الأمريكان يعيدون إعمار مرقد النبي ناحوم في القوش

*نور نايف

يمتد وجود اليهود في العراق إلى أقدم العصور قبل وجود الديانتين المسيحية والإسلامية في هذه الديار، ففي عام 732 قبل الميلاد تمكن تغلث بلاسر الآشوري من سبي بعض قبائل اليهود ونقلهم إلى آشور، وبعد وفاة تغلث بلاسر امتنع اليهود من دفع الجزية للآشوريين، فقامت آشور مرة أخرى لتأديب المتمردين وكان في هذه المرة أسر الأسباط العشرة التي يقال إنها لم تعد أبداً، وهي الملقبة بالأسباط العشرة المفقودة.

وبدءاً من عام 626 قبل الميلاد شنت بابل المستقلة سلسلة من المعارك أدَّت إلى انهيار كامل لما كان يعرف باسم الأمبراطورية الآشورية.

وحينما انتزعت بابل حريتها من الإستبداد الآشوري، وقضت على الأمبراطورية الآشورية فكان نصيب البلدان التابعة لآشور أن تكون تابعة للسيد الجديد وهي الدولة الكلدانية، وحينما أعلنت أورشليم العصيان على الدولة الكلدانية الحديثة توجهت هذه القوات نحو الغرب، وفي عام 597 ق.م. قامت الجيوش البابلية الكلدانية بقهر المدافعين عن القدس وأسرت 3023 يهودياً وأخذتهم إلى بابل، وكان ذلك أول أسر جماعي، أما السبي الثاني فكان عام 587 ق.م. والثالث عام 581 ق.م (أرميا 52: 29 ـ 30) وهذه الفقرات اقتباس من جول كولي “التحالف ضد بابل”.
إن إيراد هذه المقتطفات التاريخية كان غرضها تبيان قدم هذا الموضع في أرض بلاد ما بين النهرين المعروف بميزوبوتاميا.

وكان لليهود مساهمة ودور تاريخي في بناء وتكوين الحضارات التي انبثقت وازدهرت ثم أفلت وتلاشت في ربوع هذه البلاد، وأصبح هذا الموضع من المعالم التاريخية العراقية والتي تعتز بها القوش وهو مرقد النبي ناحوم “الألقوشي”. كتابة باللغة العبرية مثبتة في أحد الجدران من الداخل ويعتبر هذا المرقد من المزارات الدينية اليهودية المنتشرة في العراق، وناحوم اسم عبري معناه “معزّ”، وهو أحد الأنبياء الأثني عشر الصغار من القوش وهو المعروف بفصاحة لسانه ودقة تعابيره، وهو قريب من موقع الحدث، فلذلك يسهب في وصفه للموقع وللمعارك وللحوادث الدائرة في نينوى وقت انهيار تلك المدينة، ومعها كان انهيار الدولة الآشورية في 612 قبل الميلاد .
تاريخ اليهود في هذه الديار .

حينما اتسعت الأمبراطورية البابلية الحديثة “الكلدانية” تحت زعامة نبوخذنصر الثاني، شملت كل منطقة غرب آسيا، وسبى اليهود من فلسطين، وقد استخدم نبوخذنصر أجساد هؤلاء الأسرى وأدمغتهم ومهارتهم لبناء معابد بابل ومبانيها وبرجها العظيم، حيث كان هذا المجد والإزدهار الأخير هو ذروة الحضارة البابلية الكلدانية العراقية، وحينما أفل نجم هذه الدولة، كان أفول الحضارة العراقية.

ناحوم ((بالعبرية: נַחוּם)) يعد أحد الأنبياء الصغار والذي كتبت نبوءته في الكتاب المقدس اليهودي أو العهد القديم، كتابه جاء مرتبا زمنياً بين سفر ميخا وسفر حبقوق في الكتاب المقدس. وقد كتب عن نهاية الأمبراطورية الآشورية وعاصمتها نينوى بأسلوب شعري مفعم بالحيوية. حيث إنه قد عاش في ال القرن السابع قبل الميلاد، ويقع ضريحه في العراق، في مدينة القوش .

ويعد قاموس الكتاب المقدس، أن ناحوم هو أحد الأنبياء الإثني عشر الصغارـ من القوش، قرية في فلسطين مكانها الحالي مجهول ـ بحسب القاموس المذكور ـ إن سفر ناحوم هو السفر الرابع والثلاثون من العهد القديم، ويتألف من إصحاحات ثلاثة، وهو وحي على نينوى.
وان تاريخ كتابة السفر يرجح انه كُتبَ بعد أن أخذ الآشوريون نوآمون ـ طيبة في عهد اليونان والأقصر الحالية وكانت عاصمة مصر قديماً ـ في عام 663 ق.م (3 : 8) قبلما اخرب الماديون والكلدانيون مدينة نينوى عام 612 ق.م، وجاء في القاموس المذكور انه يعتقد كان من المسبيين إلى بابل، لكن الحقائق التاريخية لا تتفق مع هذا الرأي إذ إن السبي البابلي كان بعد سقوط نينوى في عام 612 ق.م كما هو معروف في التاريخ.

والسراج داخل مقام النبي ناحوم معلق في محله إلى اليوم، وكان يبقى مشعلاً على مدار الساعة ويعمل على الزيت، وكتب عن ضريح النبي ناحوم في القوش عدد من الرحالة الأجانب والكتاب العراقيين .

وفي نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ينقل يوسف غنيمة عن لايرد قوله “إن في القوش بموجب تقليد عام، قبر ناحوم الألقوشي كما يلقب في فاتحة نبوته. ويحترم هذا المكان المسلمون والمسيحيون ولا سيما اليهود الذين يحافظون على البناء ويأتون إلى زيارته زرافات في بعض مواسم السنة، فالقبر هو مصطبة بسيطة أو ناؤوس مغطى بقماش أخضر، وعلى جدران الغرفة موضوعة قصاصات ورق مكتوب عليها بالعبرية مواعظ دينية وتواريخ زيارات الأسر اليهودية”.
من جهة أخرى نقرأ عن رحلة بنيامين التطيلي (1165 ـ 1173 م) التي يتحدث فيها عن الموصل ويقول إن فيها 700 يهودي، وفي الموصل كنيسة عوبيدية من بناء النبي يونة بن امتاي وكنيسة ناحوم الألقوشي، وفي حاشية ورد…يذكر له بنيامين مرقداً آخر في نواحي شثاثة، والمعروف اليوم أن قبر النبي ناحوم موجود في قرية القوش من أعمال الموصل، ويحج إليه اليهود.
وفيه كتابة بالعبرية تنص على أن بناءه الحالي جدده سنة 5556 من التقويم العبري أي سنة 1796 م، ساسون صالح داود وعبدالله يوسف، ووقف على بنائه موشي كباي وداود برزاني من الموصل .
وفي سنة 1921م، وعند مجيء اليهود لزيارة قبر النبي ناحوم كان الوجيه اليهودي “يعقوب صحيح” وقد طلب زيارة هيكل مار ميخا، واستفسر عن سبب عدم الإشارة إلى صاحب العظام.
وقال نحن نعرف انكم سرقتم عظام النبي ناحوم وهي مكرمة معززة عندكم ونحن نأتي لزيارتها.
وبعد هذا التصريح قام الشماس اسطيفو وأضاف اليها باللغة الكلدانيـــــة “ناحوم الألقوشي” فتكون الجملة كاملة “خزينة عظام النبي ناحوم الألقوشي”، وفي السياق ذاته نقرأ ليوسف حداد أنه في عهد البطريرك مار يهبالا الخامس (1578 ـ 1580 م) أو في عهد مار إيليا السابع (1576 ـ 1591 م ) تم العثور في هيكل مار ميخا على صندوقين، واحد يحتوي عظام مار ميخا والآخر عظام النبي ناحوم، وإذا اعتمدنا على هذه الرواية فإن هذا الصندوق يكون قد نقل إلى مبنى مار ميخا قبل القرن السادس عشر الميلادي على أقل تقدير كما يقول حبيب تومي في الحوار المتمدن 2018 م.
يذكر أن اليهود هاجر أغلبهم من العراق سنة 1948م، وصودرت أملاكهم وأموالهم فيما بعد وأسقطت عنهم الجنسية العراقية، بينما يرى البعض الآخر أن إعلان قيام دولة إسرائيل والمخططات الصهيونية الرامية إلى تعمير الكيان الجديد بأكبر قدر ممكن من السكان، كان له الدور الحاسم في مخطط تهجيرهم، كما وقع مع العديد من يهود دول العالم العربي والإسلامي. ومنها قيام جواسيس يهود بتفجير دور العبادة اليهودية والرموز الحيوية لليهودية في العراق قصد إجبارهم على الرحيل نحو إسرائيل .

وقد هاجرت غالبية الطائفة من العراق خلال عامي 1949 و1950م في عملية سميت عملية عزرة ونحمية إلى أن تم إغلاق باب الهجرة أمامهم وقد كان في بداية الخمسينيات حوالي 15 آلاف يهودي بقي في العراق من أصل حوالي 135 ألف نسمة عام 1948م. وعند وصول عبد الكريم قاسم للسلطة رفع القيود عن اليهود المتبقين في العراق وقد بدأت وضعيتهم تتحسن وأخذت الأمور تعود إلى طبيعتها، لكن انقلاب حزب البعث واستلامه للسلطة أعاد الاضطهاد والقيود عليهم، وفي عام 1969 م أعدم عدد من التجار معظمهم من اليهود بتهمة التجسس لإسرائيل مما أدى إلى تسارع حملة الهجرة في البقية الباقية من يهود العراق والتي شهدت ذروتها في بداية السبعينيات.
وعند الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003م كان مجموع اليهود المتبقين في العراق أقل من 100 شخص معظمهم إن لم يكن كلهم في بغداد والغالبية العظمى منهم من كبار السن والعجزة.
وكان اليهود يشكلون 2.6 % من مجموع سكان العراق في عام 1947 وانخفضت نسبتهم إلى حوالي 0.1 % من سكان العراق عام 1951م .

واليوم ونحن في العام 2020 هناك اهتمام دولي بإعادة إعمار المرقد برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وزارها السفير الأمريكي السابق بالعراق” جوي هود” في 21 / 4 / 2019م، بعد تخصيص أموال لإعمارها، وكان للسفير الأمريكي الحالي “ماثيو تولر” زيارتان متتابعتان في 21/7/2019م، وفي 7/2/2020م ، لمتابعة خطة لإعادة الإعمار والمراحل التي وصلت إليه، وبرفقته شخصيات يهودية لم يفصح عن هوياتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *