الإرهاب الإيراني المستدام في العراق والحل الأميركي / حامد الكيلاني

 

تنظيم الدولة الإسلامية بيننا وتنظيم ولاية الفقيه بيننا، أي إن الإرهاب بيننا ونحيا في مأزقه وتشظياته، فبماذا يختلف الإرهاب عن فكرة الظلم في الحكم.

 

عندما تدعوك امرأة مغرمة بك لتناول الطعام من مطبخها، ومن صنع يديها، لا تشك أبدا أن مذاق أطباقها سيكون أكثر بلاغة مما لو كتبت إليك رسائل حب، وربما ستفرش لك الورود من الباب إلى الباب؛ لكن هذا لا ينطبق على من يريد إقناعنا، من أحزاب الإسلام السياسي ودعاة ولاية الفقيه الإيراني وعطشى السلطة الذين يعانون الجفاف منذ قرون ومعهم رهط من المظلومين الجدد الأثرياء، بأنه بصدد إعداد طبخة جديدة تتكون من أفضل وأطيب وأشهى أنواع الحكم الديمقراطي كمناسبة لنبذ الماضي القريب بوعود وتتبيلات محبة صادقة تعوض المكائد والدسائس التي غالبا ما انتهت بالتسمم كالعادة.

 

14 عاما من غياب سماحة الدين الإسلامي في ظل حكم ساسة يتوضؤون 5 مرات بدماء الضحايا من الشعب العراقي، ومعها النوافل أيضا ثقة منهم باستمرار شعوذة السلطة.

 

في حالة اللادولة واللاسيادة تنمو طحالب الميليشيات والسرقات والمافيات وجيش من المرتشين والفاسدين والمحتالين والمزورين مع غياب للقانون إلا في حالات الاستجابة لمشاريع كبرى.

 

يحضر القانون برفقة جوقة منشدين لتوفير غطاء لأسوأ ما يشهده العراق في قادم أيامه، تمهيدا لحشده السياسي بعد تمرير قوانينهم الخاصة التي تم فيها زجه بالمهمات الخاصة للحرس الثوري الإيراني بما جنبهم ردود الأفعال الدولية والإقليمية رغم أنها مكشوفة وعارية.

 

كيف نصف نظام الحكم في العراق، إسلامي وهو لا يمت للإسلام بصلة رغم عناوين الأحزاب، وليس بنظام علماني أو ليبرالي، ودون رشد لأنه لم يبلغ سن الفطام والشبع، معظم قادته يحملون على أكتافهم وزر الخيانة العظمى الموثقة والمثبتة بالاحتلال، حقائق دامغة وأقوال مسجلة لبدائية ووحشية مطلقة زرعت الإبادات المجتمعية المتقابلة والتشفي بالموت والإقدام على ارتكاب المجازر تحت أنظار العالم وإعلامه؛ نظام حكم بلا برامج أو واقعية سياسية أو بناء لجسور ثقة مع محيطه أو مع المجتمع الدولي، فقراء تحولوا مع استلام السلطة إلى أغنياء تتندر عليهم الصحافة وتستذكرهم الدول التي كانوا يتقاضون منها منح الرعايا وتمنع بعضهم من شراء معالمها لمعرفتها وتدقيقها بمصادر أموالهم المشبوهة.

 

يستوردون، بانتقاء غريب، أحداث الماضي البعيد ويزجون بها كعثرات أمام مستقبل الشعب، ولا أقول شعبهم، ويطلبون منه مع كل دورة انتخابية التجديد لهم بعد أن يستعرضوا له مشاريع ومسودات الحياة الفاضلة وهم أول من ينتهكونها ويتجاوزونها، في تعاط هجين لاستغلال الشعائر الدينية والطقوس والتعصب لإمداد وتغذية مقاييسهم الثابتة ولو على حساب البسطاء الذين يتبعونهم وهم مغمضو العيون باعتبارهم معممين وبالتالي مقدسين.

 

لماذا التوجس من الحرب على الإرهاب؟ الجواب في الصراع الأميركي القادم مع إيران، الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، وهي حرب سيخوضها الحرس الثوري الإيراني لكن وقودها من العراقيين من منتسبي الحشد

 

ولا نذهب بعيدا إلى شواهد من تاريخ التعصب للتوجهات الدينية وانقساماتها حتى داخل المعتقدات والتعاليم غير السماوية، فتنظيم الدولة الإسلامية بيننا وتنظيم ولاية الفقيه بيننا، أي إن الإرهاب بيننا ونحيا في مأزقه وتشظياته، فبماذا يختلف الإرهاب عن فكرة الظلم في الحكم إن في إدارة دولة أو إدارة دائرة عامة أو حتى شركة خاصة أو مدرسة بنظام تعليمي متخلف يعتمد الضرب والإهانة والتربية بالخوف والإذلال، ماذا نقدم لأجيالنا؟

 

تنشط العديد من الدول في حاضرنا بتأسيس رؤاها وذلك بجلب واستقدام المستقبل إلى الحاضر ليأخذه معه محركا ودافعا وبثبات يتحقق في التعليم واستثمار الإنسان كوسيلة وغاية؛ ماذا سننتج من جيل المخيمات والنزوح والعذابات وذاكرة الاحتقار المتعمد الذي تنتهجه حكومات وأحزاب تفرخ الإرهاب في مداجن سياسات التجويع ومعسكرات التشريد والطائفية وأيضا الفقر والإهمال والبطالة وفقدان الرغبة في الحياة تحت ظلال خناجر دستور جاهزة للإشهار عند الحاجة.

 

سياسيون يتباكون على ضربة لم تحدث لمفاعل نووي إيراني، لأنه المفاعل النووي الذي سيحمي بلاد المسلمين من المطامع الإسرائيلية في التمدد من النيل إلى الفرات؛ متناسين أن إيران استهدفت المفاعل النووي العراقي لكنها لم تستطع تدميره، كان ذلك قبل فترة من العدوان الصهيوني على مفاعل تموز في بغداد في 7 يونيو 1981؛ دلالات وإشارات ممانعة أصبحت مثار صمت بعد سخرية طويلة تحولت في يومنا هذا إلى غضب لم تكتمل بعد تداعياته رغم بلوغه مرحلة الجنون؛ في الأمر تتمة.

 

العراق هل هو أميركي أم إيراني أم الحقيقة تتمثل في استحواذ الإرهاب عليه؟

 

يمكن أن يكون بلدا لكل التسميات والأقوام والمزاجات والقوى السياسية والمذهبية والقومية، لكنه بكل تأكيد ليس عراقا لأهله، والعبرة دائما بالحكام فهم الذين يأخذون بيد الشعب، وهم أخذوه لكن إلى نظام رسخ عن سبق وإصرار دوامة العنف المستدام، ودفاع حيدر العبادي رئيس الوزراء، في ملتقى السليمانية الخامس عن مرحلة ما بعد داعش، عن الحشد الشعبي وسلاحه، وإدانته للسلاح خارج سيطرة الدولة بما يقترب من تعداده السابق للفصائل التي كان يصفها بالخارجة عن القانون وبلغت 100 ميليشيا سرعان ما برمجها كقوات عسكرية بإمرته، وهو يدري أنها لا تأتمر بأوامره، وهناك مستجدات لا تنقطع لميليشيات، حتى خارج منظومة هيئة الحشد الشعبي، تقاتل خارج الحدود ستجد لها مكانا شاغرا وبفارغ الصبر سيتم ملء الفراغ.

 

مصطلح “الفضائيين” في العراق شائع ومتداول ويقصدون به منتسبي الجيش خصوصا والذين يستلمون الرواتب دون أن يكون لهم وجود فعلي وعملي، وهو جزء من قضايا الفساد المالي التي تم الكشف عنها، وعزا بعضهم احتلال الموصل وغيرها من المدن إلى عدم وجود المقاتلين كما هي الأعداد المسجلة في قوائم الرواتب؛ في هكذا نظام أصبح الشعب تائها في فضاء دولة لا تحكمها جاذبية الوطن ومصالح البلاد والناس وغدهم.

 

الغارة الأميركية الإعلامية لحملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب قبل انتخابه رئيسا لم تعد إعلامية، وبرنامجه في القضاء على الإرهاب العالمي بدأ يتموضع في سوريا وبوضوح أكبر في العراق وذلك بزيادة القوات ونشرها دون ضجيج وعلى ودفعات وبأماكن متفرقة، والأخبار صادمة بكل تأكيد للإرهاب الداعشي المتواجد على أطراف محافظة الأنبار في مدن عانة وراوة والقائم، والاستعدادات والترقب للمعارك حاضرة في تهيئة الحشود العشائرية ومنها من لا علاقة له بالحشد الشعبي الطائفي ويقاتل مع القوات العسكرية لتحرير مناطقه.

 

رد الفعل يأتي من بعض قادة الحشد بالرفض لمشاركة أعداد إضافية من القوات الأميركية في الحرب ضد الإرهاب، رغم أن الأميركيين يشاركون في الدعم الجوي الكبير الفاعل في معركة الموصل وكذلك في إسناد القطعات الأرضية. لماذا التوجس من الحرب الحاسمة على الإرهاب؟ الجواب في الصراع الأميركي القادم مع إيران، الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، وهي حرب سيخوضها الحرس الثوري الإيراني لكن وقودها من العراقيين من منتسبي الحشد، وهو وقود متوفر ورخيص وتحت الطلب وبأمر الولي الفقيه طبعا.

 

المشهد يبدو تصعيدا أميركيا سيقابله طبعا تصعيد إيراني. أدوات إيران وأذرعها بإنتاج واسع على الأرض العراقية، لكن التصعيد في العراق سيكون أولا انتخابيا وذلك بخصم النسبة العربية منه؛ أما ما نلمسه من تقارب في العلاقات بين العراق والعرب فهو مجرد ابتسامة لقناع إيراني ربما لمرة واحدة إذا أسعفه الزمن ضمن سياسة الملالي الذين سيكشرون عن أنياب مشروعهم الإمبراطوري ضد العرب كما فعلوا دائما بتعبيد الطريق لعرابهم نوري المالكي أو أحد قادة ميليشياتهم لتسلم السلطة. أميركا بدأت بالتواجد الدائم لمحاربة الإرهاب في العراق، وهناك من ساسة العراق مازال يرى أن الحل لا يأتي إلا من داخل أقبية الأغلبية السياسية الطائفية؛ للعراق بقية، بقية من عروبته ومن شعبه الصابر.

 

كاتب عراقي

حامد الكيلاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *