التفجيرات لم تقع.. من هؤلاء القتلى؟ فاروق يوسف  

 

كان القتل على الهوية عنوانا لعراق جديد، سلمه المحتل الأميركي إلى ثقب أسود، صار اسمه في ما بعد إيران. هل من المعقول أن ينتظر العراقيون من إيران… شيئا آخر غير القتل.

 

العراق بلد مُستباح. منذ 2003، سنة سقوط الدولة العراقية، لم يعد القتلة ملزمين بتقديم أسباب للقتل. فلا أحد يطالبهم بذلك. ما من جهة يعود إليها القتلى إن استفهموا. لقد ألغي سؤال القتل بعد أن اختلطت الأقنعة، فصار سؤال من نوع “مَنْ يقتل مَنْ؟” معلقا. البلد الذي عُرف بشغفه بالتجريب، بل بأقاصي التجريب ولم يكن محافظا، صار نقطة جذب لكل شركات القتل. لذلك لم يشعر الأميركيون، وهم الذين بدأوا صباح غزوهم بالحرية بخزي مشيهم بأقدام القتلة من أعضاء شركة بلاكووتر المتخصصة في القتل العشوائي والمجاني.

 

العراقيون أنفسهم كانوا على موعد مع القتل الذاتي الذي مارسوه في محاولة منهم لتكريس الطابع الانتقامي الذي ما فتئ يلح على الشخصية العراقية، منذ أن وقعت ضحية الخيبات التاريخية العظمى، من نوع مقتل الإمام الحسين بن علي في كربلاء. وهو الحدث الذي لم يضعه العراقيون حتى هذه اللحظة في مكانه التاريخي المناسب. لقد شهدت سنتا 2006 و2007، وبرعاية مباشرة من حكومة نوري المالكي، ومشاركة من جميع الأطراف السياسية التي لا تزال تمسك بالسلطة من فنون القتل ما لم يشهده العراق منذ فجر تاريخه.

 

كان القتل على الهوية عنوانا لعراق جديد، سلمه المحتل الأميركي إلى ثقب أسود، صار اسمه في ما بعد إيران. هل من المعقول أن ينتظر العراقيون من إيران وهي المثخنة بجراح حرب الثماني سنوات شيئا آخر غير القتل؟ لقد فتحت الولايات المتحدة يومها الحدود الشرقية للعراق لكي يدخل من خلالها فيلق بدر التابع للحرس الثوري الإيراني. في المقابل فإنها فتحت حدود العراق الغربية لدخول تنظيم القاعدة.

 

هل كان الطرفان عدوين؟ أشك في ذلك. غير أن ما كان مؤكدا هو أن العراق كان عدو الاثنين. ما لم يفهمه العراقيون، وقد فشلوا في اختبار الهوية العراقية الموحدة، أن عراقيتهم كانت هي الهدف. لن يهدأ شيطان القتل إلى أن تُمحى هويتهم. أسوأ ما فعله العراقيون أنهم صدقوا أن القتل يتم وفق تقويم طائفي. لم يدركوا أنهم يُقتلون باعتبارهم عراقيين ليس إلا.

 

لذلك لم يَزنوا قتلاهم بميزان الحقيقة الوطنية، فذهبت دماؤهم سدى. صار الطائفيون يديرون مزاد القتل بطريقة المحترفين، من غير أن يتعرضوا للمساءلة. لقد أطلق نوري المالكي يوم كان رئيسا للوزراء أوامره بقتل خمسين محتجا سلميا في الحويجة. في الوقت نفسه كانت الدولة ترعى إعلاميا جريمة سبايكر التي راح ضحيتها أكثر من ألف طالب عسكري، من غير أن تواجه مسؤوليتها عما حدث.

 

صار فعل القتل مقبولا بشرط أن يوظف طائفيا. رطانة لغوية تصل إلى درجة العبث بالأرواح. وهو ما شجع رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي على أن يقول “إن التفجيرات الأخيرة التي أدت إلى وقوع قتلى وجرحى لم تقع”، بالرغم من أن الأخبار والصور أكدت أن أعداد القتلى والجرحى كانت بالمئات. يحرص حيدر العبادي على التأكيد على أن أحدا لم يخرق خطته الأمنية بالتفجيرات. في الوقت نفسه فإنه يبدو غير مكترث بالقتلى الذين سقطوا بسبب تفجيرات لم تقع. بالنسبة إليه فإن فعل القتل يمكن أن يقع في العراق في أي لحظة. أمر طبيعي أن يُقتل الإنسان في العراق.

 

وكما يبدو فإن العراق الجديد لا يشترط على حكـوماته أن تقـوم بواجبها في حماية أرواح وممتلكـات سكانه. لذلك لم يعتـرف أحد من سياسيي العـراق بفشله، بالـرغم من أن العـراق كلـه صار نمـوذجا للـدولة الفاشلة. القتلى شيء، والوضع الأمني شيء آخر. أهذا ما أراد أن يقوله العبادي وهو ينفي وقوع التفجيرات التي سقط نتيجتها قتلى وجرحى بالمئات ما بين نهاية السنة وبدايتها؟ العراقيون يُقتلون. هذا قدرهم. هل الحكومة مسؤولة عن رد القضاء؟

 

كاتب عراقي

فاروق يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *