الإرهاب ولاية ودولة للحرس الثوري الإيراني / حامد الكيلاني  

 

الرسالة الأميركية وصلت بوضوح إلى النظام الإيراني وبالبريد المفتوح دون كتمان الحقائب الدبلوماسية. إيران الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم.

 

 

المجتمع الدولي يزداد قناعة يوما بعد آخر وجريمة بعد أخرى، بأن الحرس الثوري الإيراني يقف في الظل يراقب التداعيات والتطورات، حدث ذلك منذ عقود ما بعد إسقاط نظام الشاه ومجيء الخميني إلى حكم إيران. فيلق القدس يؤدي واجباته بمثابة وزارة الخارجية في دولة الحرس الثوري. اختيار عنوان الفيلق يعمل كقوة جذب عند كل العرب والمسلمين لما للقضية الفلسطينية من أهمية في النفوس وبالذات القدس وما تعنيه في التاريخ الإسلامي.

 

تم استغلال مفردة القدس للمتاجرة بها لأعوام وفي تجارب مريرة وصلت إلى حد التصريح بوقاحة في نوفمبر الماضي من قبل المدعو ملا مهدي، وهو أحد المقربين من المرشد خامنئي، عن استيلاء إيران على 4 عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهي في طريقها إلى إنجاز مخطط احتلال مكة وكامل المملكة العربية السعودية.

 

للتركيز فإننا نستخدم للدلالة على الميليشيات الإيرانية ومنها الحشد الشعبي في العراق أو حزب الله في لبنان وغيرهما الكثير، عنوان مركز قيادتها ونعني به الحرس الثوري الإيراني الذي انكشفت إمكاناته ومصادر تمويله ومنصاته التجارية والمصرفية وأرصفته الاقتصادية في العالم التي تمول مخططاته التوسعية وجرائمه وتسليحه ولوجستياته واعتماده على شبكة كبيرة من وسائل النقل لإيصال وإمداد عناصره بالسلاح والعتاد والخبرات والمقاتلين والأموال؛ وليست هناك مفاجأة بتواجد الميليشيات العراقية واللبنانية على الأراضي اليمنية، في وقت تزدحم فيه عمليات وواجبات الحرس الثوري في المعارك داخل العراق أو سوريا رغم حجم المهمّات الكبيرة المكلف بها.

 

تشتبك المتغيرات في حاضرنا لتنتج لنا متوالية لمراحل تحترق بفعل الزمن مؤشرة على فواصل يقع في أسرها الساسة، كما لو أنها برنامج لاغتنام المواقف وتحقيق المكاسب المختلفة والمتباينة، متناسين جوهر الصراع ونوعية القوى والأهداف التي تتبناها، فمن مرحلة ما قبل معركة الموصل إلى ما بعد تحريرها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، أو ما بعد معركة الموصل وما قبل معركة الرقة، أو ما قبل ضربة الكيميائي في خان شيخون وما بعدها، أو ما قبل الضربة الأميركية لمطار الشعيرات وبعدها، ونلخص تلك المراحل بالسياسة الخارجية للإدارة الأميركية قبل انتخاب الرئيس الجديد وبعد انتخاب دونالد ترامب لتولي مهمته في البيت الأبيض.

 

الرسالة الأميركية وصلت بوضوح إلى النظام الإيراني الحاكم وبالبريد المفتوح دون كتمان الحقائب الدبلوماسية. إيران الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، والحرس الثوري تلقى المحتوى ودون تأخير سعى لبلورة الصراع على امتداد مناطق نفوذه المعروفة، واستعجاله في المواجهة من البديهيات، وخان شيخون ربما جزء من هذا السياق.

 

في العراق ارتجّت حركتهم وحدثت ارتباكات متوقعة وتصادم وحوادث سير بسبب سرعة ردود الفعل وهي باتجاهين مختلفين وفي طريق واحد، الانقلاب المروّع في التوجهات يبيّن لنا دور القوة العسكرية للدولة الكبرى في زعزعة الثقة بالانقياد الأعمى لطاعة المرشد الإيراني بصفته وليا للفقيه، أي كونه مرجعا دينيا على مقلديه طاعة أمره وكونه قائدا سياسيا لا يخضع له الكثيرون عندما يتعلق الأمر بوضع مصيرهم أو مستقبل بلادهم على حافة الهاوية.

 

الحشد الشعبي، الذي تأسس بفتوى من المرجعية المذهبية في العراق، انتقل قائده الأعلى إلى طهران ليقدم ولاءه المطلق لخامنئي كمرجع ديني وسياسي، وبذلك وضع نفسه وجميع الميليشيات التابعة للحشد تحت إمرة المرجع الإيراني؛ اختلفَ عنهم من تلمّسَ حجم الكارثة القادمة في العراق إذا استمرت كل الفصائل الطائفية على ارتباطها بالمشروع الإمبراطوري الإيراني الذي يفرط بدمائهم وأرواحهم ووطنهم لمصالحه في المنطقة.

 

لهذا ننبّه دائما العرب، قادة وشعوبا، إلى عدم التفريط بالقبائل العربية باعتماد التعميم الذي تحاول إيران بولي فقيهها الإجهاز على الأمة العربية بنشر حروبها الطائفية وتقديم المبررات للالتحاق بها خاصة للمغرّر بهم الذين يعتقدون أن انتماءهم الطائفي لإيران يمثل لهم الملاذ الآمن.

 

إيران تشتغل على إثارة المخاوف من الإبادات الطائفية، تنظيم داعش المثال الأبرز، والمثال الإرهابي للتطرف والتشدد المذهبي المقابل، لننظر كيف استثمرته لإبعاد الشبهات عن إرهابها الأوسع بنفاقها وأسلوبها في إدارة وصناعة الأزمات بما يخدم مشروعها؛ إنها تحارب داعش خارج أراضيها، تحاربه بمقاتلين من ذات الانتماء المذهبي لها لكن من مواطني العراق، تقاتل في سوريا واليمن ولبنان بدماء مواطنينا العرب وأيضا غير العرب، لكنها لا تقاتل بعناصر من حرسها الثوري إلا في مهمات التوجيه والإدارة والإشراف، ومن قُتل من الإيرانيين لا يمثل نسبة تقارن بالمقاتلين العرب المنقادين كمقلدين لمرجع طائفي؛ وقد تابعنا عوائل القتلى الإيرانيين وتظاهراتهم والقمع الذي تعرضوا له على أيدي الحرس الثوري وما دلالاته.

 

تنظيم داعش لا يقاتل ولم يقاتل ولن يقاتل وليس في مشروعه شن حربه الطائفية المفترضة والمعلنة على إيران. صلة إيران بالقاعدة وطالبان وداعش أكدتها الحقائق، إيران تموّل كل عناصر الإرهاب، ولا تميّز بين دعم طائفة أو أخرى أو حتى دين وآخر أو قومية وأخرى. داعش أعلن بعد بدء معركة تحرير الموصل عن خط غاياته التي بدأت تتبلور في استجابات مخابراتية لصالح النظام الحاكم في سوريا، كما في تفجير الكنائس في مصر وتوقيتها، أو في إرهابه داخل مخيّمات اللاجئين على الحدود الأردنية، أو إعلانه عن استهدافه القادم للمواطنين الأبرياء في السعودية الذين تسعى إيران إلى تجنيدهم كجاليات طائفية في خدمة مشروعها؛ أي أنها تضحي بهم بإرادتها ورغبتها لتنفيذ نوازع داعش الإجرامية ليتحقق لها المزيد من المبررات لإشعال الحرب المذهبية، لكن دائما بوقود من دماء العرب ودمار مدنهم.

 

خامنئي قالها دون تردد “إذا لم نتصد لهم هناك، يقصد في سوريا وغيرها، لكان لزاما علينا التصدي لهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان”. وخامنئي وعناصر حرسه الثوري استخدموا العراق وحكومته التابعة لهم لكسر العقوبات المفروضة عليهم، وتم تجهيزهم حتى بالمعدات العسكرية بالعقود العراقية، في عملية التفاف ملامحها تتصاعد لتترك تجاعيد على الوجه الطائفي الذي نتوقع ألا تسعفه الإجراءات الإيرانية لتوجيه الانتخابات القادمة حسب أهواء ومتطلبات الولي الفقيه الذي استبدل سفيره في بغداد بنائب قاسم سليماني لإدارة دفة الحرس الثوري في احتمالات انزلاق الظروف الميدانية إلى منحدر المواجهة بين أميركا وإيران، ونكررها خارج الأراضي الإيرانية وبدماء شعوبنا تحت كل اللافتات.

 

أوروبا وفي أكثر من دولة ومنذ أعوام تجري تحقيقات ومحاكمات لأفراد من جنسيات مختلفة ثبت بالدليل تورطهم في نشاطات إرهابية وعملهم لصالح شبكات الحرس الثوري الإيراني، مما دعا إلى مطالبة نواب في برلمانات الدول الأوروبية إلى وضع ملف الحرس الثوري الإيراني بكل أذرعه على طاولات مداولاتهم، والأهم أن تتبلور إلى ملف دولي في مجلس الأمن لفضح أكبر تنظيم إرهابي في العالم، وآخرها وضع شقيق قاسم سليماني، المدعو سهراب سليماني، على قائمة العقوبات الأميركية.

 

في العراق نحذّر من مرحلة انتقام معلن يتبناها دعاة التطرف الطائفي وإرهابيو المشروع الإيراني، والنائب محمد اللكاش من الكتلة الطائفية الأكبر في مجلس النواب العراقي طالب بإعدام كل العراقيين الذين حاربوا دولة العدل الإلهي، ويقصد إيران في حرب الثماني سنوات، ثم تراجع عن مطالبته بإعدام من تبقى من المطلوبين على قائمة الـ55 المعروفة.

 

لماذا اختيار هذا التوقيت؟ لماذا تم تغيير اسم محافظة القادسية إلى الديوانية؟ لماذا يدرب الحشد الشعبي بعض مقاتليه على الطيران الحربي؟ لماذا لا تلتفت إيران إلى أكثر من 10 ملايين مواطن إيراني تحت خط الفقر؟ لماذا قاسم سليماني في كردستان؟ ولماذا نحن في انتظار جرائم كبرى يتوعدنا بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومرشد دولة العدل الإلهي خامنئي وبشار الأسد، نيابة عن تنظيم دولة داعش؟

 

كاتب عراقي

حامد الكيلاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *