مقامرة انفصال الأكراد .. إما الاستقلال أو الانهيار الاهرام: مصطفى السعيد رصد عراقيون

قفزة إلى المجهول قاد بها مسعود برزانى إقليم كردستان العراق إلى الاستفتاء على الانفصال المقرر غدا، مخاطرا باحتمال الصدام مع الجيش العراقى والحشد الشعبي، خاصة أن جميع مكونات العراق قد توحدت ضد الاستفتاء من العرب السنة والشيعة إلى التركمان والأزيديين والآشوريين ومختلف الطوائف، ومن خلفها جارتا العراق القويتان إيران وتركيا اللتان تخشيان من امتداد عدوى مطلب الانفصال إليهما، كما رفضت الجامعة العربية ومجلس الأمن الاستفتاء، ولم يؤيد الانفصال إلا إسرائيل وحدها.

يقف الحزب الديمقراطى الكردستانى بزعامة البرزانى وحيدا، بعد أن رفضت باقى الأحزاب الكردية توقيت إجراء الاستفتاء، لكن البرزانى اندفع إلى المخاطرة.

لا أعتقد أن البرزانى كان ينوى المضى نحو الاستفتاء حتى النهاية، وأنه أراد فقط التلويح بورقة الاستفتاء ليحصل على مكاسب إضافية وضمانات باستقلال الإقليم لاحقا، أو على الأقل أن يتمكن من تحصين المكاسب التى حصل عليها الإقليم، ومنها الاحتفاظ بالأراضى التى استولت عليها قوات البشمركة الكردية خارج حدود الإقليم، مستغلة الحرب مع داعش، كما يأمل البرزانى أن يحقق له الاستفتاء شعبية واسعة تبقيه على رأس السلطة، فى مواجهة معارضيه مثل حركة التغيير الكردية والاتحاد الوطنى الكردستانى والجماعة الإسلامية.

لا يمكن تصور أن قرار البرزانى بإجراء الاستفتاء أو مجرد التلويح به جاء دون موافقة أمريكية، حتى لو تظاهرت بالرفض، فالولايات المتحدة تمرح فى الإقليم وكأنه إحدى ولاياتها، وإسرائيل لها وجود أمنى واقتصادى قوي، والإقليم يتيح لأمريكا وإسرائيل موقعا مهما يطل على إيران «العدوة»، وبالقرب من تركيا المتقلبة، وفى خاصرة العراق الطامح لإبعاد كل القوى الأجنبية عن أراضيه، ليستعيد قوته ويتعافى من الحروب الطويلة التى أثخنته بالجراح والدمار، كما أن البرزانى يريد تثبيت زعامته على الإقليم، فقد أنهى فترتى رئاسته منذ عامين، ويتحايل للاستمرار على سدة الحكم، وهو يواجه معارضة قوية من حركة التغيير والحزب الوطنى والجماعة الإسلامية، دفعته إلى إغلاق البرلمان لمدة عامين، ومنع أعضاء حركة التغيير ورئيس البرلمان من دخول أربيل، ويرى البرزانى أن التوقيت مناسب، فالعراق لايزال مشغولا بآخر معاركه مع داعش فى منطقتى الحويجة وغرب الأنبار، وأمام القوات العراقية عدة أسابيع قبل أن تنهى تحرير جميع الأراضي، ويخشى البرزانى أن تستعيد الحكومة المركزية قوتها، خاصة مع تنامى قوة الجيش والحشد الشعبي، لتطالب بغداد بانسحاب البشمركة من الأراضى التى ضمتها للإقليم، وتمارس صلاحياتها التى ظلت عاجزة عن القيام بها لأكثر من عقدين، بسبب الحصار ثم الاحتلال الأمريكى الذى انتهى فى 2011، أو ما تلاها من مرحلة اضطرابات انتهت باستيلاء داعش على أكثر من نصف العراق، وانهيار الجيش الذى بناه الحاكم العسكرى الأمريكى بريمر على أسس من الطائفية والفساد وعدم الكفاءة والتسليح الضعيف، وأول الملفات التى يمكن أن تفتحها الحكومة المركزية وتثير مخاوف البرزانى هو ملف تصدير بترول كركوك بدون الرجوع إليها، بل عدم وجود بيانات عن حجم الصادرات والعوائد وكيفية إنفاقها، وأن تضع بغداد حدا للصلاحيات التى تتجاوز النظام الفيدرالي، لأن الإقليم ورئيسه يتعاملون وكأن كردستان دولة مستقلة، بل وتشارك فى حكم باقى العراق.

لا يمكن تخيل أن البرزانى قرر إجراء الاستفتاء دون ضوء أخضر من الولايات المتحدة، التى تحظى بنفوذ قوى فى كردستان، وتكاد تكون الحاكم الحقيقى للإقليم، وتريد الولايات المتحدةالاحتفاظ بوجود عسكرى دائم ومضمون داخل كردستان على الأقل، لأن العبادى أعلن أن العراق لن يقبل بوجود قوات أجنبية على أراضيه، وتخشى أمريكا من طردها مجددا.

يدرك البرزانى أن هناك عواقب وخيمة تنتظره، فقد هدد العراق وإيران وتركيا باتخاذ إجراءات عقابية، ويكفى أن تغلق الدول الثلاث منافذها مع الإقليم ليموت اختناقا، بل يمكن لتركيا أن تغلق خط أنبوب تصدير نفط كركوك، ليفقد الإقليم جميع عائدات النفط، ويسمح أردوغان للإقليم بتصدير النفط دون رقابة أو موافقة الحكومة المركزية لأنه يحصل على نسبة كبيرة من العائدات، ويضمن ولاء البرزانى ومحاربته لحزب العمال الكردستاني، لكن الانفصال شيء آخر وخط أحمر لتركيا، لأنه سيغرى أكراد تركيا باتخاذ خطوات مماثلة، لتتفكك الدولة التى تضم نحو نصف الأكراد.

أكراد سوريا المتحالفون مع الولايات المتحدة يسعون لتكرار مقامرة البرزانى فى العراق، بعد أن ألقوا بكل أوراقهم فى السلة الأمريكية، وسيطروا على مساحات كبيرة من الأراضى السورية الخالية من الأكراد، واندفعوا إلى دير الزور لمحاولة وضع اليد على الحدود السورية العراقية، والاستيلاء على أضخم حقول الغاز، واشتبكوا مع الجيش السورى الذى سبقهم فى السيطرة على تلك المناطق الاستراتيجية، وينتظرون مكافأة واشنطن بتحصين مكاسبهم، مع أن عدد أكراد سوريا محدود، ولا يشكلون أغلبية فى معظم مدن شمال شرق سوريا، لهذا غيروا اسم «قوات الحماية الكردية» إلى «قوات سوريا الديمقراطية»، وضموا عناصر من العشائر العربية للتغطية على توسعهم.

يبدو أن المقامرة الكردية دخلت طريق اللاعودة، اعتمادا على دعم أمريكى وإسرائيلى ربما لن يكفى لمواجهة الدول المحيطة، ومن الصعب أن يحقق الأكراد الانفصال، بل غالبا لن يتمكنوا من الحفاظ على مكاسبهم الحالية، لأن الدول المحيطة ترى أن قياداتهم غدرت بهم، ولا يمكن السماح بأن تتحول كردستان إلى قاعدة لتهديد أمن وتماسك الدول المحيطة، والتى تواجه تحديات خطيرة، ليدفع الأكراد الثمن، وينهار حلم الاستقلال ويتحول إلى كابوس من الحروب والعداء، يدفع الشعب الكردى إلى الاستدارة على قادته وإسقاطهم.
#وكالة_انباء_عراقيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *