سعد سعيد الديوه جي يكتب : ماذا يعني الفشل الأمريكي في العراق؟

يقول المفكر والكاتب الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي في كتابه “أمريكا .. ما نقوله نحن يمشي”، بأن حرب العراق التي دخلتها الولايات المتحدة تحت ذرائع وجود اسلحة الدمار الشامل ومكافحة الأرهاب قد فشلت فشلاً ذريعاً، وتركت في الأوساط الثقافية ما يسمى بـ”الأثر العراقي”.
وعلى نفس السياق كتب الصحفي المشهور “تشالمرز جونسون”، في مقال له بعنوان “مفهوم الإمبراطورية – الأمريكية – المحرض الرئيس على الحرب”، بأن ثبوت الفشل الذريع لإجتياح القوات الأمريكية لبغداد قد هيأ الرأي في واشنطن لتصوير هزيمة العراق كضرر الحقته الولايات المتحدة بنفسها مادياً وإعلامياً بعد ان تحول العراق من دولة بوليسية – ديكتاتورية مستقرة، الى دولة تعمها الفوضى والعنف والطائفية بوجه ديمقراطي شاحب وشكلي، ثم صار الفساد بكل الوانه اساساً للنظام القائم بشكل لم يسبق له مثيل.
هذه الأمثلة هي انعكاس للواقع الذي صرح به اخيراً السيد ترامب بقوله عن غزو العراق “بأنه كان اسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية”، وهو اعتراف خطير وصريح نظراً لصدوره من قمة الهرم الرئاسي الأمريكي.
فلو أخذنا انعكاسات الحرب اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في كلا البلدين، اي في الولايات المتحدة والعراق فإنها لم تكن بالصورة الحضارية التي ارادت ان تقدمها أكبر امبراطورية في العالم لبلد من العالم الثالث غارق في الفقر والديكتاتورية، وصار عند كثير من الأمريكان شعور بالنفور من كلمة “إمبراطورية”، لأنها مرتهنة بالصعود والنزول ثم الاختفاء كما حل بكل الإمبراطوريات في التاريخ، في حين اشاع مفكروها ان نهاية التاريخ عندهم!.
ويعود تشومسكي بالذاكرة الى حرب فيتنام التي خاضتها الولايات المتحدة بين عام 1955م وحتى سقوط سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية عام 1975م، ويقول بأن دعاة هذه الحرب آنذاك لم يقلوا سوءاً وتقلباً في الآراء عن دعاة الحرب مع العراق، رغم اختلاف السيناريو في الحربين، فكان المبرر الأول لحرب فيتنام وقف التمدد الشيوعي في جنوب شرق آسيا، وأما المبرر لحرب العراق فكانت لإمتلاكه وجود لأسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب، وفي كلا الحالتين كانت هذه الإدعاءات غير صادقة.
لقد اصبحت دول جنوب شرق آسيا مثل كمبوديا ولاوس بالإضافة الى فيتنام على علاقة جيدة بالولايات المتحدة رغم ما اصابهم من دمار.
وهذا ما يردده بعض الساسة والمفكرين الأمريكان بأنه كان من الممكن جعل العراق يدور في الفلك الأمريكي بدون هذه الحرب الخافتة، والتي اختفت وراءها كل دعاوى النصر السريع الذي قدمه صدام في حرب الكويت عام 1991م.
لقد كانت حرب فيتنام اقسى من حرب العراق وبلغ مجموع القتلى فيها من كل الأطراف أكثر من ثلاثة ملايين عسكري ومدني، واستخدمت فيها اسلحة فتاكة ومدمرة، ثم بدأت الاحتجاجات بين الشباب الأمريكي والأوساط الشعبية لوضع حد لها الى ان انتهت بالفشل الذريع وهو ما يريد قوله تشومسكي ولكن بوجه آخر.
ان تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق جون كندي (1961-1963)، بدأ ينتابه وبعض من حوله مشاعر مناهضة للحرب وربما تعرض للإغتيال بسبب موقفه هذا، واستمرت الحرب بالتصعيد والاشتعال، وازداد المعارضون المزعومون للحرب وكانوا في غالبيتهم الساحقة من معارضي الفشل الأمريكي الذي بدأ يلوح بالأفق، لا حباً بالسلام كما يعتقد البعض، حيث كتب احد دعاة الإزدواجية هذه بعد انتهاء الحرب عن احد صقور الحكومة المدعو جوزيف السوب “كنا جميعاً نصلي ان يكون السيد جوزيف السوب على حق وان تكسب الولايات المتحدة الحرب، فاذا كسبتها فسوف نجني جميعاً حكمة وحسن تصرف الحكومة الأمريكية في تحقيقها انتصاراً حتى وان احلنا فيتنام قاعاً صفصفاً”، ثم صار هذا الشخص يدعو للانسحاب من فيتنام على انه نصر مبطن، وهذه هي المعضلة التي عاشتها إدارة بوش من الصقور الذين ظنوا ان حرب العراق مجرد نزهة ولم يأخذوا بعين الاعتبار تأثيرات القوى الإقليمية والطائفية الكامنة داخل البلد والتي قلبت كل موازين النصر الى ادعاءات فارغة.
وعليه فحتى لا يضع الديمقراطيون الكرة في ملعب الجمهوريين في الانتخابات القادمة، فقد سبقهم السيد ترامب لتشخيص الحقيقة، وأن الجور العام الحقيقي بين معظم اقطاب السياسة نحو مناصرة الحرب ما هو الا تغطية بالفشل، فقد وضع النقاط على الحروف وخرج من براثن المشكلة بصراحة مستخدم موقفه الجديد أزاء العراق وما حوله.
ان مشكلة العراق لا تزال قائمة ورغم الوضع الدولي السائد بعد جائحة كورونا، فإن السياسة الأمريكية بدأت تتغير نحو العراق، خصوصاً بعد اعلان الحكومة الجديدة برئاسة السيد الكاظمي بعد سبعة عشر عاماً من تعميق الطائفية، وحصول هذه الحكومة على التأييد الدولي والأقليمي بشكل ملفت للنظر في سابقة ليس لها مثيل في التاريخ الحديث للمنطقة، حت ان مجلس الأمن اعلن تأييده ودعمه لحكومة السيد الكاظمي، وبتأثير امريكي لا غبار عليه، فإذا ما سارت الأمور على ما عليه فإنه ربما يأتي اليوم الذي يعلن فيه السيد ترامب بأنه استطاع تحويل الفشل في العراق الى نوع من النصر بصيغة دولية معينة سيرضى بع معظم العراقيين بعدما ذاقوا من الويلات والفساد ما يعجز القلم عن ذكره، وفي نفس الوقت يستطيع الأمريكان بأنهم صنعوا شيئاً، وستثبت الأيام القادمة مصداقية مسيرة السيد ترامب من عدمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *