السياسة كما تفهمها إيران

 

 

فاروق يوسف

ليس هناك اليوم متسع للتفاوض بعد أن صار على إيران أن تعود إلى حدودها الإقليمية. وهو ما يعني أن إيران ستمنى بهزيمة ثانية، بعد أن هزمت في تصدير ثورتها إلى العراق في ثمانينات القرن الماضي.

 

بعد ثماني وثلاثين سنة، هي عمر النظام الإيراني الحالي، صار واضحا أن إيران تملك مشروعا سياسيا متشعب السبل والأهداف، لا يحيد عن خطه الرئيس الذي يمكن تلخيصه بالهيمنة على المنطقة بشكل مباشر، أو عن طريق الترهيب.

 

الغريب أن إيران لم تلجأ إلى استعمال تقنية التقية في إخفاء مشروعها. ألم يكن مسعاها إلى تصدير ثورتها إعلانا صريحا عن البدء بذلك المشروع الذي تحتاجه الجمهورية الإسلامية من أجل استمرارها في البقاء؟

 

لم يكن من الصعب على النظام الإيراني أن يغطي مشروعه السياسي بخيمة طائفية تصدر عنها مختلف أنواع اللطم والبكاء والندب والعويل والنواح، فهو لم يخرج في ذلك عن إطار تقليد يعيشه الإيرانيون جزءا من حياتهم اليومية، من غير أن يلزمهم بشيء يذكر.

 

ملحدو إيران يبكون حين يرد على مسامعهم ذكر واقعة الطف بكربلاء.

 

ذلك التقليد الشعبي الناعم في إيران تحول في العراق ولبنان، بدفع من العقيدة السياسية، إلى ستار يمتزج خلفه شهيد الطف الذي هو الإمام الحسين بالذئب الجريح الذي هو إيران.

 

ما يجب أن نعترف به أن إيران نجحت في مزج الدين بالسياسة بطريقة سلسة، وهي طريقة تمت من خلالها برمجة العواطف الإنسانية بكل ما يمكن أن يخالطها من سلوك رث، بحيث تبدو كما لو أنها واجهة لقضية محقة.

 

غير أن اللعبة التي نجحت من خلالها إيران في استغفال الشيعة العرب لم تكن لتنجح لولا تقاعس العرب أنفسهم في إدراك المغزى السياسي الذي ينطوي عليه وجود نظام مرائي ومخاتل مثل النظام الإيراني.

 

شيعية النظام الإيراني لم تكن سوى رسالته إلى العالم العربي، ولا معنى لتلك الرسالة بالنسبة للعالم الخارجي. لقد عرفت إيران كيف تميز بين خطابها الطائفي الموجه إلى أتباعها المفترضين وبين خطابها السياسي الموجه إلى الغرب أساسا.

 

بعقل ثعلب وجسد ذئب كانت إيران تذهب إلى هدفها.

 

لم تكن في حاجة إلى دهاء استثنائي في إحكام سيطرتها على العراق. كان العراق بمثابة الغرفة المعتّمة التي تُطبع فيها الصور المستعارة من تاريخه. وهو ما سهل على الولايات المتحدة الأميركية التخلي عن جزء من مسؤولياتها لإيران في سبيل إخضاع العراق.

 

كان التفاهم الأميركي-الإيراني، يومها، قائما على أساس تقاسم مقنع للطرفين. الأرض لأميركا، والشعب لإيران. وهو الاتفاق الذي جرى تطبيقه. إلا أن إيران، وقد أغراها تمددها في العراق، وجدت أنها في ظل التراخي الأميركي ستكون في حل من الالتزام بذلك الاتفاق، فمدت أذرعها بكل اطمئنان إلى سوريا واليمن، ناهيك عن تغلغلها في لبنان من خلال صنيعتها حزب الله.

 

أثناء سنوات قليلة استهلك النظام الإيراني كل التسهيلات الأميركية في ظل غياب عربي تام، ليتطلع مندفعا بشهوته الإمبراطورية إلى تصدير الثورة، وهي قناعه العقائدي، إلى أماكن أخرى من العالم العربي.

 

لقد خُيل للإيرانيين أن اختراقهم لتلك الأجزاء من العالم العربي سيقوّي قدرتهم التفاوضية مع الغرب. وهي فكرة تنم عن حكمة لولا أن الطيش الأميركي فاجأهم بالرئيس الجديد دونالد ترامب، وهو ما عجل في اندثار الجزء الأكبر من آمالهم.

 

السياسة كما فهمها الإيرانيون لن يكون لها محل من الإعراب في سياق المشروع السياسي الأميركي الجديد.

 

ليس هناك اليوم متسع للتفاوض بعد أن صار على إيران أن تعود إلى حدودها الإقليمية. وهو ما يعني أن إيران ستُمنى بهزيمة ثانية، بعد أن هُزمت في تصدير ثورتها إلى العراق في ثمانينات القرن الماضي. تفهم إيران السياسة بطريقة الأخذ. صار عليها اليوم أن تعطي. وقد يكون المطلوب منها أكبر من قدرتها على العطاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *