موناليزا الموصل تسخر من بلاهتنا / بقلم: فاروق يوسف

 

 

لقد غُزيت عقولنا وقلوبنا بالعنف وابتلت عقائدنا برائحة البارود قبل ان تسقط أول قنبلة باسم الحرب على الإرهاب.

 

لن تنفع الحرب على الإرهاب في شيء. إنها حرب عبثية لا تنتج إلا خرابا. لقد خرب الارهابيون المدن التي اجتاحوها أو ملأوا الفراغ السياسي فيها وحين حانت لحظة القضاء عليهم في الوقت الذي يناسب القوى العظمى التي اضطلعت بتلك المهمة ازدادت تلك المدن خرابا.

 

خراب على خراب ولن يأتي سوى الخراب.

 

نرى المدن وقد صارت أطلالا أما البشر الذي طُمروا تحت تلك الأطلال فلا أحد يراهم. هناك طفلة من الموصل أرادها المصور أن تبتسم فابتسمت. صار العراقيون بحسن نية أو بلاهة عمياء يطلقون على تلك الطفلة تسمية موناليزا الموصل.

 

لقد غيب الخراب كل شيء. العقول والعواطف والضمائر والمشاعر والقدرة على استعمال اللغة وسيلة للفهم. هناك لغة أخرى هي لغة الخراب هي التي اهدتنا عبارة موناليزا العراق.

 

لم يفكر أحد في الكارثة التي ستحملها تلك الطفلة معها. عارنا القادم من المستقبل. لقد تم اختصار كل شيء بالابتسامة التي خالطها شيء عظيم من الحزن.

 

الشيء نفسه حدث مع الإرهاب.

 

كما لو أن الإرهاب اخترع نفسه في جزيرة قفر، كما لو أنه هبط من السماء بجنود مدججين بعقيدة القتل، كما لو أن شيئا منه لن يبقى بعد اقتلاعه بادرت قوى عالمية إلى حشد قدراتها التدميرية في حرب غير مسبوقة عليه.

 

ليس الإرهاب جديدا. غير أنه كان في المرات السابقة محليا.

 

أهي صدفة أن يكون الإرهاب الذي ضربنا عالمياً؟

 

ابتسمت طفلة الموصل لتعلمنا الابتسام في زمن القتل.

 

“لو كنتم إنسانيين حقا ابتسموا بطريقتي.” كانت هذه رسالتها وهو اختبار سيفشل في اجتيازه البشر كلهم حول العالم وقبلهم العراقيون.

 

الحرب على الإرهاب هي في حقيقتها عبارة عن صفحتين. ما فشل في إنجازه الارهابيون نجح أعداؤهم في الوصول إليه. صفحة سوداء تلتها صفحة سوداء أخرى.

 

لقد مُحيت مدن ودُفنت مجتمعات. هناك آثار. سيقال إنها من بقايا دولة الخلافة الإسلامية. شيء أشبه بابتسامة موناليزا الموصل سيحل شاحبا، باعتباره الحقيقة الوحيدة. لقد دمر بركان فيزوف مدينة بومبي الرومانية عام 79 ميلادي بسبب غلوها في الفحش، كما قيل.

 

ولأن التاريخ يكتبه المنتصرون فسيُقال إن الحرب على الإرهاب ما كان لها أن تمحو مدنا وتطمر مجتمعات لولا الفحش الذي تمكن من تلك المجتمعات وجعل من مدنها حواضن للإرهاب.

 

ولكن عصرنا الذي هو عصر العلم لن تتمكن منه الخرافة مهما رُصد لها من أموال وبغض النظر عما تقوله مراكز البحوث والدراسات التي وضعت في خدمتها.

 

مثلما بدا خطر الإرهاب عالميا فإنه في المقابل كان صناعة عالمية.

 

لقد تم تمرير كذبة أن الإرهاب هو صناعة محلية استرشادا بما قاله المتفقهون من أن للعنف جذوراً في ثقافتنا الدينية، غير أن ذلك كذب قديم تم احياؤه من أجل تأكيد النظرية التي تلصق العنف بالإسلام من دون الأديان الأخرى.

 

كان بليني الصغير قد عاش التجربة المؤلمة ووصف ما الذي حدث لبومبي وقد كان واقفا على مشارفها. لم تكن لديه فكرة مسبقة عن المدينة التي اختفت. كان شاهدا روى كل شيء.

 

ليست ابتسامة الطفلة الموصلية سوى شهادة صغيرة مقارنة بشهادات مَن ستكتب لهم الحياة من سكان الموصل وقبلهم سكان الفلوجة والرمادي وتكريت وديالى وسواها من المدن المغدورة.

 

يوما ما سنكتشف أن كل ما قلناه هراء. فالحرب التي طمرت أهلنا كانت قد أظهرت مؤشراتها القبيحة يوم تم تمكين عصابات القتل من السيطرة على المجتمعات التي ضاع أفرادها بين دروب متاهات عنفها.

 

مثلما فعل بركان فيزوف قبل أن ينفجر فعلت الحرب على الإرهاب.

 

لقد غُزيت عقولنا وقلوبنا بالعنف وابتلت عقائدنا برائحة البارود قبل ان تسقط أول قنبلة باسم الحرب على الإرهاب. ولم يبق لنا سوى أن نجرب الابتسام ببلاهة في تحية متواضعة لتلك الطفلة التي أخذت عارنا إلى المستقبل.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *