من يفكّ هذا اللغز؟ عدنان حسين

 

لا يحصل شيء كهذا إلّا في العالم السرّي .. عالم العصابات  والدويلات والكانتونات التي تتحكم بمقاديرها عصابات، حيث المصالح والمطامح  والغايات والقرارات متقاطعة ومتضاربة ومتناقضة .

منذ بضعة أيام كتب الوزير السابق ونائب رئيس الجمهورية السابق، عادل عبد المهدي، في مقاله اليومي عن الدول الناجحة والدول الفاشلة، وأوجد لدولتنا الحاليّة مكاناً بين هذين النوعين.. أظنّه قد حكّم قلبه وعاطفته  أكثر من عقله والمنطق، رأفة بقرّائه حتى لا يتفاقم شعورهم بخيبة الأمل والخذلان حيال ما يجري في بلادهم ،  وما يجري لا يحدث في الدول الناجحة ولا حتى في الدول البين بين .. إنه يجري فقط في الدول الفاشلة وفي العالم السرّي للعصابات.

هاكم أحدث واقعة تثبت ما أقول.

هدّد أحد أعضاء اللجنة الأمنيّة  في مجلس محافظة بغداد منذ يومين بمحاسبة الجهة التي نصبت كاميرات مراقبة في العاصمة  كونها نُصبت من دون علم  مجلس المحافظة ومن دون دراسة جدوى بحسب قوله!

على مدى سنتين وأكثر كان موضوع نظام المراقبة الامني في بغداد عبر الكاميرات، مطروحاً على نحو علني، ويستفاد من مجمل التصريحات والتصريحات المضادة في هذا الخصوص أنّ ثمة تقديراً لأهمية وضع هذا النظام المدروس والمقرر شأنه منذ سنوات، وغير مرة أعلن محافظ بغداد علي التميمي أنّ جهات عرقلت إنشاء النظام لأسباب لم يكشف عنها، لكنّ التلميح عنها كان اقوى من التصريح، فثمة جهات لا تريد للأمن أن يستتب في العاصمة، وتعرقل أي مشروع لنشر الكاميرات في شوارع بغداد وساحاتها، فيما هناك جهات أخرى تعرقل لأسباب أخرى تندرج في خانة الفساد الإداري والمالي.

منتصف الشهر  الماضي تنفسنا الصعداء لأنّ محافظة بغداد نجحت أخيراً في وضع النظام الأمني الموعود ، ففي مؤتمر صحافي  حضره  ضباط كبار من وزارتي الداخلية والدفاع ، أعلن المحافظ  التميمي عن إطلاق أكبر مشروع إلكتروني لكاميرات المراقبة في العاصمة، لتأمين شوارع وتقاطعات الطرق ومراقبة حركة السير وتحركات العصابات المسلحة، يضمّ كاميرات مراقبة يصل مدى الواحدة منها إلى نحو ألفي متر، وأكد أن “المشروع عبارة عن منظومة كاميرات مراقبة إلكترونية أمنية حديثة ضمن مواصفات عالمية عالية الدقة، وهو أكبر مشروع للمراقبة الأمنية في العاصمة، وسيوفر معلومات دقيقة لأجهزة الأمن في البلاد”.

ما نعرفه أن بين مكتب محافظ بغداد ومكتب اللجنة الأمنية مسافة أمتار فقط وليس كيلومترات أو أميالاً، لكنّ ما بين تصريح عضو اللجنة الأمنية وبين ما قاله المحافظ مسافة سنوات ضوئية، وهذا لا يحصل لا في الدول الناجحة ولا في الدول البين بين.

السؤال الآن: هل ثمة بُعد يتصل بالفساد الإداري والمالي لهذا التقاطع والتناقض والتضارب بين تصريحات المسؤولين الاثنين في محافظة بغداد؟

والسؤال الأهم: هل خلف موجة التفجيرات الإرهابية التي تضرب العاصمة هذه الأيام يكمن مسعى لمنع التوسع في نظام المراقبة الأمني الجديد وتعطيله لغرض في نفس يعقوب؟

من يفكّ لنا هذا اللغز؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *