ريان توفيق  يكتب|نحو وعي معرفي لزمن جديد

عراقيون | مقالات رأي 

تمر الحضارات بانتقالات زمنية تستدعي إعادة النظر في برامجها وخططها المعرفية، وبرامجها الإصلاحية، فما صلح لزمان على مستوى الاقتصاد والتربية والتعليم والمنهج، قد لا يصلح للأزمان المتعاقبة، وعدم الانتباه لهذا المتغير قد يؤدي إلى كوارث على تلكم الأصعدة.
  
كما أن طبيعة الخطاب وآليات الحوار، ومناهج التعليم والاستنباط، هي الأخرى تختلف من عصر إلى آخر، فلم يعد الخطاب العاطفي أو الترغيبي أو الوعظي يتماشى مع عصرنا الراهن المثقل بالإشكاليات والهموم، والانفتاح على العالم بما يحمله من ثقافات ورؤى وقناعات.

من هنا نرى أن الخطاب القرآني يشير إلى تغاير الحقب الزمانية، وأن لكل منها استحقاقه الخاص به، وذلك من خلال قوله تعالى: (( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يفعلون )) .. فلكل زمان كسبه الإيماني والسلوكي والمعرفي والمنهجي  .. كما أن كل زمان إنما يسأل عما حققه وأنجزه من معارف ورؤى وأحكام من خلال تفاعل النص مع الواقع، ولا علاقة له بالماضي على مستوى المعالجة والتبني إلا من قبيل الاتصال به؛ للتعرف على تجاربه وخبراته وإنجازاته إيجابا أو سلبا، وليس بالضرورة استنساخها حرفيا.

من هنا نقول: إن جملة من القضايا المستجدة التي تخص الاجتماع والاقتصاد والعلاقات الدولية، فضلا عن القضايا الحياتية المتنوعة، لا يمكن أن تبحث بعين المناظير القديمة، فلا يمكن القول على مستوى الاقتصاد: إن العملة المعتبرة هي خصوص الذهب والفضة باعتبارهما العملتين السائدين إبان زمن التشريع، إذ إن النظرية النقدية المعاصرة تعد أية وسيلة تؤدي وظيفة النقد هي من قبيل النقد، ولا يمكن تجاوز معطيات العلم على مستوى قواعد الإثبات من خلال ما يوفره الحامض النووي ( DNA) ، ولا يمكن إسقاط أحكام الدولة التي قررها الماوردي مثلا في الأحكام السلطانية حرفيا على الدولة المعاصرة.

فهذا المتغيرات تقتضي إعادة النظر في الأحكام المرتبطة بها، ولهذا كان الفقه علما مستقلا له قواعده ومناهجه ومناظيره الخاصة أسوة بالعلوم الأخرى، إلا أن هذه المهمة لا يمكن أن يضطلع بها إلا المتضلعون بهذا التخصص، البارعون في مقاصده، العارفون بمتغيرات الأحوال والأزمان واستحقاقاتها، وإلا سيكون هذا الحقل المعرفي كلأ مباحا، وستعم الفوضى الفقهية، بل قد عمت في بعض الجوانب، مما ولد ردات فعل مجتمعية، أبرز مظاهرها التمرد على القيم، بل على الثوابت أحيانا.

إن الخطاب المعاصر أمام طريقين إما أن يستنسخ الماضي المتغير بحرفيته، ويسقطه على الحاضر، وبهذا يكون هو أحد أسباب هذه الردة، وأما أن يميز بين استحقاقات الماضي والحاضر، ويفيد من  تطور العلوم والمناهج الحديثة باعتبارها مشتركا إنسانيا، وبذلك يكون أداة فاعلة لإعادة الأمور إلى وضعها الصحيح، ويكون له بصمة في التجديد الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )) رواه أبو داود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *