قنابل صوتية في الذكرى الـ38 للثورة الإيرانية /  حامد الكيلاني

 

الحشد الشعبي باحتفاله الواسع بالخميني وثورته وصادراتها، رهن مستقبله وعلقه على مشجب الحرس الثوري الإيراني الذي سيدخل قائمة التنظيمات الإرهابية في العالم بالإرادة الأميركية أو بغيرها.

مرت38 عاماً على وصول الخميني إلى إيران قادماً من باريس في بداية فبراير 1979، وهي السنة التي شهدت الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، وبداية حقبة من الصراع لم تنته حتى الآن، وأنتجت لنا الإرهاب الإيراني الشامل وطالبان والقاعدة وداعش وخلالها 11 سبتمبر 2001 واحتلال أفغانستان وكارثة احتلال العراق ونهايته كدولة مستقلة ذات سيادة ومؤسسات عسكرية أو مدنية.

 

الحشد الشعبي في العراق، الذي تم تشكيله بفتوى المرجعية الدينية الخاصة، لم يُترَك بنهاية مفتوحة إلى مصيره، والتزاما منه بمبادئه وجذوره ومرحلة صعوده المخطط لها، قرر الاحتفال بذكرى سيطرة ولاية الفقيه على مقاليد الأمور في إيران، بإقامة العديد من المناسبات المختلفة للعديد من الفصائل الميليشياوية التي يتكون منها.

 

محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، أشار إلى وجود ما يقارب ربع مليون مقاتل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأفغانستان وباكستان، ولكل من هذه الفيالق تسمية أو عنوان “وطني” ملحق بالحرس الثوري الإيراني. في العراق مثلاً الحشد الشعبي، وهي تمثل القوة العابرة للحدود وعنوانها الجاذب فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني ومجموعة قادة مستشارين، أحدهم قتل في قاطع عمليات الموصل قبل أيام فقط، وهم منتشرون في المناطق الساخنة والباردة، ومهماتهم لا تقتصر على الإسناد الميليشياوي المعروف بجرائمه وتجاوزاته وانتهاكاته، إنما تتولى تنفيذ العمليات الإرهابية والإعداد لها في كل أنحاء العالم ولأسباب مختلفة، بعضها يتعلق بالتصفيات أو إسكات الأصوات المضادة أو إرسال رسائل معينة أو توجيه الأنظار إلى جهات أخرى لخلط الأوراق واللعب بها واستثمارها.

 

الحقيقة أن العدد المذكور ربما ينطبق على الميليشيات أو المجموعات التابعة إدارياً أو مالياً للحرس الثوري الإيراني، وهي تثقل كاهله في التجهيز ودفع الرواتب وتكاليف أخرى، ويحدث ذلك في الدول غير الخاضعة كلياً للإرادة الإيرانية، لأن الموارد غير متاحة أو خاضعة لمفاهيم الاستثمار لصعوبة التغطية عليها واحتمال انكشاف شبكاتها؛ لكن في حالة دولة مثل العراق المجال فيها يكون واسعاً سياسياً للتخلص من الأعباء الملقاة على الحرس الثوري، لأن المجموعات الميليشياوية نُظمت بقانون وبرعاية رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة وصارت لها حصتها الرسمية من ميزانية الدولة وتمتلك أرقى الأسلحة والتجهيزات اللوجستية، وتحت حماية القانون يمكن إدراك تمدد واجباتها وصلاحياتها، ومعها إطلاق سراح غير مشروط لمشروعها الطائفي الدموي، كما في كل التجارب الأخرى.

 

داخل إيران فقط يصل عددهم إلى ربع مليون مع قوات الباسيج، مجهزون بمنظومات صواريخ متوسطة المدى وتخضع للتطوير لمسافات بعيدة تتجاوز الخمسة آلاف كيلومتر وتطلق عليها تسمية شهاب، وللحرس الثوري قوات برية وبحرية وجوية، وله مؤسسات داعمة على قدر كبير من الأهمية الاقتصادية، والمخاطر كبيرة تتعلق باستثمار هذا النوع من الأعمال خارجياً، وما تعنيه من تمويه لهوية المكاتب المفتوحة في مدن وعواصم العالم وأثرها في الإرهاب العالمي، مضافةً إليها أنشطة الدول المستباحة كالعراق وما يمكن أن تقوم به الحكومة العراقية بمؤسساتها وسفاراتها خدمة لإيران.

 

إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، صرحت بأنها تبحث إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة التنظيمات الإرهابية، وسبقتها بوصف الرئيس ترامب وأيضاً وزير دفاعه جيمس ماتيس لجمهورية إيران الإسلامية بالدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم؛ وفي محتوى سلة الألعاب الخطرة التي تقوم بها إيران كتجارب الصواريخ الباليستية على أراضيها وما نتج عنها من ردود أميركية وعالمية؛ في البر وداخل الأراضي الوطنية للدول لا تحصل عادة صدامات أو مناوشات عسكرية بين دولتين، لكن في المياه الإقليمية والحدود البحرية الحرة وقوع الاشتباكات محتمل وخروقات مثل الاعتداء على الفرقاطة السعودية أو غيرها من القطع البحرية، ومنها الأميركية مستقبلاً، قد تؤدي إلى تصعيد غير متوقع مهما كان الحادث صغيراً.

 

الحشد الشعبي الطائفي باحتفاله الواسع بالخميني وثورته وصادراتها، رهن مستقبله وعلّقه على مشجب الحرس الثوري الإيراني الذي سيدخل قائمة التنظيمات الإرهابية في العالم بالإرادة الأميركية أو بغيرها، اليوم أو غداً، فتلك عاقبة السوء؛ وبمثل التصرفات السابقة تكون إيران بأطروحاتها باشرت فعلاً التحرك ضد أميركا والتهيئة لأسوأ الاحتمالات لكن ابتداء على أرض العراق.

 

ما نرصده هذه الأيام هو زيادة ملحوظة في معامل خلط السم بالعسل وليس دسه، لأن زمن التقية أصبح من الماضي على حد قول خامنئي بعد الاتفاق النووي وانفتاح صادرات الحرس الثوري على الخراب العراقي والسوري واليمني ودول أخرى. عزلة باراك أوباما وحضور فلاديمير بوتين عززا القناعة لدى الولي الفقيه بإطلاق سراح العنز الميليشياوي في الحقل دون خوف أو رادع، أو مجرد تحسب ولو لتغيرات فجائية غير متوقعة في الأنواء الجوية، رغم أن فصولنا حتى في الفصل الواحد تحتمل الانقلاب وظهور الدباغ بلا مقدمات.

 

هناك ما يوجب في يومنا تحليل حتى الكلمات، ولا أعني بها إطلاقاً صفارات الإنذار الأميركية رغم أن أغلبها تغريدات، لكن الدفاع المفاجئ، مثل ارتفاع ضغط الدم العصبي المؤقت، عن الثورة الإسلامية في إيران، وحقها في امتلاك أسلحة الردع والخوف على العراق العربي والمنطقة من دفع فاتورة المواجهة القادمة مع أميركا، ويتناسى رهط الحرس الثوري الإيراني ما تسببت به إيران وشحناتها الطائفية من شيزوفرينيا في العراق وسوريا واليمن تحديداً.

 

ترامب بتغريداته، وكلمات برقية منه ومن طاقمه الذي لم يكتمل إلى حد الآن، وبمكالمات هاتفية محسوب عددها بالثواني، أعاد العمل بنظام العين الحمراء الذي لا تفهم غيره دولة مارقة كالتي يقودها النظام الإيراني. روسيا وجدت نفسها تخسر ذلك الوهج الإعلامي المتفرد لسياساتها ومكوكيات وزير خارجيتها سيرجي لافروف وأيقونتها الجديدة أستانة، بجناحيها التركي والإيراني اللذين كما يبدو تثاقلا لأسباب مختلفة في مقدمتها ظهور راعي البقر الأميركي المتحمس لإعادة قطيعه إلى الحظيرة الأميركية، وإصلاح ما تخرب منها في الداخل والخارج.

 

روسيا وعلى لسان سفيرها في طهران أعلنت في شهر فبراير 2017 أن منظومة الصواريخ S300 اكتملت في توريدها منذ 2016، وهي إشارة متأخرة زمنياً لكنها روسية أكثر منها إيرانية إلى إدارة ترامب بعدم اتباع سياسة التجاهل والإقصاء من الحسابات في القضايا الدولية، وخاصة منطقة الشرق الأوسط التي سرحت ومرحت فيها روسيا، وفرّطت خلالها في سمعتها كدولة كبرى في ورطة المستنقع السوري. والحليف الإيراني يعتقد أنه أنجز مهمته في صنع مناطق عازلة واسعة عندما احتل العراق ظناً منه أنه سيكون بمنأى عن آثار الصراع في المنطقة.

 

روسيا في مدينة الباب السورية أوصلت ارتباكها إلى تركيا من عودة العلاقات الأميركية التركية إلى سابق عهدها بل أكثر ارتباطا في مكافحة الإرهاب ودعم إنشاء المناطق الآمنة في سوريا. ومن باب الباب يمكن الإشارة إلى طرح ميليشيات الحرس الثوري، فرع لبنان، الانسحاب “الطوعي” من 10 مناطق في القلمون، ورغم النيات والمحاذير فإن ثمة قناعات تفرضها القنابل الصوتية قبل القنابل بذخائر البلاغات الرسمية الحية للقوة المجربة؛ ما أكثر الانقلابات غير الموضوعية والمفاجِئة والطوعية هذه الأيام.

 

ساسة العراق وقادة الميليشيات يرتكبون أخطاء فادحة كعادتهم وبنجاح ساحق، وعليهم أن يتذكروا ما قاله ترامب في يوم تنصيبه “أينما يولد الأطفال يتطلعون إلى السماء نفسها والخالق نفسه”، لكن أعتقد أن ترامب كان يقصد أميركا حصراً، لأن الأطفال في العراق أو في سوريا، أو في أي مكان فيه الحرس الثوري الإيراني يولدون وهم يتطلعون إلى قاتل أبيهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *