف في المجالات العسكرية والأمن ومكافحة الإرهاب» مع التأكيد على أن تركيا ستلعب دوراً في «استراتيجية أمريكا الجديدة» في محاربة تنظيم «الدولة»، كما تم لقاء مباشر بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الأمريكي ريكس تيلرسون قال بعده إن الإدارة الأمريكية مدركة لأخطاء إدارة أوباما السابقة، واجتمع وزير الدفاع التركي فكري إشيق بنظيره الأمريكي جيمس ماتيس حيث تمّ التشديد على وجهة النظر التركية حول التعامل مع تنظيمي «الدولة» و«بي كا كا».

كان واضحاً عبر سنوات إدارة الرئيس الأمريكي السابق وجود خلل فظيع في السياسة الخارجية الأمريكية حول تركيا (وسوريا طبعا) من حيث اعتمادها على دعم امتدادات حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيّا تهديداً لوجودها، والذي قام النظام السوريّ، عبر تسليمه المناطق الكردية بضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، من خلال استخدامه لفصم الأكراد عن المعارضة العامّة للنظام بالتلويح بإعطائهم استقلالاً (ثم افتراسهم بعد التخلص من المعارضة السورية)، وتهميش الأطراف الكردية المشاركة في الثورة بالمزاودة عليها في الموضوع القومي، ومناكفة تركيّا من خلال دعم النشاطات السياسية والعسكرية للحزب الأمّ على جانبي نهر الفرات.

أدّت سياسة إدارة أوباما تلك إلى تدعيم النظام السوري وإعطائه شرعيّة فيما كانت تقدّم للسوريين والأتراك وحلفائها المفترضين العرب جرعات لفظية عن انعدام شرعيّة النظام ووجوب رحيله، وأربكت بشدّة علاقاتها مع حليفها العضو في الناتو وأضعفته داخليّاً وخارجيّا، فتهاوت سياسة تصالح النظام السياسي التركي مع الأكراد وتصاعدت الحرب الداخليّة بين الطرفين، وأحسّت أنقرة بالتهميش والانكسار بعد ابتعاد الأمريكيين عنها إثر إسقاطها الطائرة المقاتلة الروسية في أواخر العام 2015 وتعرّضها لعقوبات قاسية من موسكو، وجاءت محاولة الانقلاب العسكري في تموز/يوليو عام 2016 لتضع ظهر الدولة التركية إلى الحائط مما فرض عليها تغيّراً جذريّا في المواقف وتقارباً اضطرارياً مع روسيا، فيما استغل النظام السوري كل ذلك لاسترداد أنفاسه منتقلا من موقع الدفاع إلى الهجوم وصولاً إلى مباحثات روسيّة إيرانية تركيّة لفرض ما جرى من تغييرات على الأرض.

رغم أن ظروف الإدارة الأمريكية الحاليّة لا تسمح بوضع افتراضات نهائية حول سياستها التركيّة، ولكنّ التطوّرات المتسارعة في واشنطن ضمن الموضوع الروسي ستفرض عليها تغيّراً سيصبّ بالضرورة في صالح أنقرة، وهو أمر سنرى نتائجه قريبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *