محمد صالح البدراني يكتب:الفوضى ليست خلاقة


بدقة لغاية اصغر وحدات الزمكان بما لا يحتويه علم معروف حدث الانفجار الكوني الكبير، وهو ليس بالضرورة كما تصفه نظرية الانفجار الكوني العظيم المعروفة اليوم… ليس انفجارا فوضويا أو عبثيا ولا يمكن أن يصنع النظام من عبث أو فوضى،((أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون))ولنر من وضع نظرية الأوتار والانفجار الكبير ومنها ما نسب بالسياسة إلى وزيرة خارجية الولايات المتحدة، ولكن الحقيقة أن الأمر الصق بها من إعلام منطقتنا الذي يحاول يقوّل ويفلسف كلام الأغراب ويستخف بمفكريه وعلمائه، في حين أنها كانت جملة عابره؛ الخلاصة من هذا الكلام إن ما يحصل في بلداننا ليس عبثيا أو خطة تائهة أو فوضى تخلق شيئا إيجابيا للمنطقة وإنما الذي يجري مخطط بدقة وادوار موزعة لتفكيك المنطقة بصراعات داخلية وبإدارة الصراعات بل استغلال الاندفاع والمشاعر التي تنبع عن عواطف وأمنيات كمصارع يحلم بالفوز وهو قوي عنيد لكن ينقصه الفهم لفنون المصارعة وطرق الخصم، فيندفع ليستفاد الخصم من اندفاعه فيلقيه خارج الحلبة، ثم يتلقاه ويجرجره إلى حيث يريد.


الفوضى
الفوضى في بلداننا ليست وليدة حدث وإنما هي نتيجة طبيعية لمنظومة تنمية التخلف وتسارعها حينما أضحت المنطقة ميدانا لكل الأفكار في العالم من الناجح غير الصالح لها والفاشل الذي يزيدها فشلا، فكانت امة بأحداث مكانها لا تلاءم زمانها وإنما مجموعات استهلاكية طاردة للطاقات البناءة، تدعي ما ليس فيها، ترى كثرة من المنظرين والناصحين الذين لا يقومون بعمل يدعم ما يدعون أو تفصيلا مما يزعمون، وتسير الحياة ولا تكاد هذه البيئة تضيف للمجموعة البشرية شيئا جديدا مكانيا رغم أن طاقاتها الهاربة تنتج وتبدع في بيئات أخرى، ليست المشكلة تعدد الأفكار والمعتقدات وإنما العامل المشترك بينها وهو أحادية النظرة لدرجة رفض الحوار الحر والأخر، الناس عموما تقتل أملها بكسلها وضعف فهمها وتحتاج إلى مراجعة حقيقية لذاتها لكنها تحتاج النموذج وليس التنظير الذي تزعمه كل الاتجاهات الفكرية أنها ستأتي بجنة الأرض، والنموذج بدوره يحتاج إلى بناء وجهد، ودمج هذه الناس بالفكرة، لذا لا يمكن أن تقيم فكرة على أساس القيمة وبلفظها وإنما بمعناها وسلوكها، فالسلوك الصحيح يصوب مسار الأمم للنجاح، وسيادة القانون تخفف من العناصر الشاذة، لذا لابد من توجيه فاعلية القيم بتجديد صيغة الخطاب بالمعنى وليس بالنص المنقول.
كأمة نحتاج إلى بناء عقد اجتماعي وسيادة قانون منبعث من القيم، إما ما نراه فهو فوضى مدمرة تكشف الأمة إلى أعدائها باستمرار منظومة التخلف فيها وان ارتضاها الفاسدون.
نحتاج إلى نظام ومنظومة تفكير استراتيجي ينهض بالأمة وليس صراع من اجل الإمارة على كومة حجارة، بل إلى امة تشارك العالم في صناعة الحياة والمدنية التي هي جهد الجميع.

في يوم ما ستنهض هذه الأمة، ولا تتم لها ديمومة وحياة واعدة إلا بالانفتاح، واقعنا والتاريخ يشير أن الأمم المنفتحة تتمدد ومتى انغلقت تقلصت، اليوم أكبر القوى الاقتصادية تتصارع وصراعها هذا يزيد من انغلاق المنفتح فيتلاشى بانغلاقه وليس جرّاء قوة خصمه، ومهما بلغ المنغلق الفكر من توسع لا يخلق حياة هادئة ولا ديمومة، ولا يترك الأثر المستدام إلا بفكر متجدد وأمة تفهم.
عالم اليوم صغير، صغره ليس بتقلصه وإنما للتقدم التقني والتطور التكنولوجي الكبير والانفجار العلمي في عالم المعلوماتية والاتصالات؛ هذا كله يجعل مرض في أقصى الشرق ينتقل أقصى الغرب، كذلك اختراع في أي مكان ينتشر ليتطور من أناس آخرين، في ذات الوقت ونحن نتقارب كإنسانية وبشرية نحتاج الى قيم تضبط إيقاع هذه الأوتار المتعددة لتكون عزفا متناغما بدل حشرجة هنا وهناك تضيع تحفة من الفن والجمال هنا وهناك.
تلك هي معاني القيم وإنها ضرورة لإنجاز الإنسان مهامه والخروج من الحياة إلى الأمن والسلام بأمن وسلام، فلابد أن يتعاون الجميع، فالكل للواحد والكل من واحد والواحد للكل من اجل تحقيق العدل تلك هي قيم هويتنا الأساس والتي تحكم مخرجاتها المدنية.
لا يمكن ان نصف شعبا بأنه موحدا بأناس متفرقين يرفضون ان ينصفوا بعضهم بالعدل والموعظة ألحسنة فبدون وزن الأوتار تصبح حياتنا صعبة تفتقد للتناغم وهو واقع فعلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *