الأزمات المائية في العراق تشابك بين تغير المناخ والعدالة المائية والإنصاف ونمط العمران.!؟

“إعادة عمران مدينة الموصل وشحة مياه نهر دحلة مثالاً”

رمضان حمزة

العراق بحاجة ماسة الى تبني الاتجاهات الحديثة والذكية في إستخدامات المياه وكذلك البدء بتحديث الأطر المناسبة للبيئة في نمط البناء، وتسليط الضوء وبجدية اكبر على قطاعات البنية التحتية للمياه والعمران، مدينة الموصل (لا سيما الجانب الأيمن من المدينة) الذي تعرض الى دمار وخراب شديدين في الفترة السابقة لها تاريخ يعود عمرها إلى أجيال ماضية، تمدد لمئات السنين، وهي تخبئ بين جدرانها تاريخ هذه المدينة العريقة، وتسكنها العائلات الموصليّة الأصيلة. ونهر دجلة الذي يقسمها الى جانبين هم الأيمن والأيسر، يعدُ هذا النهر روح مدينة الموصل ، كون مدينة الموصل تحاذي نهر دجلة على مسافة أربعة كيلومترات تقريبا. والمدينة القديمة تعرف بأنها قلب الموصل، الذي توسعت منه المدينة لتكون المدينة العراقية الثانية في عدد السكان.

ومن هنا نرى بان لا يتم إعادة البناء والعمران بطرق تقليدية،  بل أن يتم تحديد المتطلبات الجديدة من حيث التصميم والمواد والمعدات والتكنولوجيا ، وفهم التحديات التي لم يتم حلها بخصوص أزمات المياه المتفاقمة. ونهر دجلة تشهد  حالة من الشحة والندرة مالستمرة بسبب إستحواذ دولة تركيا على مياه هذا النهر ، وكاد سدُ الموصل يخرج من الخدمة تماماً إذا بقى الحال هكذا  وأستمر قلة الواردات المائية  الى هذا السد من تركيا ، لذا هناك ضرورة ملحة للبدء بالخطوات الاساسية بمسالة حل مشكلة المياه  ولضمان خزين إستراتيجي في خزان سد الموصل لإستمرار الحياة في نهر دجلة وبالتالي إعادة الحيوية لمدينة الموصل ، ويجب ان تكون ذات الأولوية لضمان ممارسات الترشيد والاستهلاك للمياه من خلال الادارة الرشيدة ، مع استخدام وسائل العمران الأسرع وأكثر كفاءة ومنها الطرق والنقل الجماعي الحضري والأنفاق والجسور والمطارات والبنية التحتية للمرافق العامة ونقل الطاقة، وإدارة النفايات والطاقة والنفط والغاز كلُ ذلك يكون اولاً بتمويل وتحديث البنية التحتية وضمان مصادر المياه. وأن يكون إعمار مدينة الموصل مثالاً لهذه التطبيقات ،كون إهادة العمران فرصة للتوجة الى نمط جديد  في ظل إجتياح تغيرات المناخ المنطقة ومنها العراق، كون تغير المناخ يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن المائي في العراق وبالتالي خطورة على إستمرار الحياة غي البلد ، إذ إن مدينة الموصل فيها من التاريخ والعراقة ما يشد الإنسان إليها كونها مركز حضارة وإشعاع. وكون المدينة فيها عشرات المعالم التاريخية الإسلامية والمسيحية واليهودية، ولعل أبرز معلم تاريخي في المدينة هو الجامع النوري الكبير ومنارته الحدباء، التي بنيت في العهد الأتابكي، ودمرت عام 2017 خلال الحرب.

ولأن ارتفاع عدد السكان والأهمية الاقتصادية للزراعة للبلد. وكون الموصل سلة غذاء العراق ، لذا يتطلب دراسة التوقعات المتوسطة والبعيدة الأجل لكل من إمدادات المياه من تركيا وكذلك ايران والمتوفر من المياه السطحية والجوفية في داخل العراق ، والطلب الكبير والمتزايد عليها للشرب والزراعة والإستخدامات الاخرى. في إطار مجموعة متنوعة من سيناريوهات تغير المناخ. منها معايرة النموذج الهيدرولوجي والموازنة المائية، وتقييم التربة وتخليصها من الملوحة ، لأن التوقعات  تشير إلى تزايد الفجوة بين العرض والطلب على المياه، ومع تزايد الطلب والتباين  الكبير بين السنوات الرطبة واخرى جافة ، كلُ هذا يثير مخاوف جدية بشأن الأمن المائي في العراق على مدار الثلاثين عامًا القادمة على وجه الخصوص ، ومن المرجح أن يواجه  العراق وخاصة مراكز المدن الكبيرة نقصًا كبيرًا وحاداً في إمدادات المياه. هذا يتطلب معالجة الطلبات المتنافسة على موارد المياه المتناقصة باستمرار وصياغة وتنفيذ استراتيجيات فعالة لتخصيص المياه لمختلف الإستخدامات وفق اساليب حديثة وغير تقليدية ، والتي تدمج الاعتبارات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. يمكن استكشاف حلول جانب العرض والطلب ، بما في ذلك  إعادة تأهيل مملحة الثرثار وبناء خزانات السدود لالتقاط ذروة التدفقات من السيول. وتوسيع مزيد من الدراسات لتشمل اعتبارات تطوير مستجمعات المياه والتعديلات على استخدام الأراضي وخاصة في السهل الرسوبي في ظل تغير المناخ وتحكم دول التشارك المائي للعراق وسوء ادارة مسألة المياه في العراق.

مما يدفع العراق الى تبني السياسات المائية ذات البعد الإستراتيجي والتي يمكن أن تكون مصدر للحلول وتجعل قيمة المياه تتجاوز الإقتصاد وتساعد لتوفير العدالة للمجتمعات، وأن لا تعتمد سياسات وقتية ولحظية بل أن تكون سياسات العراق المائية توظيف التكتيك للبعد الإستراتيجي على سبيل المثال لا الحصر إستغلال  العراق للتراكمات الثلجية الكبيرة في أعالي حوضي دجلة والفرات والتي تقرُ مبدأ تقاسم المنافع مع تركيا وليس تقاسم الأضرار، فهذه التراكمات للثلوج فرصة للعراق قد لا تتكرر كثيراً بسبب التغيرات المناخية مما يعرض فرصة للعراق بمطالبة تركيا وايران بزيادة الإطلاقات المائية من حصص العراق المائية المحجوزة في سدودهم الخزنية .

فكوكب الأرض لا ينفد من المياه ، ولكن هناك إجهاد مائي في بعض المناطق وخاصة عندما يكون هناك منافسة على موارد المياه بين دول أعالي الأنهار”المنبع” تركيا وايران ودول المصب “العراق”، لذلك يجب أن لا تكون المياه مشكلة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، بل أن يكون الماء جزءاً من الحل، لأن المياه بطبيعتها يمكن أن تدعم الجهود المبذولة للتكيف مع تغير المناخ .وإستدامة التنمية والسلام، وأن يتم إصلاح الملف المائي بتوفير إدارة جيدة تتسم بالحوكمة الرشيدة، إلى جانب التمويل المالي.

وكجزء من معالجة الأزمات المائية في العراق هو أن يتم اللجوء إلى مصادر غير تقليدية مثل تحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي لإعادة استخدامها، دون اللجوء إلى إستنزاف مصادر المياه الجوفية كحفر الآبار المائية… ولكن قبل كل هذا يجب السيطرة والتحكم بمسارب الهدر والسرقة والتجاوزات، وإصدار قرارات قابلة للتنفيذ تحارب الفساد، كون الفساد هو المسؤول الاول عن عدم إصلاح البنية التحتية لمشاريع المياه وعدم تحديث منظومة الري والزراعة وعن الهدر وقلة عدالة التوزيع. ويمكن أن نقول باختصار بان من حلول إدارة المياه  تجنب “ثلاثة خطوط حمراء” وعدم تجاوزها – منها الإستهلاك والكفاءة والتلوث – للتحول من نظام “ادفع لتلوّث” إلى “الملوّث يدفع”.

وبالتالي هذا سيحقق العدالة المائية والإنصاف في الوصول إلى المياه في العراق، إذا تم معالجة ما ذكر في أعلاه من منظور منهجي واجتماعي. ومن خلال معرفة كمية ونوعية المياه في العراق بشكل متكامل ، وتأثيرات هذه التبعيات المستمرة على ضمان العدالة الاجتماعية، وأهميتها الثقافية على المستوى المحلي في العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *