معركة الموصل تحقيق: رياض محمد

 

التحقيق الصحفي الذي كتبته عن معركة الموصل نشر قبل يومين في مجلة شؤون خارجية (فورين افيرز) الامريكية العريقة الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. ويكتب عادة في هذه المجلة كبار صناع القرار والرأي في الولايات المتحدة. هذا التحقيق هو نتاج جهد استمر لاشهر للتحري عن كل ما جرى ويجري فيما يخص معركة الموصل. وقد استأنست برأي عشرات من خيرة جنرالات الجيش العراقي والامريكي بالاضافة الى خبراء بالشأن الامني والسياسي العراقي والامريكي. وسيرد لاحقا في هذا البوست قائمة بكل هؤلاء فلهم مني كل الشكر والامتنان. لمن لا يجيد الانكليزية , هذا موجز مفيد بما توصلت اليه بعد اشهر من البحث.

في البداية لابد من ذكر حقيقة مهمة: سطر الجيش العراقي والقوات المسلحة العراقية وبالاخص ابطال جهاز مكافحة الارهاب ملحمة يندر مثيلها في مقارعة ابشع تنظيم اجرامي عرفه التاريخ. وقد استحقوا ببسالتهم وبحرصهم على حياة المدنيين من اهلنا القابعين تحت حكم داعش المتوحش في الموصل وبتضحياتهم ثناء وتقدير العالم اجمع. وانا على قناعة ان معركة الموصل – وهي اضخم معركة منذ سقوط بغداد في نيسان 2003 – ستصبح مرجعا لتدريس عمليات مكافحة الارهاب داخل المدن الكبرى في اغلب المؤسسات الامنية والعسكرية في العالم. وقد اثنى على اداء الجيش العراقي وقوات مكافحة الارهاب عدد من الجنرالات الامريكيين الذين قادوا القوات الامريكية في العراق سابقا والذين طلبوا مني عدم ذكر اسمائهم.

الموصل

للموصل اهمية ستراتيجية يعرفها المختصين بالشأن العراقي. فسقوطها سجل بداية الصعود الدرامي لداعش في الشرق الاوسط والعالم. وهي كما معروف تضم حوالي نصف ضباط الجيش العراقي السابق. كما تعد اكبر مركز حضري سيطر عليه تنظيم داعش. وهي تجاور تركيا وكردستان وسوريا. كما تضم جزا كبيرا من خيرات العراق الزراعية والحيوانية. بدون استعادة الموصل لن يهزم داعش ابدا وبتحريرها تصبح نهاية داعش في متناول اليد.

الخطة

رغم الثناء الكبير الذي حصلت عليه قواتنا المسلحة وجهاز مكافحة الارهاب فان خطة تحرير الموصل عانت من خطا ستراتيجي كبير ومكلف للغاية. هذه الخطة رسمها الفريق الركن عبد الامير يار الله معاون رئيس اركان الجيش للعمليات بالتعاون مع الجنرال شون ماكفرلاند قائد قوات التحالف الدولي لمناهضة داعش خلال الصيف الماضي (عام 2016).

استندت الخطة على فرضية خاطئة هي ان تنظيم داعش بلغ من الضعف – بعد سلسلة هزائم في العراق وسوريا – الى درجة انه لن يقاتل بضراوته المعهودة لمدة طويلة وان من الافضل عدم محاصرة المدينة (كما هو مطلوب في كل عملية تحرير لمدينة لقطع خطوط الامداد عن قوات العدو) كما ان من الافضل عدم قطع طريق تلعفر – سوريا لكي يوفر خط هروب لداعش من الموصل الى سوريا مما يجنب المدنين اهوال القتال ويقلل خسائر قواتنا المسلحة.

هذه الخطة ثبت فشلها بعد اسابيع قليلة من القتال ولهذا قطعت قوات الحشد الشعبي طريق تلعفر – سوريا بعد ان ادركت القيادة العسكرية العراقية ان تنظيم داعش ماض في قتال مستميت في الموصل وان قطع طريق سوريا اصبح ضرورة (وقد كان ضرورة قبل ذلك بالطبع). وقد حصل تغيير ثاني في الخطة بعد معركة مستشفى السلام الذي احتلتها قوة الية من الجيش العراقي في شهر ديسمبر الماضي لكنها استدرجت الى كمين من مقاتلي داعش الذين استغلوا ضعف تدريب هذه القوة على قتال المدن مما ادى خسائر بالارواح والجرحى غير قليلة. وبعد هذه الموقعة قررت القيادة العسكرية العراقية اشراك الشرطة الوطنية وقوات التدخل السريع في معركة الجانب الايسر رغم ان هذه القوات كانت معدة للجانب الايمن.

الخسائر

وبمناسبة الخسائر اود ان اوضح ان تحرياتي بهذا الموضوع تثبت ان ما نشر عن خسائر بنصف حجم قوات مكافحة الارهاب مما تداولته الصحافة الغربية والامريكية غير صحيح. خسائر الجيش والشرطة والحشد والبشمركة بلغت حسب المستشفيات 2137 شهيد وحوالي 4500 جريح خلال ال50 يوما الاولى من المعركة. من ضمنها حوالي 400 شهيد من قوات مكافحة الارهاب. كما استشهد ما لايقل عن الف من مواطني الموصل المدنيين اغلبهم بفعل نيران قصف داعش العشوائي بالهاون على الاحياء المحررة. وهذه ارقام تشكل حوالي 7% من مجموع القوات المشاركة في حملة الموصل. تغمد الله شهداؤنا بوافر رحمته والهم اهليهم الصبر والسلوان وعجل شفاء جرحانا. وخسر داعش اكثر من 2000 من مقاتليه بين قتيل وجريح اغلبهم في الجانب الايسر.

قوات داعش في الموصل

بلغ عديد قوات داعش في الموصل قبيل المعركة حوالي 6000 مقاتل. دربت داعش 3 كتائب متخصصة في قتال المدن لفترة طويلة. كما اعدت لواء مدرع يدعى لواء الفاروق. ما لايقل عن 120 قناصا اعدوا داخل الموصل بالاضافة الى 400 من الانغماسيين الاجانب بقيادة العقيد السابق في القوات الخاصة الطاجيكية حليموف الذي يعتقد انه الان وزير حرب داعش. كما جهزت داعش في الموصل بحوالي 300 صاروخ ومقذوفة و300 سيارة مفخخة و150 انتحاري بالاضافة الى 700 اخرين يرتدون احزمة ناسفة. كما ضمت هذه القوات جيش العسرة وسرية الاقتحامات و قوات ساندة وقوات اشتباكات بالاضافة الى سرية هاون. لا ادري حقا كيف اقتنعت القيادة العسكرية العراقية ان كل هذه القوات لن تقاتل بضراوة وستولي الادبار.

الهجوم على الساحل الايسر فقط

كان احدى نتائج الخطة القاصرة لتحرير الموصل هو اقتصار الهجوم على الساحل الايسر وليس الايمن. وبسبب ذلك استمرت داعش في مد مقاتليها في الجانب الايسر بمدد من المقاتلين من الجانب الايمن. رغم ان مطلع تماما على حقيقة ان الجانب الايمن يحوي المدينة القديمة بازقتها الضيقة غير الصالحة لحركة العجلات العسكرية.

الجسور والمطار

كان من المفترض عند بدء اي عملية كبرى بهذا الحجم ان يتم اما السيطرة او تدمير او تعطيل جسور الموصل ال5. لكن الخطة بافتراضاتها الخاطئة قررت ان الجسور ستستخدم لهرب عناصر داعش بينما استخدمت في الحقيقة لتزويد وامداد هذه العناصر ولهذا قصفت الجسور بعد مرور اسابيع من بدء المعركة.

اما مطار الموصل ورغم انه قد عانى دمار متعمدا على يد داعش فان السيطرة عليه كان سيكون ضربة للتنظيم ولكن من مقتضيات الخطة الخاطئة قرار القيادة العسكرية العراقية عدم زج قوات مكافحة الارهاب بانزال على المطار مما ترك هذا المطار بيد داعش حتى اليوم.

القوات المسلحة العراقية المشاركة في الحملة

رغم ان عدد القوات العراقية المشاركة في حملة الموصل يتجاوز ال100 الالف جندي وشرطي ومقاتل بالحشد والبشمركة فان عدد من كان مؤهلا لخوض قتال المدن ضد داعش لم يتجاوز 15% من مجموع هذه القوات وهي بالاساس قوات مكافحة الارهاب والتدخل السريع. اما الباقي فهي قوات من الجيش العراقي والشرطة والحشد والبشمركة ممن يمكن الاستفادة منهم في مسك الارض او في مهمات معينة ولكن لايمكن الاعتماد عليهم في قتال المدن المتخصص ضد داعش.

وقد اضاعت القيادة العسكرية العراقية سنة ونصف هباء عندما كان يشاع ان فرق قيادة عمليات نينوى كانت تتدرب وتتجهز للمعركة وقد اثبتت الوقائع ان هذه الادعاءات ليس لها اي اساس. وبالتالي تم الاعتماد بشكل شبه كامل على قوات مكافحة الارهاب التي قاتلت ونزفت بالنيابة عن العراق والعالم. بل حتى قوات الرد السريع لم يزج بها الا مؤخرا.

القيادة العسكرية

اثبتت معركة الموصل صدق توقعاتي التي نشرتها في تحقيق صحفي سابق قبل 3 اشهر عن اللواء نجم الجبوري قائد عمليات نينوى وانه بحق اسوأ اختيار لهذا المنصب الستراتيجي الذي شغله حوالي سنة و9 اشهر كان منها سنة ونصف قبيل المعركة. فهذا الرجل وكما اوضحت في بوست سابق غير مؤهل لقيادة اي قوة عسكرية كونة لم يتخرج من كلية الاركان ولم يخض يوما معركة عسكرية كقائد فوج او لواء او فرقة فكيف بعمليات فيلق؟

وقد اكد نجم الجبوري مرات عديدة قبل وبعد المعركة جاهزية قوات فرق قيادة عمليات نينوى التى يقودها وقد اثبتت الوقائع خطأ هذه التأكيدات. وان علم القيادة العسكرية العراقية بكل ذلك دفعها لاختيار الفريق الركن عبد الامير يارالله لقيادة الحملة. ورغم ان مؤهلات الفريق عبد الامير ليست محل اي تساؤل فان هناك من قال انه معتد برأيه ومتسرع اكثر من اللازم.

الفشل الاستخباري

ان اي تحليل لكل ما ذهبت اليه يؤكد وجود خلل استخباري ستراتيجي عانت منه القيادة العسكرية العراقية قبل وبعد معركة الموصل. فمثلا اكد نجم الجبوري وعول على حدوث انتفاضة داخل الموصل حال بدء المعركة. هذه الانتفاضة لم تحدث. كما اكد نجم الجبوري عدة مرات ان قوات داعش في الموصل منهارة معنويا وانها ستهزم او ستهرب بسرعة وهذا لم يحدث ايضا.

كما كان هناك سبب اخر لهذا الفشل: لاشهر اتحفتنا مراكز الابحاث الغربية والصحافة الغربية والعربية بدراسات عن المستقبل المظلم للموصل والعراق بعد التحرير بسبب عدم وجود خطة لادارة المدينة او عدم وجود مصالحة سياسية حقيقية في العراق. كان نتيجة هذا الكم الهائل من الهراء ان افترض الكثيرون ان قضية تحرير الموصل هي امر مفروغ منه ولا يحتاج الى الكثير من الجهد.

التوقيت

لدى الكثير من العراقيين قناعة ان توقيت بدء معركة الموصل اختير لزيادة حظوظ المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الامريكية هيلاري كلينتون. اقنعتني تحرياتي فيما يخص هذه النظرية انها نظرية مؤامرة اخرى لا اساس لها في الواقع. والصحيح ان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية طلب تأجيل المعركة 18 يوما لكي يتسنى اشراك مروحيات الاباشي والمدفعية الامريكية في المعركة.

القوة الجوية

ادت الافتراضات الخاطئة التي بنيت عليها خطة معركة الموصل الى اطالة امد المعركة الى فصل الشتاء مما اثر سلبيا على فعالية القوات الجوية للتحالف الدولي والقوة الجوية وطيران الجيش العراقي. كما ادى النقص في المراقبيين الجويين وتحديدات قواعد الاشتباك بسبب اكتظاظ المدينة بالسكان الى تقليل فعالية الضربات الجوية ايضا. لكن هذا لايعني ان الضربات الجوية لم تساهم ولا تزال تساهم بدرجة مهمة ومؤثرة في اضعاف داعش في الموصل.

السكان

ادى قرار القيادة العراقية ابلاغ سكان الموصل بعدم ترك منازلهم الى خلق واقع جديد جعل منهم هدفا لداعش كدروع بشرية وفي عمليات انتقامية من السكان المرحبين بالقوات المحررة للمدينة. هذا القرار له عدة خلفيات منها عدم وجود ما يكفي من الخيم لما يتجاوز حوالي ال 100 الالف فقط من الفارين من المعارك بالاضافة الى ان عملية اجراء تدقيق امني لهم وايجاد منافذ امنة لهروبهم من الامور الشاقة ان لم تكن مستحيلة التحقيق.

كم ستطول معركة الموصل

من الواضح ان معركة الجانب الايسر قد تستغرق اسابيع اخرى لكنها اقتربت من نهايتها. اما معركة الجانب الايمن فمن الممكن ان تطول لاشهر عديدة اخرى…

شكر وتقدير

اتقدم بالشكر والتقدير للسادة والسيدات التالية اسماؤهم – بدون اي ترتيب معين – لما اغنوني به من اراء ومعلومات اثناء كتابة هذا التحقيق الصحفي المطول واود ان اعتذر ممن لم يظهر اسمه بسبب طول التحقيق واظطرارنا الى اختصار بعض الفقرات منه.

د. هشام الهاشمي الباحث في مركز النهرين, اللواء خالد خيون المدير العام الاسبق لاعلام وزارة الدفاع , الاستاذ اثيل النجيفي محافظ نينوى السابق , اللواء قوات خاصة كريم الطليباوي المنسب في قيادة الحشد الشعبي , اللواء الركن وليد محمد جاسم المدير العام الاسبق في وزارة الدفاع , الاستاذ ريان الحديدي الناشط السياسي الموصلي , العميد سعد العبيدي الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية , الاستاذ كاظم الوائلي المستشار السابق للتحالف الدولي لمناهضة داعش, العميد حيدر حسون الضابط السابق في القوات الخاصة , اللواء الركن عبد الوهاب القصاب الضابط السابق في الجيش العراقي , العميد الركن معد بداي امر اللواء 17 في الجيش العراقي, العميد الركن اسماعيل السوداني الملحق العسكري السابق في الولايات المتحدة, الفريق الركن احمد الساعدي قائد الفرقة السادسة سابقا, العميد الركن ضرغام زهير امر مدرسة المشاة , الاستاذ سالم الجميلي مدير شعبة امريكا في المخابرات العراقية سابقا , السفير لقمان الفيلي سفير العراق السابق في الولايات المتحدة, د. عباس كاظم الزميل الاقدم في جامعة جون هوبكنز , د. مؤيد الونداوي اللواء السابق في مديرية الامن العامة , د. وليد الراوي المدير العام الاسبق في وزارة الدفاع , د. حارث حسن الزميل في جامعة برانديس , الاستاذ زهير الجلبي رئيس لجنة اعمار الموصل سابقا , اللواء عبد الجليل الاسدي قائد شرطة الديوانية سابقا , المدونة الموصلية ريتشيل كوري , الاستاذ احمد الاسدي المتحدث باسم الحشد الشعبي , الاستاذ ابراهيم الصميدعي المحلل السياسي والامني , د. بيتر مانسور قائد لواء في الجيش الامريكي سابقا ومدير مكتب الجنرال ديفيد بترايوس سابقا, الاستاذ اريك باهون المتحدث باسم البنتاغون , الاستاذ كريستوفر ميلر المتخصص بالشؤون الامنية والرائد مايكل مير المتحدث باسم القيادة الوسطى الامريكية بالاضافة الى كل من صرح بمعلومة او رأي بشرط عدم نشر اسمه ومن هولاء قائدين سابقين للقوات الامريكية في العراق. لهم جميعا كل الشكر والتقدير كما اعتذر مقدما ان غفلت عن ذكر احد او اخطأت في اسم او لقب اي ممن ذكرتهم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *