يوم الشهيد العراقي: هل أصبح التشيع مذهبا وطنيا للعراق؟   أسعد البصري  

 

إيران نجحت في النهاية بمد نفوذها وتخريب الدعاية القومية، فأعداء الأمس يتقاسمون الإمام الرضا والحسين ومقبرة السلام، وموقفا ومصيرا مشتركا. نحن نرى قيامة شيعية، أي أن التشيع سيكون سائدا في منطقة جديدة، وهو لا يركز على الجانب الديني بل هو مشروع حيوي سياسي.

 

يعتبر الأول من شهر كانون الأول من كل عام مناسبة وطنية لتخليد ذكرى شهداء الحرب العراقية الإيرانية، فمنذ عام 1981 أعلن العراق ذلك التاريخ مناسبة ليوم الشهيد، حيث أقدمت القوات الإيرانية على إعدام بعض الجنود العراقيين بطريقة وحشية بعد أسرهم على جبهة بسيتين. بالنسبة إلى جيلنا هذه الذكريات مهمة جدا لنعرف أين وصل العراق اليوم؟

 

قاتل العراق إيران من عام 1980 وحتى 1988 بالخدمة الإلزامية، بينما قاتل العراق داعش بالمتطوعين. العراق سيخرج من حالة النفاق قريبا، فأن يكون السيد آية الله السيستاني إماما بهذه المكانة العراقية الشريفة رغم أنه مواطن إيراني، بل هو فارسي أكثر من خامنئي، لأن خامنئي رجل أذري وليس فارسيا. السيستاني دخل العراق بجواز وجنسية إيرانية وكان عمره حينها 21 عاما وانهمك الرجل في دراسة العلوم الدينية في النجف، مثله مثل الخميني الذي كان يدرس البحث الخارج في بيته بالنجف.

 

كان يمكن أن يكون السيستاني مكان الخميني ويقود الثورة في إيران، وكان يمكن أن يكون الخميني مكان السيستاني ويصبح صاحب كرسي مرجعية النجف العريقة، ويعلن الجهاد على داعش والتكفيريين. يجب أن نتخلص من النفاق السياسي ونناقش الأمور بجدية.

 

الشيعة بعد استلامهم الحكم عام 2003 لم يعطوا أهمية للقومية والعرق، فالشيعي يقاتل اليوم طوعا في كل مكان تقتضيه مصلحة عقيدته وبلاده، ولا يشعر بأيّ عار أن يكون قائده الجنرال سليماني أو الجنرال الساعدي أو العامري إنهم جميعا في مشروع واحد بنظره، كما لا يشعر بحرج أن يكون أقدس رجل في البلاد هو فارسي.

الوطنية ضاعت بين رايات المذهب

 

وحين نحتفل بيوم الشهيد العراقي علينا أن نتذكر بأن الحرب العراقية الإيرانية كانت حربا قومية عربية، دفاعا عن العرب، وبعد كل ما حدث من حصار وجوع واحتلال وإهمال وداعش والزرقاوي وتفجيرات لا يظن العراقيون بأن العرب قد ثمنوا ذلك.

 

نجحت إيران في النهاية بمدّ نفوذها وتخريب الدعاية القومية، فأعداء الأمس يتقاسمون الإمام الرضا والحسين ومقبرة السلام، وموقفا ومصيرا مشتركا. نحن نرى قيامة شيعية، أي أن التشيع سيكون سائدا في منطقة جديدة، وهو لا يركز على الجانب الديني بل هو مشروع حيوي سياسي. فقريبا حتى السنة في العراق سيجدون أنفسهم بناة للمشروع الإيراني لأن الشباب يبحثون عن عمل، ولا يمكن تركهم في الفراغ، والمشروع الشيعي يمنح الرواتب والتقاعد وعنده حاجة للمواهب والمقاتلين والتجار. إنني أرى مشروعا ناهضا ونشيطا بدعم وقبول عالمي. لأن التشيع يستهدف السنة ولا يستهدف الغرب.

 

إلى متى يبقى الشاب السني مطاردا وملثما وإرهابيا لأجل أيّ شيء؟ لأجل العروبة أم لأجل التوحيد؟ عدد كبير منهم يود أن يميط اللثام ويذهب إلى الوظيفة ويتقبل حقيقة أن السلطان شيعي، وهذه الذكريات الأليمة عن الحرب العراقية الإيرانية كلها كانت في ظروف مشوهة. دكتاتور لا يمتلك أيّ معنى للحياة سوى البطش، فرض على الشيعة حروبا لم يقتنعوا بها وساروا فيها دفاعا عن الوطن.

 

ما هو معنى تلك الحرب إذا كان الإيراني والعراقي اليوم يسيران في مشروع واحد كما نرى جهارا نهارا. لنتدرب على الحقيقة رجاء خصوصا ونحن نشهد سقوط آخر معاقل القومية العربية في العراق وأقصد مدينة الموصل. فقد سقطت المدينة العظيمة قوميا مرتين، مرة بعقيدة داعش الإرهابية الرهيبة، ومرة أخرى بتحريرها من الدواعش، فهي مدينة ستسقط في قلب الوطن وتعود إلى بغداد. التي هي في النهاية عاصمة من عواصم المشروع الشيعي الضخم.

 

يمكن اعتبار داعش آخر محاولة سنية لإثبات فشل الشيعة في حكم بغداد. بل إنهم بالغوا في الرد على الإرهاب والعقاب والرسالة واضحة. إذا حاولت إفشال الحكم الشيعي يحرقون مدينتك وقريتك، يسملون عيون أبيك، يقصون لسان أخيك وبعد أن تخمد النيران في القرية يعيدونك على الخرائب لتعيش ذليلا. وبدلا من ثيابك القشيبة، ودهن العود والمسبحة، وبدلا من رأسك المرفوعة تعود منكسرا بثياب وسخة وعيونك إلى الأرض عند بيت مهدم، ثم يقول لك السلطان الشيعي إنك لم تخرّب حكمنا بل هدمت مدينتك وقريتك وأحرقت بيتك، وقتلت جميع أبنائك.

 

السؤال الأخطر بعد تحرير الموصل هو هل أصبح التشيع دين العراق الوطني اليوم وليس مجرد مذهب ديني؟ فماذا بقي للوطنية السنية حقا بعد هزيمة من هذا النوع؟ لماذا يأخذ الشيعة حبيباتهم من بغداد إلى البصرة لالتقاط صور مع تمثال الشاعر بدر شاكر السياب؟ أليس السياب شاعرا سنيا؟ لماذا لا يهشمون تمثاله؟ الموضوع حقاً محيّر ومخيف بعد تحرير الموصل سيحدث تبدل جوهري.

 

بمناسبة يوم الشهيد العراقي نتذكر أيضا نصف مليون شهيد شيعي عراقي سقطوا في الحرب العراقية الإيرانية وحاربوا إخوتهم في الدين وقاتلوا إماما شيعيا لم يظهر له مثيل لسبعة قرون. لقد استبسل شيعة العراق حينها في الفداء حتى لا يُقال خان الشيعة وطنهم وعروبتهم، وإلا ما هو خطر الخميني عليهم، بالعكس في نظرهم الخميني أرحم من صدام حسين، ولكنها كانت قضية تاريخ وشرف.

 

وحين حوصر الشيعي العراقي فيما بعد وجاع بالعقوبات الاقتصادية على خلفية احتلال الكويت من عام 1991 إلى عام 2003 وتساقطت أسنانه بسبب نقص الكالسيوم، وماتت ابنته لنقص الدواء، بدأ يحقد على عربي سني مثل صدام حسين يحكمه دون حق، وعلى عربي سني شقيق كان قد دافع عنه ببسالة ضد دينه وصار يستقوي على فتياته بأميركا ويدعو إلى تجويعهن بلا ذنب، هنا تحالف شيعة العراق مع إيران وأميركا بشكل جماعي وأقسموا على الثأر.

 

الثورة لم تنتصر في إيران عام 1979 فقط، بل عادت وانتصرت على ثورات سنية في مناطق خارج حدود إيران مثل العراق وسوريا بعد أربعة عقود من انطلاقها. الثورة السنية لا تنجح ليس بسبب الإرهاب فقط ولكن لأن الشيعة شعب والسنة قبائل. حتى القبائل الشيعية تخضع للإمام، بينما السنة تحالف قبائل تجمعهم الغنائم وتفرّقهم الغنائم.

 

أميركا لا تستطيع تأسيس قهر شيعي جديدي مشابه لصدام حسين، لقد قاموا بذلك من قبل وفشلوا، لاحظوا تماسك الشعب الشيعي وتفرق القبائل السنية. ماذا تسمي غزو صدام حسين للكويت 1990 والحرب بين العرب وحصار العراق؟ هذا لأنهم قبائل اختلفوا على الغنائم بعد هزيمة إيران مباشرة ووفاة الخميني.

 

إن تحرير الموصل سيضع السنة أمام سؤال خطير هو أن الوطنية في العراق لا تختلف عن القومية العربية فحسب، بل هي اليوم نقيض لها، وعلى السنة أن يختاروا بين القومية والوطنية. حتى التشيع بعد النصر سيصبح دين الوطنيين العراقيين، وهذا هو المأزق الذي قفز إلى ذهني بمناسبة يوم الشهيد العراقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *