ولكن ما هو تنظيم داعش؟ / بقلم: فاروق يوسف

 

 

 

حقيقة التنظيم الإرهابي خارج الصورة التي انهكتنا الفضائيات وهي تفكك أجزاءها.

 

لعبة انتظار نهاية داعش استهوت الكثير من الكتاب فصاروا يضعون تكهناتهم عن مرحلة ما بعد هزيمة التنظيم الإرهابي على الطاولة في محاولة منهم لاستعراض خبراتهم المتراكمة التي أهلتهم لأن يظهروا على شاشات الفضائيات باعتبارهم خبراء في التنظيمات الإرهابية.

 

لقد سبقهم إلى تلك الصفة المهنة عراقي حرصت الفضائيات على تقديمه كونه خبيرا في شؤون المرجعية الشيعية. تبين في ما بعد أن الرجل لم يكن إلا سمسارا افتضح أمره في صفقة سلاح روسية تخللتها شبهات فساد، ما أدى إلى الغائها.

 

خبراء التنظيمات الإرهابية في حقيقتهم هم صورة عن ذلك الخبير الذي كان مجرد وسيط بين فاسدين. فمعلوماته عن المرجعية التي أدعى الخبرة في شؤونها كانت متاحة لكل مَن يتابع الأخبار العامة. وهو ما ينطبق تماما على الخبراء في تنظيمي القاعدة و داعش وسواهما من الجماعات التي اتسم نشاطها بطابع إرهابي.

 

لقد قيل كل شيء عن تلك الجماعات باستثناء ما يتعلق بالجهة التي أنشأتها والجهة التي مولتها. وهما امران اساسيان تم القفز عليهما ببراعة. لقد صار وجود تلك الجماعات المسلحة، عابرة الحدود ببشرها وسلاحها وأموالها واقع حال، كما لو أنه حدث طبيعي.

 

أليس غريبا أن يُغرقنا الخبراء في الجانب النظري من ظاهرة الإسلام السياسي فيما لا يتم التطرق إلى الجانب العملي الذي هو أساس مشكلتنا معه؟

 

بالتأكيد فإن الجماعات الإرهابية لم تظهر على المستوى النظري من فراغ. لدينا في تراثنا كما في تراث كل الأمم ما يجد في العنف حلا ولكن العنف المنظم الذي مارسته التنظيمات الإرهابية لم يكن عفويا ولا تلقائيا. جغرافيته تؤكد طابعه المنظم الذي لا يمكن لعقائديين بدائيين من نوع أسامة بن لادن أو أبو بكر البغدادي من التحكم بشروطه.

 

هناك جوازات سفر ومطارات وأموال وأسلحة ومنشورات ومواقع الكترونية وسواها من مستلزمات النشاط اليومي التي تسهل عمل التنظيمات الارهابية كانت تحت النظر دائما. أقصد نظر السلطات التي أظهرت في ما بعد حماسة لمشروع الحرب على الإرهاب.

 

هنا بالضبط يمتزج الحقيقي بالوهمي.

 

من وجهة نظري الواقعية فإن الوهمي هو ما كان يُقال عن علاقة الإرهاب بالإسلام أما الحقيقي فهو كل ما لم يُقل عن علاقة الجماعات الإرهابية بالمؤسسات الكبرى التي رعتها وبحثت عن مصادر تمويل لها وضمنت الحماية لأفرادها بعد انتهاء مهماتهم.

 

ليست الجماعات الإرهابية الاسلاموية سوى شركات أمنية تم توظيفها من أجل إشاعة الفوضى في العالم العربي. رأي شخصي لا يستند إلى وثيقة بقدر ما تؤكده النتائج.

 

ليت خبراء الجماعات الإسلامية المتطرفة أفادونا في ذلك.

 

لا يتعلق السؤال بالمنطلقات النظرية فهي موجودة في أدبيات جماعة الاخوان المسلمين بل بالأرضية الواقعية التي يستند إليها في تماسك وصلابة تكوينه التنظيمي وهو تكوين عابر للقارات.

 

فداعش مثلا ليست مجرد مجموعة من الافراد قررت اللجوء إلى العمل المسلح مثل جماعتي بادر ماينهوف في المانيا والالوية الحمراء في إيطاليا اللتين ظهرتا في سبعينات القرن الماضي.

 

داعش هو أشبه بالشركة العالمية التي لها فروع معلنة وسرية في أماكن مختلفة من العالم. لذلك فمن السذاجة القبول بما يُشاع من أن معمما مثل أبو بكر البغدادي هو الذي يدير حلقات ذلك التنظيم المتشعب والواسع والمعقد. ما يقوم به ذلك الرجل تعجز عن القيام به الدول ولو كان ذلك يسيرا لما توانى العقيد القذافي عن القيام به في واحدة من تجليات جنونه.

 

في مواجهة سؤال غامض وحائر من النوع الذي يتعلق بكيفية قيام داعش بإدارة وتصريف شؤونه التنظيمية والمالية يذهب الظن إلى أن ذلك العمل لا يمكن أن تقوم به إلا مؤسسة استخبارية كبرى تملك من الخبراء الحقيقيين والمعدات والأموال والصلات والنفوذ ما يعينها على اختراق المطارات ودوائر الهجرة والمصارف ومصانع السلاح وحكومات الدول.

 

على أساس ذلك التكهن يمكننا القول إن داعش ليس ما نراه دائما. تظل حقيقة التنظيم الإرهابي خارج الصورة التي انهكتنا الفضائيات وهي تفكك أجزاءها، مستعينة بخبراء هم في حقيقتهم مجرد معلقين لا قيمة للمعلومات التي يتداولونها.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *