الحروب والصراعات الجيوسياسية: التنافس في مجال الطاقة بين روسيا-السعودية والسعودية-إيران! / محمد الياسين / رصد عراقيون
التنافس السعودي الروسي في مجال الطاقة يغلب عليه الطابع الاقتصادي أكثر من السياسي مقارنة بالتنافس السعودي الإيراني في السياق ذاته. يمكن تحديد ملامح لهذا التنافس الثنائي بالقول إنه يتعلق بـ«الأسواق المشتركة» المستهدفة من الصادرات السعودية الروسية، حيث تتجه الاستراتيجية الروسية نحو توطيد العلاقة أكثر مع الصين وتستخدم موسكو الطاقة كواحدة من الأدوات الحيوية في ذلك الأمر، بهدف إيجاد شراكة جيوستراتيجية عميقة تقود بالمستقبل إلى إنشاء كيان للتعاون الواسع بين روسيا والصين في شتى المجالات لمواجهة النفوذ الغربي-الأمريكي.
من جهتها العربية السعودية تبحث عن شراكة استراتيجية واسعة مع الصين، التي تشير التوقعات إلى ارتفاع معدل استهلاكها للطاقة خلال السنوات القادمة، خاصة وأن تراجع أهمية صادرات النفط من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة الأمريكية بسبب توسيع سياستها في إنتاج النفط والغاز الصخري دفع الرياض للبحث عن شركاء دوليين جدد قد يحلون محل الولايات المتحدة في المستقبل بتوفير الحماية الدولية للخليج العربي والسعودية على وجه الخصوص. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاستراتيجية الصينية في مجال الطاقة قد تحددت: بأن الوصول إلى مصادر الطاقة وتنويع الموردين يعد هدفًا استراتيجيًا للأمن القومي الصيني. كما أن السياسة الأمريكية حيال منابع الطاقة بالشرق الأوسط وحلفائها التقليديين قد تكون مرهونة بطبيعة السياسات التي تنتهجها إدارة ترامب والإدارة التي تليها.
اختيار ترامب بأن يكون زعيمًا أمريكيًا يبحث عن المصالح الداخلية لبلاده قد يعني خسارة أمريكا لبعض من نفوذها الخارجي لصالح لاعبين جدد على الساحة الدولية، وهذا السيناريو إن تحقق فهو يعني تراجع اهتمام الولايات المتحدة بتوفير الحماية لشركائها في الشرق الأوسط، الأمر الذي من شأنه دفع أولئك الشركاء للبحث عن شركاء دوليين أقوياء جدد، حتى بحال استمرت الاستراتيجية الأمريكية في اعتبار أن الحفاظ على وجودها العسكري ونفوذها السياسي بالشرق الأوسط متصلًا بأمنها القومي للحيلولة دون أن تتحول لمنطقة نفوذ للصين وروسيا، فإنها في نفس الوقت تتجه نحو أن تكون من كبار المنتجين للطاقة (النفط والغاز الصخري) على المستوى العالمي، وهي بذلك تكون في منافسة مباشرة مع السعودية، والتي من جهتها ستعمل من خلال استخدامها للنفط على إقامة شراكات استراتيجية جديدة مع أطراف دولية صاعدة مثل: الصين والهند.
التنافس السعودي الإيراني في مجال الطاقة يغلب عليه الطابع السياسي أكثر بكثير من الاقتصادي نتيجة التنافس والصراع الإقليمي بين الدولتين على بسط النفوذ والتمدد في ساحات عربية وأفريقية تجري فيها حروب هجينة (Hybrid War) بالوكالة تدار من قبل إيران والسعودية، ويستخدم النفط كأداة جيوسياسية في سياق تلك الحروب. فإيران توفر الدعم اللوجيستي والمالي لحلفائها في العراق، وسوريا، ولبنان واليمن من أموال النفط، في المقابل السعودية تصرف المليارات من الدولارات على الحرب اليمنية وجماعات المعارضة في سوريا وغيرها. في نفس السياق، يمكن الاستدلال على طبيعة تلك العلاقة المعقدة من خلال الإشارة إلى ما جاء في التقرير الذي أعدته وكالة «Bloomberg News» بخصوص الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وروسيا قبل عامين تقريبًا، حيث اعتبرت أن الاتفاق الثنائي بين البلدين على إيقاف تدهور أسعار النفط من خلال تثبيت الإنتاج عند مستويات محددة، من شأنه أن يؤدي بطريق غير مباشرة إلى تصعيد الصراع في سوريا، حيث إن كلًا من: السعودية، وروسيا، وإيران بُلدان تعتمد إلى حد كبير على عائدات النفط والغاز، إذ إن النظام السوري يتلقى الدعم من روسيا وإيران، بينما تتلقى أطراف المعارضة السورية دعمها من السعودية ودول عربية أخرى. في مقابل ذلك، ذهبت بعض التحليلات إلى أن جانبًا من قرار السعودية قبل سنوات بزيادة إنتاجها النفطي وتخفيض الأسعار كان بهدف الضغط على إيران ومنع حصولها على إيرادات مهمة تستخدمها لدعم النظام السوري والميليشيات الموالية لها بالشرق الأوسط.
خلال العام 2015 نشر معهد «Carnegie Endowment for International Peace» مقالًا تحليليًا تطرق فيه إلى أحد السيناريوهات المحتملة، حيث اعتبر المقال أن من المحتمل لتأثير انخفاض أسعار النفط التخفيف من التوتر الحاصل في الشرق الأوسط، على اعتبار أن جميع الدول الرئيسة المنخرطة بالحروب الإقليمية تعتمد على موارد الطاقة مصدرًا رئيسًا للدخل، بالتالي كلما ارتفعت أسعار النفط زادت الواردات التي يوظف جزء كبير منها في تلك الحروب. الأمر الذي أثبت عدم صحته إلى حد كبير، على الرغم من التأثير الذي يشكله انخفاض أسعار النفط على تمويل الحروب، لكن أطراف الصراع استمرت في تمويل الحروب والوكلاء، سواء مع انخفاض أسعار البترول أو ارتفاعها.