سعد سعيد الديوه جي يكتب:ماذا ينتظر العراق بعد أزمة كورونا؟


ليس سراً أن ما اصاب العالم من تداعيات وباء كورونا امرٌ لم تتعود عليه البشرية حتى اثناء الحربين العالميتين من هلع وخوف دفين وكساد، تتفاوت تأثيراته حسب القوة الاقتصادية لذلك البلد.
والعراق مع الأسف من البلدان التي تفاقمت عليه عوامل عديدة بالإضافة للكساد وهبوط أسعار النفط، وعوامل اللا استقرار السياسي والفساد المستشري، وهبوط الطبقة الفقيرة الى مُعدمة والخوف من اتخاذه كساحة للصدام بين الأمريكان والفصائل الموالية لإيران، وهو صدام لازال كامناً خصوصاً بعد اغتيال قاسم سليماني العقل الموجه لهذه القوى من قبل الأمريكان داخل العراق، مما وضع الحكومة من موقف لا تحسد عليه مع تفاقم ازمة انتخاب حكومة جديدة وعدم توافق الأخوة الأعداء على قاسم مشترك واحد!.
ان الخوف من الصدام المسلح هو اكثر ما يخافه المجتمع العراقي وما يتبعه من مجهول، فالجانب الأمريكي بدأها فعلاً بعملية الاغتيال وبقصف مناطق ومعسكرات هذه الفصائل التي ردت بقصف المعسكرات الأمريكية، والحقيقة أن الأمريكان لا يبحثون بعد ما حدث الى مبررات لإعلانها حرباً مكشوفة تعتمد على ضربات جوية متتالية وسريعة كما فعلوا في حرب الكويت عام 1991م، ليبدو فلم حرب الكويت ماثلاً مرة اخرى ولكن بسيناريو وإخراج مختلفين!.
في هذا التماثل الغريب فالكل يعلم ان امريكا وقفت بثقلها مع العراق في حربة ضد ايران (1980-1988م)، ولم تشفع للنظام تلك العلاقة المتميزة مع امريكا التي ادت الى صِدام قاتل مع الامريكان ثم دمرت الجيش العراقي وأدخلت البلد في اطول فترة حصار اقتصادي، قاسى منها الشعب الأمريّن وفككت اواصر المجتمع، وهذه هي السياسة الأمريكية التي لا تنظر لعلاقاتها مع الآخرين الا من خلال مبدأ “النفعية”، والمصالح، وهي السياسة التي ينتهجها معظم العالم، وقد مورست هذه السياسة مع شاه ايران السابق الذي لم يسمحوا له حتى بتلقي العلاج في أمريكا بعد خروجه من ايران على مضض، الى ان مات طريداً في مصر عام 1980م.
والنظام الحالي في العراق ولد مع الاحتلال ويتمتع بعلاقة متميزة مع أمريكا كوضع صدام حسين في الثمانينات، الذي لم يحسن تقييم سلوكه السياسي، واعتقد ان الأمريكان لن يتخلوا عنه، حيث ذكر نعوم تشومسكي في كتابه (501 سنة- الغزو مستمر)، انه حتى في عام 1989م تدخل البيت الابيض مباشرة في اجتماع شديد السرية لضمان قرض بمقدار مليار دولار للعراق، وكان التبرير ان العراق شديد الأهمية لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومفتاح لحفظ الاستقرار في المنطقة، ويقدم فرضاً تجارية كبيرة للشركات الأمريكية، والذي لم يحسن صدام فَهْمَه او فَهِمَهُ معكوساً!.
ويقول كذلك عن العراق “انه ثمين بشكل يفوق الحد، ليس فقط في ذاته، وهو الذي يملك ثاني اضخم احتياطي للنفط في العالم وسهل الوصول اليه جداً فوق ذلك، بل لموقعه ايضاً الكائن في قلب المناطق الرئيسية المنتجة للطاقة في العالم تماماً”.
عليه فبدل ان يضع صدام حسين أقدامه مع الغرب صار يجاهر بالشعارات والتحديات الجوفاء وحدث ما حدث.
وأما الحكومات المتتالية منذ الاحتلال فيبدو أنها ستُضيع الفرصة مرة أخرى وعندها سيدخل البلد في نفق آخر، مع الكساد العالمي الذي يستحيل تفادي آثاره المدمرة وذلك لكون البلد واقع في المديونية ويعتمد في اقتصاده على النفط الذي تهاوت اسعاره للحضيض، وأزمة كورونا، وتناحرات سياسية قد لا تنتهي لا بحرب اهلية لا سامح الله.
والحقيقة ان ما يعانيه العراق هنالك حصة ساهم بها الأمريكان عن عدم دراية كاملة ودراسة مستفيضة للتكوين الأثني والطائفي في العراق وعلاقته مع دول الجيران.
لقد كانت فلسفة الغزو تقوم على مبدأ “الفوضة الخلاقة”، وهو تعبير ضبابي لا معنى له الا تبرير الفوضى التي رافقت الغزو والى حد الآن، مما فاقم الأمر سوءاً بعد سوء على كافة الأصعدة الإجتماعية والسياسية والصحية والتعليمية، ناهيك عن استشراء الإرهاب المنظم وغير المنظم، حتى ان المستشار الأسبق للرئيس الأمريكي الأسبق كارتر بريجنسكي (ت2014)، وضع مصطلحاً سماه “الأثر العراقي”، أي تأثير الغزو على عمليات الإرهاب، والتي في حالة العراق تضاعفت سبع مرات عما كانت عليه قبل الغزو، وكانت مدمرة في بعض جوانبها للبنى التحتية كما حدث مع داعش.
العراقيون في هذه الأيام في حالة ذهول بعد تفاقم أزمة كورونا عالمياً، واحتمال حدوث حرب تتبعها صدامات بين الفرق المتناحرة، يصاحب ذلك كساد كبير لا يختلف عن الحصار الاقتصادي وتفقد العملة قيمتها، وكل ذلك يمكن تجنبه باللجوء الى الحكمة والتعقل من كل الأطراف، ونبذ سياسة العنتريات التي لم نذق منها الا الخراب خصوصاً عندما لم نكن أهلاً لها، فالدرس واضح ثانية والأولوية للمصالح المتبادلة، أما الحديث عن الديمقراطية أكثر من اللازم فيمكن تجنبه في الوقت الحاضر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *