الصراع حول مجلس مفوضية الانتخابات

 

الصراع على مفوضية الانتخابات مجرّد مقدّمة لمعركة تحصين المواقع السياسية والمكاسب المادية التي سيكون ميدانها الفرعي الانتخابات المحلية القادمة، بانتظار الميدان الرئيسي؛ الانتخابات النيابية المفضية إلى القبض على زمام السلطة ومواقع القرار.

 

تخوض الأحزاب السياسية العراقية المتنفذة، صراعا مكتوما على تشكيل مجلس مفوضي المفوضية العليا للانتخابات لما للأخيرة من أهمية في تمويل الأحزاب وحتى في التحكّم بنتائج العمليات الانتخابية عبر التزوير.

 

ويعتبر هذا الصراع مظهرا للأمراض الكثيرة للعملية السياسية في العراق، ولتشوّهات “الديمقراطية” الشكلية الخاضعة لمقتضيات المحاصصة الطائفية، والمتحكّم بها من قبل أصحاب النفوذ السياسي والديني والمالي.

 

ويتكون مجلس مفوضي مفوضية الانتخابات من رئيس ونائب مع سبعة أعضاء، يتوزعون -نظريا- حسب مكونات الطيف العراقي، وفقا للترشيحات الحزبية.

 

ووفقا لقانون المفوضية، فإن الاستقلالية عن الأحزاب السياسية من أبرز شروط العضوية في مجلس المفوضين، لكن الأحزاب تحتال على هذا الشرط، بترشيح شخصيات موالية لها وإن لم تكن على قوائم أعضائها المنتمين بشكل رسمي.

 

وتنظر بعض الأحزاب السياسية إلى المقاعد المحجوزة لها في مجلس المفوضين، وفق ترتيبات المحاصصة، “بوصفها عقارا مملوكا”، يقبل البيع أو الإيجار.

 

وتشترط كتل وأحزاب كبيرة، تغيير مجلس المفوضين الحالي، للمشاركة في أي عملية انتخابية مقبلة. وبعض هذه الكتل غير ممثلة في المجلس الحالي، أو أنها تخشى على أصوات ناخبيها من التزوير.

 

وتتحدث مصادر سياسية، مطلعة على كواليس مفاوضات تشكيل مجلس المفوضين الجديد، عن “مزاد مفتوح على عدد من كراسي عضوية المجلس”، على غرار المزادات التي تخضع لها حقائب وزارية بين الكتل السياسية.

 

وتقول ذات المصادر، إن أحزابا متنفذة، عرضت مبالغ، تصل إلى الملايين من الدولارات، على شركاء لها في العملية السياسية، من أجل التنازل عن مقاعدهم لها في مجلس المفوضين.

 

ومصطلح “خيانة المفاوض”، هو من بين المصطلحات الدارجة في كواليس العملية السياسية في بغداد. ويتلخص مضمونه في أن مفاوضا عن حزب ما يعقد اتفاقا سريا مع حزب آخر، يتنازل بموجبه عن حصة حزبه في منصب تنفيذي ما، مقابل أموال طائلة توضع في حسابات خارج العراق. لذلك يحرص زعماء الأحزاب الكبيرة على اختيار مفاوضين مضموني الولاء لتمثيلهم في المفاوضات، وهم في العادة أقارب لقادة الأحزاب.

 

ولا تتوقع المصادر أن تنتهي مفاوضات تشكيل مجلس المفوضين سريعا، نظرا لأهميته البالغة، وارتفاع سقوف مطالب الجميع.

 

وبعد الطلب الذي تقدمت به الرئاسات الثلاث -الحكومة والنواب والجمهورية- إلى المفوضية، لتأجيل الانتخابات المحلية التي كانت مقررة في أفريل 2017، وما تلاه من اعتذار المفوضية الصريح عن إجراء هذه الانتخابات لضيق الوقت وانعدام التخصيصات المالية، بات في حكم المؤكد تجميد عمل مجلس المفوضين الحالي، ما يفرض على الأحزاب السياسية اختيار مجلس جديد.

 

ولا تنفصل معركة مفوضية الانتخابات عن معركة سياسية أعم على صلة بترتيب الأوضاع في مرحلة ما بعد داعش في العراق أطرافها الأساسيون كبار رموز الأحزاب الشيعية الحاكمة في البلاد، الذين يريدون أن يحصّنوا مكاسبهم السابقة وأن يضمنوا لهم مواقع في تلك المرحلة، خصوصا وأن فترة احتلال تنظيم داعش للمناطق العراقية وما شهده البلد خلال تلك الفترة من احتجاجات اجتماعية، لم تخل من إدخال تغييرات على موازين القوى السياسية في البلاد من ضمنها على سبيل المثال بروز رجل الدين مقتدى الصدر كمناهض للفساد وكداعية للإصلاح، جنبا إلى جنب زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم الذي يعرض نفسه كرجل للوفاق وحامل للواء مشروع للمصالحة عابر للطوائف والأعراق، إضافة إلى عدد من قادة الميليشيات المشكلة للحشد الشعبي الذين استفادوا من دور الأخير في مواجهة تنظيم داعش.

 

ويقابل ذلك تلبّس صورة سلبية بالكثير من رموز وقادة العائلة السياسية الشيعية في العراق على رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي لا تتردّد الغالبية العظمى من العراقيين في تحميله مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلد من تدهور شامل لمختلف المجالات، وصولا إلى انتهاء فترة حكمه الثانية بكارثة وقوع ما يزيد عن ثلث مساحة العراق تحت سيطرة تنظيم داعش.

 

ولا تخلو الفترة الحالية من جدل ساخن بين تياري الصدر والمالكي حول القوانين والإجراءات المتعلقة بالانتخابات، حيث يرى الصدريون وجوب تغييرها لأنها تخدم هيمنة رئيس الوزراء السابق على السلطة وتفتح له باب التزوير واستخدام النفوذ في التحكم بالنتائج، بينما يرفض أتباع المالكي أي تغييرات تكرّس صعود الصدر الذي حوّله فشل خصومه في إدارة شؤون الدولة إلى رقم صعب في المعادلة السياسية بالعراق.

 

وأعلن النائب عن كتلة الأحرار النيابية التابعة لمقتدى الصدر مازن المازني، الأربعاء، عن تقديم مقترح قانون إلى رئاسة البرلمان مدعما بتواقيع عدد من النواب لتقليص عدد أعضاء مجلس النواب إلى 275 نائبا إلى حين إجراء تعداد سكاني، تطبيقا لأحكام الدستور الذي ينص على أن مجلس النواب يتكون من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل 100 ألف نسمة.

 

ويرى الصدريون أن خصمهم المالكي يستفيد من ضعف وتداخل قاعدة البيانات المتعلقة بعدد سكان العراق ومن يحق لهم الاقتراع لتزوير الانتخابات.

 

وتمثّل انتخابات مجالس المحافظات التي يفترض أن موعدها الأصلي هو شهر أبريل القادم، قبل أن تطلب الرئاسات الثلاث تأجيلها، ميدانا فرعيا لمعركة تحصين المواقع السياسية والمكاسب المادية، قبل المبارزة الأشد سخونة التي تأتي لاحقا في الميدان الرئيسي؛ ميدان الانتخابات النيابية التي تفضي إلى مواقع السلطة والقرار بما في ذلك منصب رئيس الوزراء، حيث لا توفّر الأحزاب المتنفذة أيا من أسلحتها في خوض تلك المعركة من تزوير ومال سياسي ونفوذ عشائري وديني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *