الوثائق التي تركها تنظيم داعش وسبل التعاطي مع مضامينها / رعد هاشم

 

أزاحت معركة الجانب الأيسر من الموصل الغطاء عن كمّ كبير جداً من وثائق تنظيم داعش الإرهابي، الذي ولى هارباً تاركاً وراءه كنوزاً ثمينة من معلومات خطيرة لا يستهان بمحتوى ومضمون ما جاء فيها من تفاصيل تكشف جوانب عدة من طريقة تفكير التنظيم المتطرف وتوجهاته قيادةً وأفراد، وطبيعة سلوكيات وتحركات عناصره، وصيغ الوضع التنظيمي والإداري المتبع لديهم.

 

وترقى الكثير من هذه الوثائق إلى مستوى السرية القصوى لكونها نادرة ومحدودة التداول، ودراستها وتدقيق مضمونها ومحتواها تكشف بما لا يقبل الشك، الأهمية التي تشكلها هذه الوثائق التي كانت حتى قبل فترة قريبة تُعّد شحيحة ونادرة، لما تمثله من انعكاس واقعي لطبيعة عمل التنظيم المتطرف المغلقة والصارمة في التكتم على خططه وتوجهاته وتعليماته، وحرصه الشديد على تقليل تعامله بالورق والوثائق من ناحية التبليغات لأتباعه بالقرارات التنفيذية التي تسيّر وتحّرك عناصره وفقاً لمتطلبات العمل، إذ اعتمد على صيغ التنظيم الخيطي في أغلب الأحيان تحاشياً للكشف عن الخطط، فضلاً عن الحفاظ على الأمن الشخصي لكوادره وعناصره.

 

ولعل انشغال القوات الأمنية بدوامة المعركة وظروفها القاسية قد منع من الاهتمام بهذه الوثائق، هذا إذا ما عرفنا أن تعدد صنوف القوات المشاركة في معركة تحرير الموصل وعدم وجود التنسيق بينها “على أقل تقدير في المرحلة الأولى من القتال باعتراف القادة الأمريكان المعنيين بالتنسيق مع الجانب العراقي”، قد خلق جواً غير ملائم للتعاطي مع قضية وثائق التنظيم التي تركها في بيوت ومقار ومضافات له، بحيث بات يتناقلها ويتداولها كثير ممن لا يقدّر أهميتها، حتى صار البعض يتذاكى أو يتباهى بنشرها بطريقة قاصرة وتفتقر للذكاء لعدم إدراك أهميتها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بداعي توظيفها ضد التنظيم بما لا يتسق أو يناسب حجم المواجهة الكبرى مع تنظيم له قدرات خبيثة عالية، وبالتالي لم تتحقق أدنى متطلبات الاستفادة من النشر، كون التعامل مع هذه الوثائق يتطلب تسخير قدرات أصحاب الاختصاص من رجال الاستخبارات والإعلام والحرب النفسية وعلم النفس والاجتماع لدراسة وتحليل هذه الوثائق النادرة والخطيرة وتصنيفها حسب أهميتها كلّ على حدة ووضع سياقات عمل وضوابط تحسن تقييم الوثيقة، ووضع آلية مناسبة للتعامل مع مضمونها ومحتواها والرد عليها ودحضها إذا ما اقتضى الأمر أو وضع خطط أمنية تناهض أو تصد أي خطر أمني يرد فيها وفق ما تقتضيه الضرورة.

 

وهكذا تحرك باحثون أجانب ومراكز دراسات عالمية مرموقة، منهم الباحثة “فيرا ميرونوفا” من جامعة هارفارد، التي أمضت أياماً عدة داخل وحدة للجيش العراقي تقاتل التنظيم قرب الموصل، حيث نقلت الباحثة هذه الوثائق إلى مركز مكافحة الإرهاب “كومباتينغ تيروريزم سنتر” بهدف تحليلها، وتوصلوا بعد الدراسة والاستقصاء إلى أن داعش شكل منذ 2015، وحدة على الأقل مكلفة بتطوير واستخدام “درونز” استناداً لطائرات مدنية معدلة ومسيرة، وقادرة على نقل ذخائر لإلقائها على أهداف عسكرية.

 

وتشمل الوثائق استمارات موحدة يكتب عليها مشغلو الطائرات نوع المهمة “تدريب أو تجسس أو قصف”، وموقعها ونوع المعدات المستخدمة، وإذا تكللت بالنجاح أو أخفقت، وسبب ذلك، كما عثر على قوائم شراء وفواتير تدل على أن تنظيم داعش يتزود بالمعدات من خلال شرائها مباشرة عبر الإنترنت.

 

من جانبها تعاملت بعض القنوات الفضائية مع وثائق حصرية وحساسة وملفات سرية للتنظيم عثرت عليها أثناء تغطياتها الإخبارية، وتتناول محاولات داعش تصنيع أسلحة كيماوية، فيما نشرت وكالات أنباء محلية أنباء حول العثورعلى مركز اتصالات متكامل يضم العديد من أجهزة الاتصال والمنظومات الاتصالية في الموصل بمقار “داعش” من الأجانب الروس والطاجيكيين، والعثور أيضاً على جهاز “لابتوب” يضم معلومات مهمة عن عناصر داعش الإرهابية، بالإضافة إلى عدد من الوثائق والكتب باللغتين العربية والروسية تروج لأفكار التنظيم.

كذلك نشرت صفحات مختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي وثائق تكشف سعي مقاتلي داعش للهروب من التنظيم، وتتضمن الاسم الحقيقي لكل مقاتل وكُنيته وفئة دمه، إلى جانب البلد الأصلي وبلد الإقامة، فضلاً عن العثور على وثائق وجوازات سفر أصلية لعناصر التنظيم عليها أختام الدول التي سافروا عبرها ومن خلالها حتى وصلوا إلى العراق.

 

واستناداً إلى ما ورد آنفاً، نوجه دعوة ملحّة لإيجاد وسيلة جادة لجمع وحصر وثائق التنظيم والتعامل مع محتواها بمهنية، بما يسهم في استخلاص الكمّ المعلوماتي الذي من شأنه أن يساعد ليس العراق فحسب، بل جميع الدول التي تشارك في مكافحة الإرهاب بالوقوف على المادة التي تمكنهم من محاربة التنظيم من خلال التعمق بحيثيات وتفاصيل تلك الوثائق وتوظيفها أو تسخيرها بالضد من سياسة التنظيم وأفكاره الهدامه وخططه التخريبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *