قانون الانتخابات والكذب المفضوح عدنان حسين رصد عراقيون

 

 

“القوائم الصغيرة في المرحلة السابقة كانت بيضة قبّان في مجالس المحافظات وأثّرت سلباً على أداء مجالس المحافظات، لأن التوجّه كان للمصالح الحزبية والكتلوية، وليس للصالح العام”.

هذا كلام مأخوذ بالنصّ من بيان لعضو في مجلس النواب العراقي يمثّل إحدى الكتل الكبيرة في البرلمان ومجالس المحافظات، وهو رأي متّفق عليه بين حيتان السياسة أو السلطة، الذين هم في الواقع حيتان الفساد الإداري والمالي، فالسلطة فتحت لهم أبواب خزائن قارون التي تناهبوها كما لم تكن الغنائم والأسلاب تُتَناهَب في الأزمنة الغابرة، فتحوّلت بلاد الرافدين والنفط والكفاءات بفعل فسادهم إلى شحّاذ دولي، وعادت الحال بالشعب العراقي إلى ما كانت عليه من بؤس في أكثر سنيّ الفترة المظلمة (العثمانية) حلكة.

حيتان الفساد وممثلوهم يظنّون، أو يتخيّلون، أن حال البؤس قد جعلت العراقي بذاكرة مثقوبة، فيستسهلون الكذب عليه بالطريقة التي كان غوبلز، وزير دعاية هتلر، يوصي بها.

النائب المشار إليه أعلاه  يدعو إلى ما يسمّيه ” تقوية القوائم الكبيرة”، لماذا؟ لأنها كما يزعم “تبقى أقلّ ضرراً من تعدّد القوائم في العملية الانتخابية، لأن البيئة الحالية لم تفرز لنا ثقافة كافية للوقوف أمام التحديات، بسبب تغليب المصلحة الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية”.

هذه أطروحة متهافتة في الواقع، تخفي رغبة حيتان السياسة والفساد في مواصلة  فسادهم بمواصلة هيمنتهم على مصادر السلطة والنفوذ والمال.

ذاكرة العراقي ليست مثقوبة بالتأكيد، فهي تحتفظ على نحو ساطع بحشد هائل من الوقائع، منها:

– نتائج آخر انتخابات برلمانية أعلنت في  أيار 2014، وتشكيلة حكومة حيدر العبادي لم تتم إلا في أيلول من العام نفسه، أي بعد نحو أربعة أشهر .. الذاكرة العراقية تحتفظ بأنه في غضون ذلك كان تنظيم داعش الإرهابي قد اجتاح وفرض سيطرته على ثلث مساحة العراق وصولاً إلى مشارف العاصمة بغداد (في شهر حزيران) من دون أي مقاومة من القوات المسلحة التي كان قائدها العام نوري المالكي. وكان من المفروض تشكيل الحكومة الجديدة في أسرع وقت لمواجهة الاحتلال الداعشي وتداعياته الخطيرة. الذاكرة العراقية تحتفظ بأن التأخير حصل بسبب عدم اتفاق القوائم الكبيرة على المرشح لرئاسة الحكومة مع إصرار السيد المالكي على ولاية ثالثة له ورفض القوائم الأخرى، الكبيرة، لذلك.

– لم تكن تلك واقعة فريدة من نوعها، فبفضل قانون الانتخابات غير العادل وغير المنصف، والمفوضية غير النزيهة، أسفرت انتخابات 2010 عن احتكار أربع قوائم كبيرة مقاعد مجلس النواب هي: العراقية (التي حرمت من تشكيل الحكومة بمؤامرة شارك فيها القضاء)، دولة القانون، الائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني، ولم تكن هناك أية قائمة صغيرة. مع ذلك فإن تشكيل حكومة السيد الماكي الثانية استغرق سبعة اشهر، فهي لم تتشكل إلا في كانون الأول فيما نتائج الانتخابات أُعلنت في أيار والبرلمان الجديد عقد جلسته الاولى التي ظلت مفتوحة، في حزيران، والسبب هو اختلاف القوائم الأربع (الكبيرة ولم  يكن لغيرها وجود) على مَنْ يشكّل الحكومة.

–    الذاكرة العراقية التي يريد لها حيتان السياسة والفساد أن تكون مثقوبة، تحتفظ أيضاً بأن آخر انتخابات لمجالس المحافظات والاقضية والنواحي (جرت في 2013) اعتمدت نظام سانت ليغو غير المعدل (بالقسمة على 5،3،1……)، ولهذا أسفرت عن فوز قوائم صغيرة إلى جانب الكبيرة التي كانت قوائم الأحزاب الشيعية في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية والأحزاب السنية في المحافظات ذات الأغلبية السنية، وكانت هذه القوائم هي المتسيّدة في المجالس بفضل وضع الأغلبية المطلقة المريح الذي تمتّعت به. ومنذ 2013 حتى اليوم كانت مشاكل هذه المجالس ومشاكل المحافظات لاعدّ لها ولا حصر، والسبب خلافات الكتل الكبيرة في ما بينها، وليس مع القوائم الصغيرة، وأسباب الخلافات كانت دائماً في إطار الصراع على السلطة والنفوذ والمال، أي على الفساد، فكلّ حوت كبير كان يريد الجزء الأكبر من الكيكة.

ذاكرة العراقيين ليست مثقوبة ولا معطوبة، وهذا غيض من فيض ما تحفظ .. أما لماذا لا تريد حيتان السلطة والفساد لقوائم صغيرة أن تشاركها في الحكم، فإنها لا ترغب بـ “دوخة الراس” المتمثلّة في معارضة القوائم الصغيرة (الوطنية) واعتراضاتها على فساد القوائم الكبيرة وسوء ادارتها.

تلك هي المسألة، أما “الصالح العام” و”المصلحة الوطنية” الوارد ذكرهما في بيان النائب المشار إليه أعلاه، فليسا سوى مسعى للكذب.. المفضوح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *