محمد صالح البدراني يكتب| قومي من النوم يا حدباء
عراقيون/مقالات
حينما نتحدث عن أمسية شعرية فإننا بالتأكيد لسنا بصدد تقييم شاعر هو أصلا له مكانته التي أخذها بقوة حرفه وجمال لاحظته في نهايات المقاطع بالذات تتجلى فيها روعة ميزان الذهب، فالشاعر ابن بيئته معبرا عنها فما وجد غير الألم والأمل فراح يغرد حينا ويصدح حينا ويسابق ألمه امله أن تعود المدينة إلى سابق عهدها على الأقل مقسما بثقة لكن بلا معطيات
إبداع الشاعر الذي وصفه الدكتور مدير مركز الرشد انه الوقت المناسب لظهور الشاعر ليس لتطيب الحس وإنما لاستثارته من اجل الفعل، لكن بفقدان الآليات أو المنظومة يصبح الشعر مواساة تهويدات الطفولة على مهد الحالمين بصوت حنون
إنما هي آمال الواقع المر ليصبح حلما يتكرر بلا توقف حتى يصبح كابوسا ليستفيق منه فاذا به يجد نفسه في دورة أخرى من كابوس لا ينتهي لان الاستفاقة تحتاج حركة وليس البقاء في النوم ونحن ننتظر المنقذ كما كل الشعوب التي أصابها الألم والقهر ووجدت اعز ما عليها وهو ذاكرتها التاريخية تتهدم وتتحطم لتعاني من غرس السهم وعلو الألم، بوصف مدير الرشد وعجز واقعنا تذكرت قصة مستقبل الحالمين.
مستقبل الحالمين لا العاملين
جلست على سفح تل قريب من بيتنا لأكتب قصة قصيرة، كانت تأملاتي في ماء البحيرة الواسعة ببعض سعة حلمي تجذب نظري بين الفينة والأخرى ثم أتخلص من جمال يستولي على أحلامي، مر راعي غنم على مقربة من موضع جلوسي، كان مرياعه قد أخبرني بحضورهم قبل ذاك بوقت طويل من جرس معلق على رقبته ويختفي وراء راسه الكبير وكم الصوف الذي يبدو انه تراكم لإعفائه من حفلات جز الصوف، انتبهت إلى معزة تسير كعادتها متلفتة جميلة، تخيلتها تقترب مني لتقول كيف نعيش عطشى وقربنا الماء! فالحمار يجد المسير ومالكي يريد الحليب، نهق الحمار فنظرت إليه وجدته مبتسما وكأنه يشير إلى الراعي الغافي وانه من يقود الغنم.
انتبهت بيد اني شككت أن هذه الحيوانات فعلا تفهم وتتكلم، لكن شكي ازداد عندما شاهدت كبشا يعدّ أوراقَ عملة خضراء فصرخت بالراعي فرفع عنه غطاء راسه وابتسم فاذا هو قرد من نوع الشمبانزي ملثم، لم أك قد أخذت أي عقار أو حتى حبة بانادول رغم الألم فهل أنا في هلوسة؛ برز لي مذيع من تلفاز الراعي ليقول لي إن هذه هي الحقيقة، فجمهورية النيجر أطاحت برئيس مازال يتبادل المكالمات مع سبايدرمان، فما بالك لو كان السيد سوبرمان أو الوطواط الذي سيطر زمنا على گوثام بل العالم كله، يبدو أن قواعد اللعبة قد تغيرت أو أن قناع سبايدرمان سقط فاراد أن يرتدي تمثال الحرية لكنه انشغل بقطعة من جبن سرقتها فئران ملأت وكره، ومازال سوبرمان يدور حول العالم يدمر المدن ويشرد الناس وهو ينشر السلام.
أسرعت بالنهوض لأستيقظ مما ظننت انه كابوس ثقيل فرأيت المنظر يعاد من أوله، قلت كانت رؤية وها هي تتحقق، شعرت بالاختناق فاستيقظت، كنت احلم أيضا فعاد المشهد من أوله.
يئست وانا أكرر المشهد أن استيقظ لأتخلص من هذا الكابوس الذي يتحول إلى صور مرعبة كلما عاد، ومازالت وانا اكتب ما رأيت لا أدري إن كنت مستيقظا فاني أرى الشمبانزي راعي الأغنام بابتسامته البليدة التي باتت تغيظني، لا شك أنها كوابيس الواقع في عالم اليقظة لأني مع كل كابوس أكبر سنينا وعندما بدأت كتابة قصتي كنت شابا واليوم عجوزا لكن نسيت عصاتي أو ربما سرقها كلب الراعي وانا احلم بمستقبلي الزاهر في خضم كوابيس متداخلة حطمت كل شيء بيد أن الكوابيس لم تنسني إنني إنسان وإيماني لم يزل إيمان، هنا ادركت اني في مستقبل الحالمين وليس مستقبل العاملين، نحن من حشرنا في كوابيس ودوار الزمن يدور، عند هذا أغمضت عيني.
ما لعمل:
العمل هو الانتقال للفعل وقد رشَد مركز الرُشد عندما كرم عاملا جادا لو قلنا انه يحب عمله ظلمناه، لكن لو استرسلنا وقلنا هو يحس بالواجب أنصفناه.
مركز الدراسات المتعددة والتي تبدو كأنها راحة ضمير أو قد يظن البعض أنها إثبات الوجود، لن تصل لنتيجة بأكثر من نشاط في وضع طبيعي يعرض المشكلة فيأتي من يتبنى الجهد بجهد، لكن هذا لا يحصل فيزداد الألم ويستمر الحلم.
أرى ما اقترحه أحد الأخوة أن تشكل من هذه الطاقات حلقات تناقش المواضيع وتضع الحلول وتتكفل لجان بترويجها ولا تنتظر أو تستمر بالتقديم لملء الرفوف أو ماكينات قص الورق، وإنما ترتفع بالمتابعة لأعلى المستويات بدراسات معمقة متكاملة.
إن هذه الهمة عند النخب في كل مراكز الدراسات في مجتمع نينوى المدني تتحول إلى أحلام وكوابيس عندما لا تجد من يسمع لها فعلا لا ليحضر مجالسها أو يمتدحها فهذه النخب مدحها بان تنهض المدينة شامخة ويعود الفلاح إلى أرضه وينتج امنها الغذائي وتفتح المصانع ويتجذر شجر الرفاه وكل أبنائها ينطقون كشاعرها
“”والله لن يهتدي نوم إلى أعيننا حتى نعيد لك الأمس الذي ذهب””
لكن هذا يعبر عن همة تحتاج احتضان مخلص كإخلاص الرمضاني وبيده آلات التصوير، وان يوضع الإنسان موضعه فهذا ليس عمران كأي عمران هذه مدينة حيث بدأ التاريخ وأبدع الإنسان، وذاكرة لا تمحى مادام الزمان والمكان.