تقرير: إيران تفتح ملف اغتيال سليماني قبل زيارة الكاظمي إلى السعودية .. ماذا يعني ذلك؟

بدأت إيران التلويح علنا بما تزعم أنه أدلة تدين جهاز المخابرات العراقي، عندما كان يقوده رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، بالتورط في مقتل جنرالها البارز قاسم سليماني عبر غارة أميركية، مطلع هذا العام قرب مطار بغداد.

وجاء هذا التصعيد قبيل زيارة يفترض أن يقوم بها الكاظمي إلى السعودية، في إطار جولة خارجية تشمل إيران والولايات المتحدة ودولا أخرى، وبالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بغداد.

وفي السابق، لم تتبن إيران رسميا الاتهام الذي وجهته ميليشيا كتائب حزب الله في العراق إلى الكاظمي شخصيا بالضلوع في مقتل سليماني، الذي قتل معه في الغارة الأميركية مساعده أبومهدي المهندس، وهو القائد الميداني الفعلي لقوات الحشد الشعبي.

لكن المتابعين للشأن العراقي يدركون أن هذه الميليشيا ما هي إلا أداة عراقية بيد الحرس الثوري الإيراني، وأن مواقفها تعبر عن مواقف التيار المتشدد في إيران، الذي يدير دفة البلاد سياسيا ويسيطر على قوتها العسكرية.

ومنذ الإعلان غير الرسمي، مطلع الشهر الجاري، عن نية الكاظمي زيارة السعودية وإيران والولايات المتحدة، بدأت وسائل الإعلام العراقية التي يحركها الحرس الثوري الإيراني، تتداول قائمة تضم أسماء خمسة من ضباط جهاز المخابرات العراقي، بصفتهم متورطين في التخطيط لقتل سليماني.

وتحرك إيران طيفا واسعا من وسائل الإعلام العراقية، عبر ما يعرف باتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية التابع للحرس الثوري، الذي ينشط أيضا في اليمن وسوريا ولبنان.

وبلغ التصعيد الإعلامي الإيراني في هذا الملف ذروته، عشية وصول وزير خارجية طهران محمد جواد ظريف إلى بغداد يوم الأحد، إذ أعلن دبلوماسيون إيرانيون وجود “أدلة دامغة على تورط اثنين من المسؤولين العراقيين الرسميين، مع عدد من الموظفين”، في التخطيط لعملية اغتيال سليماني.

ويعتقد مراقبون أن التصعيد الإيراني المحسوب ضد الكاظمي يستهدف تهديد رئيس الوزراء العراقي، قبيل توجهه نحو السعودية والولايات المتحدة. وبالنسبة إلى إيران، فإن الكاظمي يبدو جادا في توثيق علاقات حكومته مع الرياض وواشنطن، اللتين تضعهما طهران في خانة الأعداء.

وألمح دبلوماسيون إيرانيون إلى أن طهران ستفتح ملف اغتيال سليماني والمتورطين فيه، مع الكاظمي، عندما يزورها في غضون الأيام القليلة القادمة. وذكر أحد الدبلوماسيين الإيرانيين أن جدول المباحثات الأمنية بين طهران وبغداد، خلال زيارة الكاظمي، يشمل ملف تصفية سليماني.

ويعتقد مراقبون أن إيران لن تتورع عن ابتزاز الكاظمي، في حال لمست منه جنوحا أو تمردا، وهو ما يكشف عنه سلوكها التصعيدي ضد حكومته مؤخرا.

واعتادت إيران على استخدام لغة العصا، وأحيانا تكون إلى جانبها جزرة، في التعامل مع معظم رؤساء الحكومات العراقية السابقة، لكنها قد تكون بحاجة إلى لغة جديدة، في حال أرادت الإبقاء على علاقات طيبة مع الكاظمي، الذي يبدو أن لديه خيارات أخرى، بالفعل.

وتقول مصادر سياسية عراقية إن إيران لا يمكنها أن تجابه حقيقة الرفض الشعبي العراقي الواسع لسياسات جميع حلفائها في بغداد، والذي عبرت عنه بوضوح انتفاضة أكتوبر 2019، حيث هتف مئات الآلاف من العراقيين الشيعة بسقوط مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي وطرد النفوذ الإيراني السلبي من بلادهم.

وتضيف المصادر أن ورقة انتفاضة أكتوبر قد تكون سلاحا مؤثرا في يد الكاظمي عندما يتعامل مع إيران، بشرط تحصين جبهته الداخلية وضمان ولاء المؤسسة العسكرية للدولة.

ويرى مراقبون أن إيران تدرك عمق أزمتها في العراق، بعدما حطم الشارع الشيعي العراقي، خلال انتفاضة أكتوبر، أسطورة أنها حامية المذهب الشيعي.

ويفرق مراقبون عراقيون بين استجابة إيران الدولة، التي يمثلها الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، واستجابة إيران الثورة، التي يمثلها المرشد علي خامنئي والحرس الثوري، لهذا الإدراك بشأن التغيير الكبير الذي أصاب مزاج شيعة العراق، بسبب الأحزاب والميليشيات الموالية لطهران.

وبينما تريد إيران الدولة الحفاظ على هيمنتها في العراق بنعومة، من خلال الأدوات الدبلوماسية والتغلغل الاقتصادي والتأثير الهادئ في السياسة، تصر إيران الثورة على الصخب والفوضى من خلال النظر إلى العراق بعيون زعماء ميليشيات عراقيين يرون أنفسهم فوق القانون، ويقولون إن مصطفى الكاظمي مجرد عميل لأميركا وأن عليه ألا يتمادى في تنشيط العلاقات مع السعودية.

Thumbnail

ولا يسمع الكثير من العراقيين عن إيران الدولة، لأن إيران الثورة تصنع الكثير من الصخب ضد الولايات المتحدة والسعودية وحكومة الكاظمي، عبر وسائل الإعلام العراقية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني. ولكن الكاظمي لا يمتلك وصفة سحرية لإدارة مشهد النفوذ الإيراني المعقد في العراق، وفقا لمراقبين يرون أن على رئيس الوزراء العراقي أن يتحلى بالصبر، لتجنب مواجهة عاجلة تريد إيران توريطه فيها مبكرا، لإفشال حكومته.

وفي وقت مبكر من صباح الأحد، وحتى قبل أن تفتح الدوائر الرسمية العراقية أبوابها للعمل في تمام الثامنة صباحا، وصل وزير الخارجية الإيراني إلى بغداد، في زيارة يثير توقيتها الجدل. وتأتي زيارة ظريف إلى بغداد قبل نحو 48 ساعة من توجه الكاظمي إلى السعودية، في زيارة يُتوقع أن تسفر عن تفاهمات واسعة في الملف الاقتصادي.

ورغم ما بدا أنه جدول حافل لزيارة ظريف إلى بغداد، حيث ضم لقاءه برؤساء الحكومة والجمهورية والبرلمان، فضلا عن طيف من الزعماء السياسيين، بينهم زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم منظمة بدر هادي العامري، إلا أن التصريحات الصادرة عن الوزير الإيراني لا تخرج عن نطاق المجاملات البروتوكولية، إذ عادة ما تُحاط المباحثات السياسية التي تجري عبر وفود رسمية بين العراق وإيران بسرية تامة.

وجدد مصطفى الكاظمي موقف بلاده الثابت في السعي إلى تأكيد دوره المتوازن والإيجابي في صنع السلام بالمنطقة. وقال الكاظمي خلال استقبال وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف الأحد إن “العراق يسعى إلى تأكيد دوره المتوازن والإيجابي في صناعة السلام والتقدم في المنطقة، بما ينعكس إيجابًا على كل شعوبها بالمزيد من الاستقرار والرفاه والتنمية المستدامة”.

وبدوره أكد الوزير ظريف “اهتمام إيران على أعلى المستويات بالزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة العراقية إلى إيران، لبدء مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين”.

وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أكد في المؤتمر الصحافي مع نظيره الإيراني أن العراق يعمل على إبعاد المنطقة والعراق عن التوترات الدولية ويسعى إلى حماية السيادة العراقية. وأضاف حسين أن “قوة العراق تعني قوة المنطقة ونريد علاقات متوازنة مع جميع دول الجوار وفق المصلحة الوطنية العراقية وعدم التدخل بالشؤون الداخلية“.

صحيفة العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *