العراق.. الجميلي يهزم نصيف في استجواب باهت العرب هارون محمد رصد عراقيون

مجلس النواب العراقي لعب دورا مخزيا في التستر على فساد الحكومة واختلاسات وزرائها والمسؤولين الكبار فيها، وطبق أعضاؤه ذكورا وإناثا، نظرية ‘شيلني واشيلك’ التي باتت تحكم العلاقة بين النواب والوزراء.

يتداول العراقيون هذه الأيام مقطعا صوتيا انتشر كالنار في الهشيم على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، عنوانه “سهى وأحمد” يتضمن احتجاجا من الأولى على الثاني، وهو ناشط مدني وإعلامي، عرف بانتقاد عمل مجلس النواب وخصوصا عضواته السيدات، وإيراد قصص وروايات موثقة عن نشاطهن السري في عقد الصفقات المشبوهة وحصولهن على عمولات محرمة، وعندما يسأل أحمد المتصلة به ويقول لها “العفو ست سهى، هل أنت نائبة باسم آخر؟” تعنفه الأخيرة وترد عليه بغضب “لا أنا (…..) وأحذرك من زج النائبات بنا، واعتبارهن من صنفنا، لأننا على الأقل لا نسرق ولا نستحوذ على عقود ومقاولات، ولا نملك مكاتب وشركات تستولي على أموال الشباب الفقراء بحجة توظيفهم”.

وسواء كان هذا المقطع حقيقيا أو مختلقا، إلا أنه يعبر بالفعل عن حالات ملموسة، كثير منها علني، يجسد الانحطاط السياسي والأخلاقي في المشهد السياسي العراقي، في ظل حكومة رئيسها يبيع كلاما معسولا ولا يفعل شيئا لوقف الفساد الذي استشرى في البلاد بشكل مروع، وصل إلى هروب محافظين بـ”الغنائم” إلى الخارج، عبر المنافذ الحدودية الحكومية، رغم صدور مذكرات قبض قضائية عليهم مثل محافظ البصرة والقيادي في المجلس الأعلى سابقا وتيار الحكمة حاليا ماجد النصراوي، واختفاء محافظ الأنبار صهيب الراوي عضو المكتب السياسي للحزب الإسلامي الذي رفض المثول أمام المحكمة واكتفى بإرسال شيك إليها، بمليارين وثمانمئة مليون دينار بيد محاميه لتسوية القضية المثارة عليه، واستنكار عضو مجلس شورى حزب الدعوة صلاح عبدالرزاق على توقيف سائقه الخاص المتهم بالاستيلاء على قطع أراض وبيوت سكنية في أحياء راقية بالعاصمة بغداد، قدرت قيمتها المكشوف عنها لحد الآن بثلاثة عشر مليار دينار.

وقد لعب مجلس النواب الذي يقال إنه سلطة تشريعية ورقابية، دورا مخزيا في التستر على فساد الحكومة واختلاسات وزرائها والمسؤولين الكبار فيها، وطبق أعضاؤه ذكورا وإناثا، نظرية “شيلني واشيلك” التي باتت هي التي تحكم العلاقة بين النواب والوزراء، إذا سارت على الوجه المتفق عليه بين الطرفين نجحت، وإذا اختل مسارها ولم يف الوزير أو المسؤول بوعوده، فإن الاستجواب ينتظره، كما حصل لوزير الدفاع السابق خالد العبيدي، الذي تصور أنه قادر على مواجهة من حاول ابتزازه من النواب والنائبات، بكشف تسجيلاتهم الصوتية معه ورسائل الرجاء والاستعطاف منهم، دون أن يدرك أن جبهة القتال ضده كانت صلبة وضمت نوابا شيعة وسنة وأكرادا اجتمعوا على افتـراسه، وهذا لا يعني أنه كان نزيها في عمله وشفافا في أدائه.

ومؤخرا فشل استجواب قدمته صاحبة أكثر استجوابات الوزراء خلال الدورة البرلمانية الحالية النائبة عالية نصيف ضد وزير التجارة بالوكالة سلمان الجميلي، واتهمته باستيراد أرز هندي عفن ومنح وكالات تجارية لبعض الأشخاص مقابل هدايا ورشى، وقيامه بتسليط مرافقه وهو ابن شقيقه بعقد صفقات وإبرام عقود تفتقر إلى الشفافية، دون أن تنتبه إلى أن الجميلي ليس مثل زميله السابق العبيدي الذي ودع وزارته باكيا رغم أنه على حق كما ادعى.

فسلمان الجميلي نموذج آخر يجمع بين الذكاء والحيلة، وله باع في اللعب على التناقضات، وأول شيء فعله لمحاصرتها وعزلها، أنه سرب معلومات أخذت طريقها إلى النشر، تشير إلى أنه رفض منحها إجازة مطحنة غير نظامية، وأن هذا الرفض كان سببا لاستجوابها له، وقد سرت هذه المعلومة وراحت تكبر وتكبر بجهود واتصالات صديق الوزير الحميم النائب السابق حيدر الملا، حتى اقتنع بها حقا أم ادعاء، حتى النواب الذين تضامنوا مع النائبة، قاموا بسحب تواقيعهم لاحقا بعد جلسة أو جلستين مع الملا.

وقد حاولت النائبة عالية نصيف التي جاء بها إياد علاوي لأول مرة كعضو في مجلس النواب عام 2006 ضمن قائمته بعد أن نجحت في تمرير عملية شراء قطعة أرض في منطقة عوينات الكاظمية لصالحه، باعتبارها موظفة سابقة في دوائر التسجيل العقاري، قبل أن تنقلب عليه عقب انتخابات 2010 وترتبط مع ائتلاف نوري المالكي، أن تستخدم شيعيتها في استجواب الوزير الجميلي السني، وسعت إلى اتهامه بأنه يميل إلى السنة في معاملات وزارة التجارة.

ولكن الأخير تمكن بسهولة من تفنيد هذه الاتهامات بالكشوف التي وزعها على النواب وظهر فيها بأن أغلب مسؤولي الوزارة من الشيعة وهم الذين يتولون رئاسة وعضوية لجان التعاقدات والاستيرادات، وأبرز أيضا لائحة بأسماء الشركات والتجار المتعاونين مع الـوزارة وأكثـرهم شيعة ضمنها مؤسسات تابعة للمرجعية الشيعية في النجـف وكربلاء، التي حصلت على إجازات استيراد لحوم ودجاج من البرازيل بلا سقف، وتحديد أسعار بيعها من دون تدخل أجهزة الوزارة المعنية. وقد استعان الوزير أيضا بالنائب السابق حيدر الملا وهو شيعي من البصرة، الذي ظل يداوم في كافيتيريا البرلمان لعدة أيام وتمكن من دحرجة استجواب عالية، التي طالبت بمنعه من الدخول إلى مجلس النواب، ولكنها أخفقت لأن قانون المجلس يسمح لأعضائه السابقين بزيارة مقره ومتابعة رواتبهم التقاعدية وجوازات سفرهم الدبلوماسية وامتيازاتهم الأخرى، ويحظر عليهم المشاركة في جلسات البرلمان فقط.

وانتهى استجواب عالية بالخذلان، لأنه قام على باطل، ونجح الجميلي في الامتحان، ليس لأنه على حق، ولكنه شغل علاقاته وسخر إمكانيات وزارته، وهو الذي فشل في الانتخابات الأخيرة في محافظته الأنبار، ولكنه حصل على وزارتين مهمتين؛ التخطيط أصالة والتجارة وكالة، رغم أنه ليس مخططا اقتصاديا ولا خبيرا في التجارة، ولكن البركة في نظام المحصصات الذي قلب المعايير المهنية والإنسانية في العراق، وجعل “الدلالات” نائبات، والجهلة وزراء، ولطامي المواكب الحسينية ضباط (دمج) برتب عميد ولواء وفريق مع شارة الركن الحمراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *