تراجع السنة السياسي هزيمة أم فخ لاستنزاف الإسلام الشيعي    أسعد البصري  

 

السعودية تعرف جيدا بأن المشكلة المركزية هي العراق، فقد أصبحت هناك دولة مركزية ذات ثراء طبيعي وحضاري متحالفة مع إيران.

 

قال تقرير للمخابرات الأميركية، نشر الاثنين الماضي، إن مخاطر نشوب صراعات ستزداد خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وستصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ الحرب الباردة نتيجة تآكل نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية والنزعات القومية الناجمة عن معاداة العولمة. تحدث التقرير عن عوامل وصفها بأنها ستشكل “مستقبلا قريبا قاتما وصعبا” يشهد زيادة جرأة روسيا والصين.

 

في مقال نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية يوم الجمعة الـ 6 من يناير 2017، أكد الكاتب الصحافي الأيرلندي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط باتريك كوكبيرن على أن حلم المملكة العربية السعودية في الزعامة العربية والإسلامية قد تبخّر. وذكر أن هناك انتشارا للنفوذ الإيراني على حساب المملكة، حتى أنه خلال آخر اجتماع لمنظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك»، وافق السعوديون على خفض إنتاج النفط الخام، في حين زادت إيران من إنتاجها، وهذا يعني منح إيران نوعا من التقدم الاقتصادي وزيادة وارداتها.

 

رأى المستشرق الإسرائيليّ، البروفيسور مردخاي كيدار أن من أهم أسباب انتشار النفوذ الإيراني هو انهيار التحالف بين السعودية وتركيا، بعد أن نجح بوتين في ترويض أردوغان، وتركيعه وإجباره على التوقف عن مساعدة المعارضة المسلحّة بسوريا.

 

وقد سمعنا مؤخرا السفير العراقي بالقاهرة حبيب الصدر يؤكد أن الاتفاقية التي وقعتها حكومة بلاده مع مصر لإمدادها بمليون برميل شهريا من نفط البصرة الخفيف ستدخل حيز التنفيذ خلال الأيام القليلة القادمة. كمية قابلة للزيادة وبشروط دفع ميسّرة. ولم يخفِ السفير أن هذا بسبب التقارب السياسي بين البلدين بعد أن قطعت شركة أرامكو السعودية مساعدتها النفطية إلى مصر.

 

المملكة مهتمة بإصلاحات شاملة خصوصا في الخطاب الديني قبل وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الـ20 من يناير الجاري وتتخذ خطوات جريئة. عام 1995 أرسلت رسالة إلى أقاربي بالسعودية هنأتهم فيها بالسنة الميلادية الجديدة، فجاء الجواب بصيغة توبيخ. كيف تهنئ المسلمين بعيد النصارى والكفار؟ اليوم كل مشايخ السعودية يهنئون العالم وأنفسهم بأعياد الميلاد ويقولون هذا شيء جيد.

 

الشيخ صالح المغامسي مثلا يدعو إلى الحزن على ضحايا ملهى رينا التركي وحّذر من التشفّي بهم، والشباب السعودي بين مرحّب وساخر وهناك مَن كتب له على تويتر “يبدو أن الشيخ من رواد ملهى رينا” ويستشهدون بالآية “ولا تأس على القوم الفاسقين”.

 

أهم شيء أن ينجح المشايخ في السعودية بإعادة تفسير الآيات القرآنية على نحو يتوافق مع قيم العصر والقوانين ولا يتركوا مجالا لعبث المتطرفين. من الآيات التي كان خطيب الدواعش أبو محمد العدناني يرددها كثيرا في خطاباته حتى قتل “وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين. أم حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ”.

 

وكذلك يستشهد المتطرفون في إصداراتهم بالآية “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَة”. استنزاف لأموال العراق ومستقبل البلاد باسم الدين هدر المليارات من الدولارات. عرض الدواعش في إصداراتهم الأخيرة قتيلا لهم نجح في تفجير أربعين دبابة أبرامز، ويقولون بلا خجل إن سعر الدبابة الواحدة 9 ملايين دولار.

 

الفائدة الوحيدة التي حصلت عليها السعودية من ظهور داعش وانهياره هي أن الشعب قد رأى بوضوح مصير البلاد لو حكمها السلفيّون المتطرفون، ولكن العراق لم يستفد شيئا. وبعد تحرير الموصل قد يعود هؤلاء للتفجير ببغداد وجمع الإتاوات بالقوة من التجار السنة، لهذا هناك مشروع شيعي صارم لكسب الشباب في المدن المحررة.

 

السعودية والعراق وإيران هي من الدول العشر الأغنى بالموارد الطبيعية في العالم. السعودية باحتياطي يقدر بـ33.53 تريليون دولار، وإيران بـ28.15 تريليون دولار، والعراق بـ14.94 تريليون دولار. الشيعة يريدون حياة رفاه مثل السعودية، فقد نجحت المملكة بينما فشلوا هم، ولم يتذوقوا طعم الرفاه.

 

مشكلة السعودية مع حلفائها هي أنها تريد منهم أن يروا بلادهم بعيونها، وهذا صعب. مثال على ذلك هل داعش خطر كبير على السعودية؟ الجواب كلاّ لأنه شعب سنيّ متماسك ولا يوجد شحن مذهبي. هل إيران خطر كبير على سنة العراق؟ كيف يكون الخطر والسنيّ مجرد نازح في خيمة والحاكم شيعي؟ الخطر الحقيقي على سنة العراق هو داعش. أما خطورة إيران فتخص الحاكم الشيعي العراقي ولا تخص المواطنين العاديين. هناك 2000 مواطن عراقي يفرون من الموصل يوميا في ظروف حرب دموية، هذا هو الخطر الذي يهددنا.

 

في مقال بعنوان “تحديث وطنية الشيعة” تحدث كاتب سعودي عن لمحة خطيرة. السنة يقولون لمواطنيهم الشيعة لماذا نعلن البراءة من إرهابيينا بينما أنتم لا تعلنون البراءة من إرهابييكم؟ وهذا يعكس التساؤلات والتحديات التي تمر بها البلاد.

 

السنة عموما في ظرف حرج؛ فإذا الثورة السورية التي كلفتنا عشرة ملايين نازح سوري و300 ألف قتيل، اكتشفنا فيما بعد بأنها في سبيل أنبوب غاز قطري وحرب طاقة، وإذا أردوغان ينقلب ويتحالف مع روسيا ويخذل السوريين، وإذا الثورة العراقية ينقلب زعماء المنصات والاعتصامات فيها إلى الحكومة العراقية، بينما النصف الآخر هرب وصمت. لقد تَرَكُوا الشعب لمنظمة إرهابية عالمية غامضة. وإذا سنة العراق وسوريا مجرد حائط صدّ ضد التمدد الشيعي؛ فإن الإسلام السني بهذا قد غامر بنفسه.

 

لو تراجع الحروب الكثيرة بين الصفويين والعثمانيين والأوزبك والمغول والمماليك منذ القرن السادس عشر، ستكتشف بأنها حروب سياسية عقلانية، حتى لو كان التدافع الديني يستخدم كوسيلة إضافية لإثارة مشاعر الشعوب.

 

لكن الصراع أساسا بين دول وملوك. السؤال الذي يقفز إلى ذهني لماذا الحرب التي خاضها العرب عندما اجتاحوا إيران في القرن السابع الميلادي أدت إلى تحول في الدين والهوية الإيرانية؟ لأنها ليست معركة سياسية بل في سبيل الله وجهاد ونشر للدعوة.

 

هذه القضية لم تظهر في التاريخ الوسيط على الإطلاق، كان هناك تخوف من إثارة هذه القضية. حتى الدولة العثمانية حين احتلت مدنا في أوروبا كان احتلالا سياسيا ومعركة نفوذ، ولم تجبر رعاياها النصارى على الإسلام. لأول مرة في التاريخ الحديث يظهر شيء مشابه للدعوة الإسلامية والجهاد هو داعش. صحيح أن الحركة الوهابية مشابهة نوعا ما، لكنها بقيت في الجزيرة وتم احتواؤها ضمن بيئة جغرافية عربية وسنية وبدوية. المشكلة في داعش أنها نسخة جهادية معاصرة وفي بيئة متنوعة. الأمر الذي يهدد هوية السنّة في العراق بعد داعش.

 

المعركة الحقيقية ضد داعش هي في العراق لأن هناك انقساما مذهبيا حادا. ففي ليبيا مثلا قلوبنا مع الجنرال حفتر ضد داعش، قضية بسيطة جدا لا تحتاج إلى موقف ومشاعر وانقلاب وجداني لماذا؟ لأن الجنرال حفتر سنيّ، وكذلك نحن مع الرئيس عبدالفتاح السيسي بسهولة ودون جهد ضد الدواعش في سيناء لنفس السبب. لكنك تحتاج مجهودا من نوع خاص لتأييد الشيعة ضد داعش. هذا التأييد يعتبر انتصارا للنفوذ الإيراني وميليشيات طهران على حساب السعودية.

 

الدرس الذي تعلمناه من الحرب العثمانية الصفوية التي استمرت لقرون طويلة في العصور الوسطى هو أنه لا تمكن هزيمة إيران هزيمة نهائية. هذا شبه مستحيل. كما لا يمكن لإيران التمدد أبعد من حدودها الطبيعية، فكلما فعلت ذلك تفشل. المشكلة تكمن في العراق فقط لا غير، فهنا خليفة داعش أبوبكر البغدادي الذي يقاتل حتى الموت في الموصل وهنا رأس المشكلة، لأن العراق يقع ضمن النفوذ الإيراني تاريخيا والدولة العثمانية تقاسمت النفوذ على العراق مع الدولة الصفوية. فقد سقطت بغداد مرتين تحت النفوذ الصفوي. أعتقد أن إيران قد تفشل في كل مكان غير أن فشلها في العراق صعب.

 

السعودية تعرف جيدا بأن المشكلة المركزية هي العراق، فقد أصبحت هناك دولة مركزية ذات ثراء طبيعي وحضاري متحالفة مع إيران رغم أنها عضو في الجامعة العربية، دولة مؤثرة تستطيع منح مصر والأردن مساعدات بترولية ولا تتردد بتحدي الإرادة السعودية. نوشك على نهاية داعش في العراق والسنّة غير راغبين بهدم بيوتهم مجددا، بعد أن رأوا حجم وثقل الشيعة السياسي في العراق.

 

المملكة دولة ذات خبرة سياسية تمتد لقرن من الزمان، وهي ليست خصما سهلا، على السيد علي خامنئي أن يفكر الآن هل تراجع السنّة السياسي في المنطقة هو فعلا هزيمة أم أنه فخ لاستنزاف الإسلام الشيعي والقضاء عليه في النهاية؟

 

كاتب عراقي

أسعد البصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *