زهور بغداد .. لا تراها الأعين ! / عدنان حسين

 

 

 

أعرف أن الزهور لا تُزرع نبتاتها في الليل لتتفتح ويضوع عطرها في الصباح التالي. أعرف أنه يلزم الانتظار بضعة أيام لنرى شوارع بغداد وقد ازدانت تماماً بالزهور التي أطلقت حملة زراعتها أمينة بغداد شخصياً.

الصحف المحلية نشرت الخميس الماضي صورة السيدة ذكرى علوش وهي تزرع نبتات الزهور في مكان ما في بغداد، مع خبر يقول إن أمانة العاصمة أطلقت حملة لغرس أكثر من مليوني زهرة في عموم الساحات العامة والجزرات الوسطية، إيذاناً ببدء الموسم الربيعي وبالتزامن مع أعياد نوروز وإنتصارات القوات الأمنية في جبهات القتال ضد إرهابيي داعش في الموصل، بحسب بيان دائرة الإعلام في الأمانة.

الحملة تشارك فيها منظمات مجتمع مدني وفرق تطوعية، و”تأتي في إطار مساعي أمانة بغداد لزيادة المساحات الخضر وخلق أجواء مناسبة أمام الأسر البغدادية مع حلول فصل الربيع”، يضيف البيان.

هذا عمل رائع من دون أدنى شك، فما أروع من تزيين الشوارع والساحات بالازهار الملونة، ولا نقول العاطرة لسبب يتعلق ببيئة بغداد المُتخمة بالتلوّث، ما يُذهِب بأية رائحة . لكنّ هذا العمل الرائع ناقص، فهذا العدد الهائل من الزهور سيضيع وسط أكوام النفايات التي لا يخلو منها متر مربع واحد من شوارع العاصمة ودرابينها وساحاتها.. لا أظنني مبالغاً إن قلت إن أكوام النفايات في بغداد يمكن أن يصل عددها إلى ما يزيد على عدد نبتات الزهور التي زرعتها الأمانة في حملتها الأخيرة.

المليونان من الزهور التي زرعتها الأمانة لن تُسرّ به العيون كما ينبغي، فجُلّها سيضيع وسط طوفان النفايات في بغداد، وسيتحلّل شذاها في الروائح العطِنة  المنبعثة من هذه النفايات ومن مجاري الماء الآسن وبِرَكه التي لا ينحصر وجودها في الأحياء القديمة والفقيرة المهملة ومستعمرات الحواسم.

أعرف أن أمانة بغداد التي يُفترض أن تكون واحدة من أغنى مؤسسات الدولة، نسبةً إلى أملاكها الطائلة ومواردها المفترضة من الرسوم، قصيرة اليدّ مالياً وليس في وسعها الاضطلاع بواجب التنظيف، لكنّها ما دامت قد نجحت في تجنيد عدد غير قليل من عمالها وموظفيها ومن متطوعي منظمات المجتمع المدني في حملة زرع الزهور، فلماذا لا تبادر الى الشيء نفسه من آن الى آخر، فتُلطق حملات للتنظيف؟

كما العمل يجرّ العمل والكسل يجرّ الكسل، فإن النظافة تحرّض على النظافة والوساخة تخلّف الوساخة .. من كثرة انتشار الازبال في شوارع بغداد وسائر مدننا ودرابينها وساحاتها وحتى مكاتب دوائر الدولة، على مدى سنين زادت على العشرة، أصيبت عيون العراقيين جميعاً  بالتلوّث البصري، فلم يعد يستفزّها مشهد الوساخة.. حملات تنظيف طوعية متكرّرة في بغداد، وباقي المدن، مرفوقة بتوفير مستلزمات جمع القمامة، يُمكنها تدريجياً أن تعالج تلوثنا البصري وأن تُعيد إلى عاصمتنا بهاءها المُضاع، وتجعل من مبادرة أمينة بغداد وموظفيها ومتطوعي المجتمع المدني بزرع الزهور في الشوارع والساحات والجزرات الوسطية جهداً غير ضائع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *