مقترح لحظر الحجاب في مدارس الدنمارك …

عراقيون/متابعة

عادت الأحزاب الدنماركية إلى إثارة قضايا الهجرة والاندماج مع تصاعد الحديث عن انتخابات مبكرة، فرغم ارتفاع معدلات التضخم وزيادة تكاليف المعيشة، يبرز حالياً سجال حظر الحجاب في المدارس.

يتخذ مؤيدو حظر الحجاب في المدارس من الحظر الفرنسي له نموذجاً لطرح إمكانية تطبيقه عبر تشريع، وفرضه على المدارس. بالنسبة لهؤلاء لا يهم إن كان هذا الطرح قديماً، إذ طرحه اليمين القومي الشعبوي في عام 2016، وقوبل حينها برفض من معظم الأحزاب، لكن تبدو الحماسة لطرحه مجدداً أكبر مما كانت عليه قبل 6 سنوات. 
ولاتزال مواقف الليبراليين والمحافظين أكثر ترددا في تأييد حظر غطاء الرأس في المدارس، باعتبار أنه تدخل في أمور شخصية لا تتطلب تشريعات. في المقابل يبدو اليمين المتشدد، وخصوصاً حزب وزيرة الهجرة السابقة، إنغا ستوييبرغ، “ديمقراطيو الدنمارك” أكثر حماسة. لكن اللافت أن يسار الوسط الحاكم، يعتبر الطرح “مثيراً”.
لم تكن مقترحات حظر الحجاب في المدارس الإبتدائية مفاجئة، بل جاءت في سياق توصيات “لجنة نضالات المرأة المنسية”، والتي شكلتها الحكومة في وقت سابق من هذا العام، لفحص ما يسمى “السيطرة الاجتماعية للفتيات والنساء في مجتمعات المهاجرين”. 
من بين توصيات كثيرة للجنة التي يفترض أن تقدم تقريرها النهائي خلال العام القادم، تلقفت وسائل الإعلام والقوى السياسية التوصية الخاصة بحظر غطاء الرأس الإسلامي في المدارس الإبتدائية، وركزت عليها مقارنة بالتوصيات الثماني الأخرى، ومنها خطط طوارئ للبلديات ضد الرقابة الاجتماعية المتعلقة بالشرف، واستخدام أفضل لموارد التمريض للوصول إلى عائلات الأقليات العرقية، والعمل على دورات في التربية الحديثة للأمهات من تلك الأقليات، وتعديل حصص الديانة المسيحية في المدارس لتجنب إعفاء غير المسيحيين منها، وتعزيز التربية الجنسية في المدارس الإبتدائية، وكذا تشديد الرقابة على المدارس الإسلامية المستقلة.
لم تثر القضايا الأخرى ما أثاره مقترح حظر حجاب الصغيرات من سجال، إن على مستوى الأحزاب أو المتخصصين في سلك التعليم والتربية، فإلى جانب اعتراض بعض أقطاب اليسار ويسار الوسط على فرض الحظر بقانون، اعتبر مديرو مدارس ابتدائية، وكذا نقابة المعلمين، أنه سيكون من الصعب عليهم تطبيق نزع الحجاب عن رؤوس الصغيرات.
وتعتبر زعيمة حزب راديكال فينسترا (يسار وسط)، صوفي كارستن نيلسن، أنّ المقترح بمثابة تدخل من قبل الدولة لفرض ما يجب أن يرتديه الناس، مشددة في الوقت ذاته على أنّ “إجبار الفتاة على ارتداء الحجاب أمر مبالغ فيه. لكنّ إذا كانت الدولة هي التي تجبرها على نزعه، فهذا أيضاً اعتداء”.
في المقابل، أبدت الزعيمة الروحية ومؤسسة حزب “الشعب الدنماركي” المتشدد، بيا كيرسغورد، حماسة كبيرة لمقترح الحظر بقانون، قائلة إنه “من غير المفهوم تماماً أن نرى فتيات تتراوح أعمارهن بين 8 و10 سنوات يرتدين الحجاب”. 
وجدير بالذكر أن أغلب النقاشات المتخصصة بمسائل حقوق المرأة المسلمة في الدنمارك لم تستطع تقديم إحصائية توضح العدد الذي تستهدفه تلك التوصية بحظر الحجاب، في ظلّ غياب أرقام حول أعداد الصغيرات المحجبات.
يأتي ذلك في وقت ارتفعت فيه أصوات تربويين يرون أنّ النموذج الفرنسي “جرى احترامه كقانون من المسلمين” لكن ما حدث على أرض الواقع كان عكس الهدف “فقد غادرت كثيرات من الفتيات المسلمات المدارس الحكومية، والتحقن بمدارس خاصة، ما يعني نتائج عكسية لمساعي الدمج الأفضل”.

ويخشى هؤلاء أن تبني حظر الحجاب على الصغيرات ربما يشكل مقدمة للمتحمسين لحظره في سوق العمل الدنماركية، إذ تتعالى بالفعل أصوات لمنع المحجبة من العمل إذا أصرت على ارتداء غطاء الرأس. لكن تبني الحظر يحتاج إلى أغلبية برلمانية لتمريره كقانون، وهذا غير ممكن حالياً، لكنّه ربما يكون ممكناً بعد الانتخابات القادمة. 
وأوردت وسائل الإعلام المحلية مواقف العديد من المسلمين المعارضين للتوصية، وبرز موقف الممثلين الرسميين لمسلمي الدنمارك في هذا الاتجاه، والذين اعتبروا أنّ “المنع لن يساهم سوى في وصم المسلمين، وإثارة الغضب ضدهم”. 
واصطدم معسكر التشدد حيال قضايا المسلمين، ومن بينها ختان الصبية، ومنع الذبح على الطريقة الإسلامية، في السابق بمعارضة الطائفة اليهودية الدنماركية، والتي اعتبرت أن ذلك قد يمس بها مستقبلاً، ومثلما كان الموقف من القضيتين السابقتين، سارعت الطائفة اليهودية إلى إبداء معارضتها للمقترح، وعبرت في بيان صحافي، عن “الدهشة من هكذا مقترح لا يقوم على تقديم حقائق وتقييمات لأثره”.

واعتبر ممثلو يهود الدنمارك أنّ اللجنة “تصنف جميع الفتيات المحجبات على أنهن ضحايا لحاجات آبائهن للظهور بمظهر  المحترمات في الأوساط الاجتماعية، وهذا وصم غير مقبول على الإطلاق للفتيات المسلمات، ولأسرهن، ويتجاهل تماماً الأسباب الدينية لارتداء الحجاب”. 
ويعتبر نفوذ اليهود كبيراً في كوبنهاغن قياساً بحجمهم العددي، ويستمع المشرعون والأوساط السياسية إلى ما يصدر عنهم، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالقضايا السجالية التي يمكن أن تشملهم.
وعادة ما يعتبر اليمين الدنماركي المتشدد التدخل اليهودي معضلة، إذ في الوقت الذي يريد فيه فرض قوانين صارمة على المسلمين، يصطدم بأنّ ما يستهدفه تمارسه الطائفة اليهودية، في حين تتعالى أصوات حقوقية محذرة من أنّ القوانين التي تخصص لاستهداف جماعة دينية أو عرقية بعينها تنتهك قوانين حقوق الإنسان الأوروبية، وبعضها يصل إلى حافة ممارسة التمييز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *