هل يؤدي تمديد اتفاق أوبك إلى انهياره؟ / صادق حسين الركابي

 

 

من الضروري ان تتعامل أوبك بمعطيات جديدة تماما للسوق النفطية، ارتفاع انتاج النفط الصخري هو جزء منها وليس كل شيء.

على الرغم من أن أعضاء أوبك والمنتجين التقليديين من خارج المنظمة كانوا متفائلين جداً باتفاق خفض انتاج النفط إلا أن الأسعار ما تزال دون مستوى الـ 55 دولاراً للبرميل. وهذا دفع المنظمة للحديث عن تمديد فترة الاتفاق إلى ستة أشهر أخرى على أمل أن ينخفض فائض المعروض في السوق العالمية وأن تبدأ مخزونات الخام وأبرزها الأميركية بالانحدار.

 

إلا أن هذه المخزونات أظهرت مرونة كبيرة فهي لم تنخفض لمستويات تنذر بالخطر بالنسبة للمنتجين الأميركيين. فقد وصلت في الأسبوع الثالث من شهر مارس آذار هذا العام 2017 إلى مستوى 287 مليون برميل وهو أعلى من المتوسط للسنوات الخمس الماضية. كما ارتفع انتاج النفط الأميركي إلى أكثر من 9.1 مليون برميل يوميا بعد أن وصل إلى أقل من 8.5 مليون برميل يوميا في يونيو من العام الماضي 2016.

 

بالإضافة لذلك، ارتفعت مخزونات دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لأعلى مستوياتها منذ ست سنوات لتصل إلى 66 يوماً بعد أن كانت في 2011 قرابة 55 يوماً.

 

وهذا أدى لخفض توقعات التجار بالنسبة للعقود الآجلة التي تأثرت أيضاً بقدرة النفط الصخري على مقاومة أسعار النفط وتحقيق هامش من الربح مكن شركات الخدمات النفطية من زيادة عدد منصات الحفر بمقدار 14 منصة الاسبوع المنتهي في 17 مارس آذار، ليصل العدد الإجمالي إلى 631 وهو الأكبر منذ سبتمبر 2015.

 

النفط الصخري إلى الواجهة من جديد

 

ويتوقع أن يزداد إنتاج النفط الصخري بشكل يعوض أي نقص في السوق جراء اتفاق أوبك الخاص بخفض الانتاج. فالكلفة الحدية للنفط الصخري مع زيادة الانتاج والتقدم التقني في الحفر وتحسين كفاءة التشغيل انخفضت إلى مستوى 30 دولاراً للبرميل وهو الأمر الذي شكل مفاجأة غير سارة لمنظمة أوبك.

 

وإذا ما استمر الامر كذلك فإن إنتاج الولايات المتحدة سيزداد بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية العام 2017. وتأتي هذه الزيادة المتوقعة على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يعلن بعد عن خفض الضرائب على شركات النفط والغاز في مسعى له لتحقق الولايات المتحدة استقلالاً في ملف الطاقة.

 

وإذا ما حصل ذلك فإن نقطة تعادل النفط الصخري قد تنخفض لمستويات العشرين دولاراً للبرميل، في وقت تطمح أوبك لتحييد المنتجين غير التقليديين من السوق.

 

وتعلق أوبك آمالاً كبيرة على زيادة الطلب العالمي على النفط وليس فقط تراجع الفائض. إلا أن تحسن كفاءة استهلاك الطاقة والتقدم التكنولوجي والتحسن المستمر في استثمارات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والسيارات الكهربائية ما تزال تضغط على أسعار النفط. وبالتالي فإن الطلب العالمي سيكون محدوداً إن لم يكن بطيئاً في ارتفاعه.

 

أوبك والسباق مع الزمن

 

ويبدو أن عامل الزمن الذي تراهن عليه أوبك في اتفاقها لخفض الانتاج سيلعب دوراً مهماً من ناحية المعروض ومستوى المخزونات العالمية. ليس هذا وحسب وإنما سيكون للعامل الزمني دور محوري في تماسك الاتفاق نفسه والتزام بعض الأعضاء بتطبيقه.

 

فعلى الرغم من أن نسبة الالتزام بحسب ما هو معلن وصلت إلى 90% إلا أن بعض الأعضاء من داخل المنظمة التزموا بنسب متفاوتة تراوحت بين 50-60% في حين تحمل أعضاء آخرون وأبرزهم المملكة العربية السعودية العبء الأكبر والذي تجاوز المستوى المتفق عليه بقرابة 130 ألف برميل.

 

أما المنتجون التقليديون من خارج المنظمة وأبرزهم روسيا فهم يتجهون ببطء نحو المستويات التي تعهدوا بها. فقد خفضت روسيا لغاية شهر مارس آذار الحالي من انتاجها بمقدار 160ألف برميل في حين أنه يتوقع أن تصل إلى خفض 300 ألف برميل التي تعهدت بها في شهر أبريل نيسان القادم.

 

ولا يمكن التنبؤ بالموقف الروسي الفعلي من اتفاق تمديد الانتاج في ظل بقاء الأسعار عند مستوياتها الحالية. فروسيا التي انخفضت فيها قيمة الروبل لمستويات كبيرة تحتاج لموارد مالية لخزينتها. كما أن بقاء الأسعار عند مستويات محدودة في ظل حاجة روسيا لزيادة الانتاج والخشية من خسارة بعض الحقول نتيجة تراجع الانتاج سوف تدفع روسيا بكل تأكيد على رفض الاستمرار في الاتفاق.

 

الرابح الأكبر

 

ومن غير المضمون التعويل على تمديد الاتفاق لستة اشهر أخرى طالما كان هناك دول ترى في أن هذا الاتفاق يتسبب لها بتراجع الإيرادات أو تقليص حصصها السوقية. فالعراق الذي يلتزم بمستويات انتاج عالية أمام شركات النفط الأجنبية بموجب عقود نفط محددة التكاليف، يرى أن التقدم السعري البطيء للبرميل لا يحقق له الزيادة التي كان يتمناها في الإيرادات. بالإضافة لذلك فإن سعي العراق للوصول بالانتاج لمستوى 5.4 مليون برميل تتعارض مع الاتفاق خاصة وأنه يمتلك قدرات تخزينية محدودة تصل إلى 10.5 مليون برميل.

 

أما الرابح الأكبر فهو إيران التي تم استثناؤها من خفض الانتاج ما سمح لها بزيادة حصصها السوقية في آسيا ووصلت بصادراتها إلى مستويات قياسية بلغت 3 مليون برميل يومياً هي الأعلى منذ 1979.

 

لكن مع كل هذه المعوقات التي تعترض تحقيق نتائج سريعة لاتفاق أوبك فإن الأسعار ما تزال خجولة في الاتجاه الصعودي. صحيح أنها تتراجع بفعل ضغط المخزونات الأميركية والنفط الصخري إلا أن تعافي الاقتصاد العالمي الذي بلغت نسب نموه 3.4% هذا العام 2017 و3.6% العام القادم 2018 تشير إلى أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع لا محالة.

 

يضاف إلى ذلك العامل المتعلق بالاستثمارات النفطية والتي تراجعت بمقدار ترليون دولار منذ منتصف العام 2014. وستستفيد معظم الشركات النفطية المستثمرة من انخفاض أسعار الفائدة في معظم البنوك المركزية للحصول على تمويل أكبر لعمليات الاستخراج والتنقيب.

 

لكن بالمقابل من هذا يبقى ارتفاع قيمة الدولار ضاغطاً على تلك الاستثمارات حيث أنه يحمل الشركات تكاليف أعلى ويجعلها حذرة في طبيعة الأعمال التي تنفذها. فهي بكل تأكيد ستبتعد عن الاستثمار في الحقول ذات المخاطر العالية لصالح الحقول التي لا تحتاج لتكاليف باهظة لتأهيلها أو استخراج النفط منها.

 

هل اتفاق أوبك هو الحل؟

 

من هنا فإن تمديد اتفاق أوبك لمدة ستة أشهر أخرى، قد يؤدي لانهيار الاتفاق برمته في حين أن الإبقاء عليه لن يخدم الأسعار بقدر ما أنه سيحقق منفعة أكبر للمنتجين غير التقليديين وفي مقدمتهم منتجو النفط الصخري.

 

لذلك فإن الحل الحقيقي لمعضلة التذبذب في أسعار النفط يكمن في جانب الطلب بنسبة أكبر من العرض. ولا يمكن الخروج من هذه الدوامة إلا بطلب حقيقي ومستدام لن يتحقق إلا إذا ارتفع مستوى التجارة الدولية وزادت طلبات الشراء في الدول الصناعية الكبرى. فهل سيحدث ذلك في ظل السياسات الحمائية والمخاطر التي تهدد الاتحاد الأوروبي وإعادة هيكلة الاقتصاد الصيني؟

 

هذا ما سيتضح في الربع الثالث من هذا العام خاصة بعد مرور 100 يوم على انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة وبدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومعرفة نتائج السياسة الصينية الجديدة.

 

وإلى أن يتم ذلك فستبقى اسعار النفط تراوح عند مستويات الخمسين دولاراً، بعيداً عن أحلام الماضي بأسعار مرتفعة أو تحت ضغط كبير من احتمال التراجع إلى الأربعين دولاراً من جديد في حال فشل التمديد الثاني في تحقيق النتائج المرجوة منه.

 

 

 

صادق حسين الركابي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *