شوان زنكنة يكتب | منتدى دافوس 2023

عراقيون|مقالات رأي

التقى قادة العالم وممثلي الحكومات والنخب الاقتصادية يوم 16/ 1/ 2023 في مؤتمر دافوس 2023، في وضع يعاني العالم فيه من أزمة مزدوجة ضربت الاقتصاد العالمي، بدأت بجائحة كورونا في 2020، التي ما يزال العالم يعاني منها، ومن ثَمَّ لحقتها الحرب الأوكرانية في شباط 2022، والتي ما تزال تعيق تعافي الاقتصاد العالمي، وتشلّ مفاصله.
وينعقد المؤتمر هذه السنة في ظل وضع جيوسياسي واقتصادي معقد جدا، إذ ساهم وباء كورونا، والخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والهجوم الروسي على أوكرانيا، وأزمة التضخم في تزايد الانشقاقات الجيوسياسية وتصاعد السياسات الحمائية، وقد دعا هذا الوضعُ البعضَ على التساؤل حول مستقبل العولمة التي تُشكِّلُ منذ نصف قرن محورَ فلسفة دافوس.


وتَميّزَ هذا المؤتمرُ عن سابقاته بتمثيل أكبر لقارتي أفريقيا وآسيا على حساب أميركا وأوروبا، بالإضافة إلى تمثيل عربي ضخم بقيادة كل من السعودية والإمارات، ويشارك في فعالياته التي تُقام سنويا نحو 3000 شخص ثلثهم من رجال الأعمال وممثلي الشركات الكبيرة، وقد شارك في هذا المؤتمر 116 مليارديرا، منهم 18 مليارديرا أوروبياً، و33 مليارديرا أمريكيا، و13 مليارديرا من الهند، مع ارتفاع ملحوظ في أعداد المليارديرات من دول الخليج، في حين غاب عن المؤتمر مليارديرات روسيا والصين، وهو ما يعكس الوضع الأيديولوجي للمؤتمر، ويُثبت أنه أحد أدوات تيار العولمة المناهض للتوجهات الوطنية والقومية.
ويُلاحَظ، أن قائمة المشاركين من المليارديرات لهذا العام تختلف بشكل لافت عن قوائم السنوات السابقة، مما يعكس الاضطرابات العالمية التي أعادت تشكيل الثروات، وغيرت مراكز القوى وسط النزاعات والوباء وارتفاع التضخم، وخسائر الأسهم في البورصات.
تمّ تأسيس ملتقى دافوس عام 1971م من قبل أستاذ الاقتصاد الألماني كلاوس شواب، بهدف مُعلَن، وهو تشجيع التجارة والاستثمارات على الصعيد العالمي. ويبحث مؤتمر دافوس، عادةً، أبعاد الاقتصاد العالمي وتأثيرات الحروب والأوبئة والتغير المناخي على فرص النمو والازدهار.


وينعقد مؤتمر الاقتصاد العالمي في دافوس هذا العام خلال الفترة من 16 وحتى 20 يناير تحت شعار “التعاون في عالم منقسم”، وهو شعار يشير إلى المحاولة اليائسة، في قناعتي، لإحياء ما تبقّى من مفهوم العولمة الذي مزّقته الصراعات الجيوسياسية العالمية. إذ تدور أعمال المؤتمر وسط مخاوف أطلقها كبار رجال الأعمال والساسة من أنحاء العالم، والمشاركين في أعماله، من أزمة حادة في معيشة الدول النامية، وارتفاع في نسب التضخم، والبطالة، وتزايد في احتمالات الركود، وتنافس وصراع بين الاقتصادات الكبرى، والتي تهدد بحرب هجينة، قد تسخن باستخدام الآلة العسكرية.


وصدر عن المؤتمر تقرير هام بعنوان: “تقرير المخاطر الاقتصادية العالمية 2023” والذي يحذّر من “عاصفة اقتصادية” تدفع الدول الناشئة، إلى مزيد من المعاناة، في ظل أزمات ديون خانقة وعدم قدرة الحكومات على توفير التمويل والاستثمارات اللازمة للنمو، ووقوعها فريسة للقروض، ما يحول دون قدرتها على توفير الثقة لدى المستهلكين والحد من اضطرابات الأسواق، بما يهدد بوقوع انفجارات سياسية. ويمكن إيجاز هذه المخاطر بما يلي:


1- أزمة تكلفة المعيشة: إذ يَتوقّع المشاركون أن تحدث على مدى العامين المقبلين أزمة في تكلفة المعيشة (الغذاء والسكن والطاقة)، والانكماش الاقتصادي، والحرب الجيواقتصادية، وفجوة بالعمل المناخي، والاستقطاب المجتمعي.


وذكر التقرير أن “أزمة تكلفة المعيشة” ستكون أعظم خطر عالمي على مدى العامين المقبلين، وتبلغ ذروتها على المدى القصير، لتسبب تآكل التماسك الاجتماعي والهجرة القسرية واسعة النطاق، والمزيد من الركود والاختلاف والضيق.


2- أزمة ديون وفائدة مرتفعة: بيّن التقرير أن الديون ستساهم في التشرذم الاقتصادي العالمي والتوترات الجيوسياسية، وإعادة هيكلة صادمة في ضائقة الديون على نطاق واسع، للسنوات العشر المقبلة، كما توقع الخبراء نهاية عصر أسعار الفائدة المنخفضة، وسيترتب على ذلك أن تشعر المجتمعات الضعيفة والدول الهشة بآثارها السيئة، مما يساهم في ارتفاع الفقر والجوع وعدم الاستقرار السياسي، وحتى انهيار الدول.


3- أزمة الحماية الاجتماعية: أشار التقرير إلى أن العصر الاقتصادي الجديد الناتج عن الاختلاف المتزايد بين البلدان الغنية والفقيرة هو أول تراجع في التنمية البشرية منذ عقود، وهو ما يتطلب توازناً من الحكومات بين حماية شريحة واسعة من المواطنين، من أزمة تكلفة المعيشة دون تضمين التضخم وتلبية تكاليف خدمة الديون، حيث تتعرض الإيرادات لضغوط من الانكماش الاقتصادي والانتقال العاجل إلى بيئة جيوسياسية مستقرة ومستدامة.


4- أزمة مخاوف الحروب: يحذر التقرير من نتيجة التشرذم الجيوسياسي بأن يؤدي إلى الحروب وزيادة خطر نشوب صراعات متعددة المجالات، إذ أصبحت الحرب الاقتصادية هي القاعدة، مع تزايد الاشتباكات بين القوى العالمية، وتدّخل الدول في الأسواق، على مدى العامين المقبلين، واستخدام سياسات اقتصادية دفاعية، لبناء الاكتفاء الذاتي والسيادة من القوى المتنافسة، والتوسع بها في شكل هجومي لتقييد صعود الآخرين، وضمان الحماية الذاتية.


5- إمدادات الحبوب العالمية: وهي رهينة لحرب أوكرانيا، كما يذكرُ التقريرُ، إذ يُتوَقَّعُ أن تطول هذه الحرب، فتتعرض إمدادات الحبوب للانقطاع.
وتوقّع التقرير أن تؤدي أزمة إمدادات الطاقة والإمدادات الغذائية، وارتفاع التضخم، إلى توسيع تأثير أزمة الغلاء، عبر المجتمعات بما يضر بسبُلِ عيشِ أوسعِ شريحةٍ من السكان، ويزعزع استقرار المزيد من اقتصادات العالم، وخاصة المجتمعات الضعيفة تقليديا والدول الهشة.
ويُعتبَر هذا المنتدى أحد الأدوات الهامة لتيار العولمة، إذ يحضره عدد كبير من قادة ورجال الفكر والسياسة والاقتصاد في العالم، ليضعوا الصورة الجيوسياسية، والجيواقتصادية لمستقبل العالم المنظور، لذلك أوصي بمتابعة أعمال هذا المنتدى والتوصيات المنبثقة عنه، فهي قد تشير إلى نظام عالمي جديد، ودور العولمة فيه، في ظل الانقسامات الحاصلة، ونمو الحركات القومية، وتقاطع مصالح القوى الفاعلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *